اليمن الان امام اختبار عسير ، وفتنة وشيكة ، وعلى شفا حرب مدمرة ان بدأت في هذا البلد الذي يعتبر على رأس الدول الأشد فقرا في العالم ، فلا يعلم اجل نهايتها الا الله ، وإن انتهت فستكون على الأرجح قد حصدت الأخضر واليابس ، ووأدت التسامح المذهبي ودمرت النسيج الاجتماعي ، وزرعت الأحقاد والضغائن أجيالا عديدة ودهورا مديدة ، وسالت الدماء انهارا ، وأهلك الحرث والنسل ، ستنتهي وقد ترملت آلاف النساء وتيتم آلاف الأطفال وتحول الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الى معاقين ومشوهين منتظرين يد الرحمة الإلهية . ولنا في الصومال وسوريا والعراق وليبيا وأفغانستان أمثلة حية تجري أحداثها ونحن شهود عليها ، وبعد كل ذلك سيؤول في نهاية المطاف على أرجح تقدير الى جلوس الطرفين المتحاربين على طاولة المفاوضات للخروج منها بأكبر الخسائر وأقل المكاسب ؟ لماذا كل هذا الجنون ؟ لماذا كل هذه المغامرة الغير محسوبة ؟ لماذا كل هذا الصلف والتعنت ؟
لم لا يجلس الفرقاء قبل ذلك ؟ قبل الدمار والخراب والأحقاد والضغائن والتصفية العرقية والمذهبية والطائفية للخروج بأكبر المكاسب وأقل الخسائر .
لماذا نبيع أوطاننا ونجعلها ميدانا لصراع قوى خارجية ؟ سواء كانت ايران او السعودية ؟ سواء كانت أمريكا او روسيا ؟ أهان علينا دماء أبناءنا واخواننا واباءنا وأطفالنا ونساءنا حتى نجعلها وقودا لهذه الحرب العبثية القذرة ، أهان علينا تراب وطننا الطاهر حتى نجعله موطئا لأقدام نجسة باعت ضمائرها ودينها وقبضت الثمن الرخيص ؟ لماذا نرضى لأنفسنا ان نظل أدوات بيد الأعداء تدار بالريموت كنترول من طهران او الرياض او موسكو او واشنطن ؟
لا شك أن الرياح ( رياح الربيع العربي) والثورة المضادة التي تبعته هبت ولا زالت تهب في صالح الحوثي (أنصار الله ) في الثلاث السنوات الاخيرة ، فمن حركة متمردة بفكر قروسطي منبوذ الى حركة اصطبغت بصبغة الشرعية من خلال ثورة فبراير (ربيع اليمن العربي) حيث وجدت في الإصلاح رفيقا في النضال من اجل إسقاط النظام ، وكذلك الإصلاح وبحسن نية وجدها رفيقة في النضال من اجل الهدف نفسه ، وبالرغم من اختلاف الأيديولوجيات ، كان ائتلافهما معا تكتيكي مرحلي وليس استراتيجي .
وبعد إسقاط النظام ودخول المبادرة الخليجية حيز التنفيذ التي تجاهلت الحوثي كمكون من مكونات الثورة ، الذي بدوره رفضها في حينه وبهذا يكون قد انفرط التعاون التكتيكي لرفاق الأمس واستبدل بعداوة ظاهرة غير مجسدة على ارض الواقع ،
وحدث ما حدث في مصر من ثورة مضادة مدعومة دوليا وإقليميا ومحليا أرجعت مرسي الى محبسه الذي خرج منه ، كان اهم محاورها اصطناع الإرهاب كمظلة تستطيع الثورة المضادة استخدامه كذريعة لضرب الاخوان المسلمين في مصر ، وشيطنة الاخوان ووصمهم بما ليس فيهم والضغط عليهم بشتى الوسائل من اجل جرهم للعنف ، والمحور الأخير من محاور الثورة المضادة هو إذكاء وبعث الصراعات الطائفية والمذهبية
وبدأ مسلسل اجتثاث الاخوان المسلمين يتبلور في جميع الدول العربية ، ووجدها الحوثي ضالته في استثمار هذه التطورات من اجل تسويق نفسه دوليا وإقليميا انه القوه المثالية لاجتثاث الاخوان في اليمن ليضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد ، (التخلص من الإصلاح كعدو استراتيجي لدود، والتقرب من أمريكا والسعودية الذي كان حلما بعيد المنال، وإبرام تفاهم سرى مع الرئيس لتخليصه من هيمنة مراكز القوى التقليدية ( الإصلاح +علي محسن + حميد الاحمر ) الامر الذي يريده الرئيس لترسيخ أقدامه في الاستبداد بالسلطة لاحقا، وفعلا حصل التقارب والتفاهم الحوثي السعودي ، والحوثي الرئاسي وبدأ بتنفيذ الخطة التي كان أولى ثمارها سقوط عمران .
وفي اليوم التالي لمقتل البطل القشيبي اذا بهادي يزور عمران زيارة مشبوهة ويدلي أيضاً بتصريح مشبوه ، في هذه الأثناء انكشفت خيوط اللعبة بشكل جلى واضح، وكان الاولى بالإصلاح ان يغادر الحكومة فورا ويلتحق بالمعارضة ، (الاستاذ زيد الشامي دعاهم صراحة لذلك قبل فوات الأوان )غير ان الغباء السياسي لحزب عريق مثل الإصلاح جعله يتخذ القرار الخاطئ في الزمان الخاطئ فلم يخرج من الحكومة ، ليتوج مشواره السياسي المتواضع بالإمضاء على جرعة قاتلة للشعب بكل المقاييس ، والتي كانت المسمار الأخير في نعشه السياسي ليدخل مرحلة الانتحار السياسي ، الامر الذي أتى بضالة الحوثي المنشودة على طبق من ذهب والتي كان يبحث عنها ، فما كان من الحوثي الا ان قام باستغلالها استغلالا سياسيا بارعا لينبرى وحده دون غيره ناطقا باسم الشعب ذائدا عن مصلحة الشعب ، حامي لمكتسبات الشعب وكرامته ، والنخبة من الشعب تعلم جيدا ان عواء الحوثي إنما هو عواء ذئاب ودموعه إنما هي دموع تماسيح.
وتتسارع الأحداث ويقوم الحوثي بثورة مضادة على الحكومة دون الرئيس ، ( المتابع لخطابات عبدالملك الحوثي لا يتعرض أبدا ولا يحرض على الرئيس هادي ) ، ويطلب ثلاثة مطالب ظاهرها العدل والمنطق تخفي في ثناياها مطالب اخرى سرية تعادل ان تكون انقلابا على الحكم ، يدفعه في ذلك سكرة النصر في عمران ما جعله يتجرأ على حصار صنعاء ويمسك بتلابيبها من جميع مداخلها ليجعلها تحت مرمى نيرانه،
هنا في خضم هذه الأحداث المتسارعة التي اربكت حسابات أطراف خارجيه مثل السعودية التي لم تكن تتوقع ان يحاصر الحوثي صنعاء بهذه السرعة ، ومن ثم يشكل تهديدا استراتيجيا وجوديا عليها مدعوماً من ايران ، الامر الذي جعلها توعز لهادي ان يوجه لها درسا لا تنساه وإلا فلا مساعدات ولا ...ولا ، هادي بين المطرقة والسندان ، الامر الذي جعل هادي يتأنّى في اتخاذ القرار حفاظا على الدم اليمني ، وهو ما لم يرق للسعودية ، وبالفعل اتصل وزير الخارجية السعودي بهادي ليعرب له عن استياءه البالغ عن تلكؤ هادي في اتخاذ القرار ، ويوجه الوزير بإخلاء السفارة السعودية من جميع الدبلوماسيين وعائلاتهم وجميع الطلاب السعوديين وإيقاف رحلات الطيران السعودي من والى اليمن ، الامر الذي يوحي بأن هناك أمرا ما قد دبر بليل ، من خلال ما سبق يتضح ان القوى الخارجية تريد ان يكون اليمن ميدان صراع بينها ، واليمنيون من يخوضون حربا بالوكالة عن السعودية وإيران ؟
بعد ان اتضحت اللعبة هل ما زلتم يا حوثيون ويا إصلاحيون مصممون على ان تخوضوا هذه الحرب القذرة بالوكالة ؟