كعادتها القمم العربية لا يعول عليها الشارع العربي ، ولن يعول عليها وهي في سرت حيث أن الكثير من زعماء الدول العربية لم يحضروا هذه القمة ، وقررات هذه القمة لن تضيف شيئاً سوى التعرف على عادات وتقاليد وأهازيج الشعب الليبي ،والصراحة أن 27مارس من كل عام يمثل سياحة عربية لجميع الزعماء العرب ليس أكثر. لا يعول الشارع العربي على هذه القمم الآن ولم يعول عليها من قبل بعد أن سأم هذا الشارع تلك الإجتماعات التي تزيد زعاماتهم وهناً وضعفاً ، وتزيدهم حقداً على هذه الاجتماعات التي لا تلبي طموحات هذا الشارع الحالم بإتحاد عربي ومشاريع عربية موحدة واهتمامات مشتركة بالاقتصاد والسياسة والأمن الغذائي وإلغاء التأشيرات .
حتى طموحات الشعب العربي في تجاوز الخلافات والعمل بروح الفريق الواحد لم يستطع العرب أن يحققوه بعد هذه الاجتماعات التي تخرج في الغالب في بيانات توضع مباشرة في الأرشيف ولا يتم الرجوع إليها إلا من باب عدم تكرار القول ومحاولة الإضافات والتعديلات على البيانات السابقة والخطابات الجوفاء التي لا تغني ولا تسمن من جوع ...
الكثير لم يحضر قمة سرت وهي قمة سرت حقيقة فمعظمهم ذهب وسيأتي والبعض آثر عدم السير إلى قمة سيرت ومن آثر عدم الذهاب ليس وعياً بعدم جدوى القمة في ظل هذا التوجس العربي ولكنه إستمرار للتصرفات الصبيانية في زمن لم يعد يحتمل ..
الكثير آثر عدم الحضور وما صنعته قمة الكويت من مصافحات وضحكات أنتهى في قمة سيرت وتبدو المصالحة العربية دخلت مرحلة التيه مرة أخرى ،وربما كان على القمة العربية أن لا تكون في ليبيا هذه المرة بسبب عدم رضى الكثير من الزعماء عن خطابات العقيد الليبي ..
أظن أن الرئيس المصري حسني مبارك وأغلب الظن حقيقة أختار موعد عمل العملية إختياراً حتى لا يحضر قمة سرت فالأنظار كانت موجهه لمصر وما ستقوله إزاء قضايا كثيرة تهم العالم العربي والموقف العربي إزاء قضايا كثيرة بشأن المفاوضات وإستمرار الإستيطان والمصالحة الفلسطينية والتوقيع على موقف عربي موحد بشأنها وتجاوز مرحلة الأقوال والأهم من ذلك العزلة المصرية حيث أن هذه القضايا لم تحسم في قمة سرت ولا ندري لماذا ؟ . ******* عدم الحضور هذا لدول عربية كبيرة ومؤثرة وقائدة في وقت ما للعالم العربي أدى ويؤدي بالضرورة إلى وجود فجوة كبيرة ليس بين الزعامات فحسب من ناحية العلاقات الأخوية الودية فهذه غير مؤثرة على الإطلاق في ظل الفن السياسي العربي الخفي, وإنما فجوة كبيرة بالسياسات وأخرى بين الشعوب ، فالشعوب تحدق بعينيها بإتجاه القمة العربية أملة في أن تخرج ولو قمة عربية بمصالحة ومصارحة حقيقية بعيداً عن الجمهرة والفلاشات الإعلامية والذي أدت بالضرورة إلى كثرة المشاريع العربية المعروضة على القمم العربية دون جدوى ، فالمشاريع وكثرتها دون تطبيق لم يعد دليلاً على النضج العربي بل دليلاً على الرغبة في الشهرة والظهور من جديد بزي آخر وبرنامج آخر نعرف جميعاً أنه عصي على التحقق في ظل هذا الإنقسام العربي .
دائماً ما يراوغ العرب والزعماء خاصة بأنه ليس هناك انقسام بل هناك إختلاف في وجهات النظر بشأن بعض السياسات وهذه حقيقة ، لكن فهمنا في العالم العربي للإختلاف مختلف تماماً فهو لا يعني الإنقسام فحسب بل يعني العداء ، كما أن الإعتدال والممانعة وهم كبير فالكل يبحث عن مصالحة في هذا العالم ويديرها بطريقته التي تجعله أكثر قوة ليس بالنسبة للعدو الرئيسي بل بالنسبة للعربي الذي يجاورة بالحدود ويشاطره باللغة .
غالبية الزعماء العرب في سرت من حضر منهم لم يستطع أن يقول شيء إلا في إطار ما يقوله زعماء الدول الغير حاضرة فالغير حاضرون هم الأكثر تأثيراً في العالم العربي والدولي وهم الأكثر قدرة على إتخاذ قرارات يمكن أن تحدد مصير هذا العالم وإن كان هناك من الدول من هي قادرة على أن تمرر مشروع عربي يجعل المواطن العربي أكثر فهماً لما يحدث في دهاليز السياسة وفي قاعات المؤتمرات الخاصة ويخدم آمال وطموحات هذا الشارع فإنها قليلة وليست مؤثرة عربياً ودولياً كتلك الدول وتحتاج إلى تضامن حقيقي مع العديد من الدول العربية . وكعادتها القمم العربية يخرج الجميع يشيد بالقررات التي تمخضت عن القمة ويشيد بكرم الضيافة والإستقبال الذي مني به ليس أكثر ... ******** قمة "سرت" ليست قمة إستثنائية سوى أنها في ليبيا وفي حضرة القذافي الذي دائماً ما يثير ريبة وتوجس الكثير من الزعماء العرب بطريقته المعهودة وقد تجاوز السبعين من عمرة والكثير من نظرائه العرب في هذا العمر ربما وبعضهم أكثر ومع سنهم الكبير يبدو أن كبر السن في ما بعد الستين لا يخدم الموقف العربي ولا السياسة العربية بل يزيد الطين بله ويجعلنا جميعاً ندخل في دائرة الخرف والخرف السياسي (الاسياسة) ومن كبر سنه حسب قول الكثير من علماء النفس لا يتقن إلا الحكاوى والوقوف على الأطلال والأمر والنهي والزعل والحنق ، ومن غادر الستين فقد غادر رحابة صدر وتحمل أعباء ما بعد الأربعين ..
إن قمة سرت بدت قمة يتيمه وناقصة وتحتاج إلى إرادة وقوة أكثر من قوة السير والطيران إلى سرت ،ويبدو أن مشروع الإتحاد العربي الذي طرحه الرئيس علي عبدالله صالح جديراً بالإحترام ومبعث للفخر لنا جميعاً ، حتى وإن كنا نعاني خلل عميق في الداخل في الإدارة ومعالجة الأوضاع لكن الرئيس علي عبدالله صالح صاحب حس عروبي دائماً ما يسعى لعمل إتحادات عروبية تبوء في كثير منها بالفشل لأسباب كثيرة ليس لها علاقة بإمكانية تحقق المشاريع أو عدمه وإنما بوجود أطراف لا تروق لها هذه المشاريع .
إن بدا أننا متفاؤلون بهذه القمة والمشاريع المطروحة عليها فذلك لأننا نرى أن من حقنا أن نحلم بعد أن سلبنا كل شيء ولم نعد نملك سوى الحلم فهل سوف يحقق الزعماء العرب الحلم العربي المنشود أم أن قمة سرت سوف تزيد الإنقسام أكثر وتكون بداية لمشاريع جديدة خاصة بعد أن قال القذافي أن من أراد أن يسير مع سيرت فاليسير أو ليلحق بها .
فهل سيسير الزعماء العرب الحاضرين في سرت بإتجاه الإتحاد العربي أم أنه مجرد كلام ؟.أم أن المطلوب من السائرين إلى سرت أن يتراجعوا وليس من تراجعوا أن يلحقوا ؟ قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى.