على جماعة الحوثي أن لا تكرس أسوأ مافي النمط الذي تزعم أنها وقفت ضده ، ولطالما أخر اليمن عن التطور، كما كاد يقضي على أمل النجاة وتضحيات الشعب من أجل دولة المدنية والمواطنة والكفاءة والنزاهة والحقوق . عليها أن تتسق مع ماكنت تطالب به، وتأمله لتحقيق اليمن الجديد. عليها أن تخضع ذاتها للمراجعات والمناقدات المسئولة والعاجلة لأن اللحظة مثالية ولن تتكرر ، كما عليها أولاً أن تتحول إلى حزب سياسي إذا كانت تريد حقاً أن تكون شريكة فاعلة في صنع المستقبل اللائق لجميع اليمنيين.
أما بهذه الصورة العنفية المحصورة مذهبياً ، والممجدة لمزاجها فقط، والقافزة فوق القوانين والدولة ، فإنها لن تكون-ويا للأسف- سوى شريكة في تطييف الدولة والمجتمع وصناعة الدمار والخراب، ومن ثم العودة باليمنيين إلى المربعات الأولى، وتعميم جلجلة اليأس ، واندلاع مشاعر الاحتقان والرفض بسبب تغول مشاعر الإقصاء والتطنيش.
وحتماً لا ينبغى باليمنيين هنا أن يستمروا في عبء الاحتكارات والهيمنات الثأرية المتوالية، وعناصر التحفيزات والاستقطابات اللاوطنية كقدر لا فكاك منه، فمن تجليات هذا الفرز الحصري، التسويغ لانهيار الهوية الوطنية والتمرغ في الهوية الطائفية وتجاوز السياسة والانغلاق الطائش على ماتقرره إرادات جماعات القوى ، لا الانفتاح على البرامج واحترام سمة التعدد الوطني، وإرادة الاختيار الحر، وعدم اختزال اليمن بتكتيكات جماعات المصالح واستراتيجيتها الأصولية والقبلية الشرهة واللاعقلانية.
أقول هذا بغية أن تعي جماعة الحوثي الحقيقة ولا تستمزج الوهم ، أن تفهم معنى النصح الصادق ولا تغرها قوتها المسلحة، مستمرة في الرضوخ لمن يخاطبون غرائزها السيئة بتبرير دءوب وانتهازية مخجلة بلا رادع وطني ..
أقول هذا مدركاً تحولات الجماعة على مدى سنوات عشر، وإذ وقفنا ضد الحروب التي حدثت لها وصرخنا متضامنين بالفم المليان ، بدا أنها لا تريد مغادرة ذهنية الحروب التي تتوسع معها كما يحدث حالياً . لذلك عليها لزاماً في السياق - وكي لا يصبح الأمر أسوأ من حكاية " ديمة وخلفنا بابها " -أن تقدم مثالاً وطنياً فارقاً يجلب الطمأنينة والسلام لليمنيين ، لا الإعلاء من شأن السلاح والعصبويات، ووراثة دور الإفساد والغلبة واستغلال الدولة وتجييرها، والاقهار للمختلف ، واحتقار مساعي ونضالات الحركة الوطنية من أجل الإصلاحات والعدالة ، ومن ثم الرمي عرض الحائط بكل ما تراكم من وعي ديمقراطي وأساليب تداولية حديثة، تبقى ذات إجماع، بالرغم من كل سوءات الانحرافات التي حدثت سابقاً ، ولطالما عانى منها الشعب اليمني العظيم وهو في طريقه الكفاحي الموضوعي الطويل الذي لايجب التراجع عنه بأي حال من الأحوال ، باعتباره الطريق الذي يوحد طاقات اليمنيين ولا يقسمهم، ولذا يجب العمل على تنميته وتوسيعه وتحصينه، والاستمرار بالخوض السوي فيه وفق خطوات وانجازات حيوية تنشد الصواب الوطني وصنع التراكم الانجازي الخلاق الذي ستصل عبره اليمن إلى ماتنشده من مستقبل يجلب الاعتزاز والسعادة لكل اليمنيين.
مالم؛ فإن الجماعة تصر على انها بلا رؤية وطنية لترقية شئون اليمن ، فضلاً عن إنها ذات علاقة إشكالية بالعصر ، أي مجرد جماعة رجعية مشوهة استمرت تزيف وتضلل وهي في غمرة تخطيطها للانقضاض ، بينما غايتها الجوهرية الابتهاج بخطاياها ، وتعميم الغشم والعسف ، وإنعاش رغبات السيطرة والوصاية المتخلفة، وإبداع الماضي الرث والبغيض، وسد منافذ التقدم ، ليس إلا .