القاتل الداعشي! .. كيف تقيّم ذهنية هذا الكائن؟ بأي منطقيات أو قواعد تُقبّح هذا القاتل؟ أليس هذا القاتل هو المقتول بالأمس؟
أليست تلك الفلسطينية المكلومة بقتل ثلاثة عشر من أفراد أسرتها أمّه ربّما؟ أليس ذاك الشيخ ذو الظهر المتعب بحرث أشجار الزيتون التي لم ترق بعد فجاء الجندي الاسرائيلي بجرافاته واجتاح ظهره أباه ربّما؟ أليس هو ربّما أباً لتلك المرأة وذاك الطفل اللذين قتلهما "الدرونز"؟
أليس هو ربما ذلك الأخ المستباح للمذلات في سجون أحد الطغاة العرب المدعومين بالقرار الأمريكي، أو ربما هو القتيل بالدبابات أو المدرعات الأمريكية المُهداة لقتال الأخوة؟
كيف تقيّم مظلومية القاتل؟ سؤال كبير ضارب في جذور ما يجري. أتحدث هنا عن القاتل الداعشي، الإنسان الذي فقد هويته الإنسانية عندما صار قادراً على حمل سكين غرزها في نحر أخيه، ومحاولة فحص جينة أو بواعث تكوينه، ولا أبرر التناقض الوجودي لهذه الجماعة للإسلام أو لفعل الحياة.
ربما لا إجابة سريعة أو محددة في نظام العالم الكبير والمهرول والمهول والمتسارع؟ كيف تقيّم هذه التناقضات؟ كيف تفرز المجتمع الأمريكي بذهنيته الإنسانية الفائقة عن تأييد شرائح واسعة منه لدعم إسرائيل الكيان الدخيل لأكثر من ستين عاماً على جسد هذه الأمة؟
كيف تستنكر استقواء القوّة؟ كيف يجتمع لأمريكا إطلاقها العنان لوصفها بالدولة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي المريضة بالانفصام فهي ترمي الغذاء بيدٍ وبأخرى ترمي عن طريق الخطأ سلاحاً كي يقتتل أبناء العشيرة ويخلصها صديق الأمس من عدو اليوم، لتستمر لعبتها في نشر التمزقات، اللعبة الأكثر قذارة في تدميرها وإنهاك شعوب كاملة؟ كيف يستقيم هذا وذاك؟ وأين تقول لها أحسنتِ وأين أجرمت؟
كيف ترفع القبعة لدولة بنَت أمة ذات حقوق متساوية فيها كرامة الفرد إحدى البدهيات اليومية، وهي ذاتها التي استمرت لقرون تحمي وتطوي تحت قبتها طغاة الشرق الأوسط الذين أذاقوا شعوبهم المذلة والهوان. الإنسان العربي ذاك الكائن البائس المتخلف المسحوق الفقير المفقر هو أحد نتاجات هذه الدولة العظيمة.
كيف نشأت تلك الدول الاستبدادية بلباس الطهر الإنساني الرحيم؟ كيف تغوّل الطغاة؟ كيف سوغ القاتل فعلته بمظلومية باكية مشروعة؟ كيف سُمح لعبور كل هذه الدِّماء؟ كيف خوّل الفساد لنفسه أن يكون سيداً علينا؟ كيف تراخت القيم والمبادئ وأصبحت تناقضاتها واقعية؟ السؤال: ناصية العالم بيد من؟ مازالت بيد الشر!