من ثورة فبراير المجيدة تعلمنا إن المثقف يموت واقفاً وظله يبقى، وبعد ما يربوا عن الثلاث سنوات كان مسلحاً يقف على أكتاف إخوة لنا ويسقط المثقف صريعاً في معركة الحرية والكرامة. ما زلت اؤمن بأن البلد بحاجة لمثقفيها ولن يستقيم لها حال إذا ما غُيبوا قسراً، منطق السلاح والغلبة لن يكون حلاً، بل على العكس سيجر ما بقي من آمال لحلمنا إلى الهاوية.
حُظيت بفرصة تدريبية في مكتب الجزيرة بصنعاء، كان سعيد ثابت منهمكاً في تغطية الحرب الذي يخوضها الجيش اليمني ضد تنظيم القاعدة في أبين، لم التقِبه على انفراد طيلة المدة، عدا ساعة واحدة على مائدة الغداء، تحدث الرجل عن مستقبل البلاد وشرح طبيعة البلد، هذا الصحفي مؤمن بأن مستقبل البلد مرتبط بالفكر والحرية، بينما السلاح الذي ترفعه قطاعات اجتماعية لن يكون حلاً، قال لي «لا بد أن نخوض جميعنا الحرب ضد التطرف».
قبل أيام تعرض ثابت لتهديد بالتصفية الجسدية من جماعة الحوثيين المسلحة وهي نظير لتنظيم القاعدة عقائدياً وميليشاوياً، عقب يوم واحد تعرض نائب رئيس الدائرة الإعلامية لحزب الإصلاح عدنان العديني للضرب من قِبل مسلحين اثنين، كان عدد من الصحفيين والعاملين في بلاط السلطة الرابعة مثل صامد السامعيو هلال الجمره وعديد منهم قد نالوا نصيباً من ترهيب الجماعة وأنصارها.
قالت مؤسسة حرية المعنية بالحقوق والحريات إنها رصدت 359 حالة انتهاك تعرض لها صحافيون وإعلاميون ووسائل إعلامية مختلفة في اليمن خلال عام 2014، توزعت تلك الانتهاكات على 11 نوعا وتقف وراءها 8 جهات، تأتي في مقدمة هذه الجهات الجماعات المسلحة، وأوضحت إن الانتهاكات زادت خلال عام 2014 مقارنة بانتهاكات عام 2013.
تبقى مسألة التضامن مع المثقف والصحفي مجدية أمام غطرسة جماعة مسلحة دأب مثقفوها على تخوين زملائهم في الطرف الآخر، ونعتهم بلفظ «دواعش» والعملاء والخونة، وفي حقيقة ذلك، أنهم من يتهافتون على المنظمات الدولية والأمريكية منها بشكل أخص.
المؤسف إن هؤلاء لا يعون فكرة أنهم يوماً ما كانوا في فوهة مدافع الحروب التي طالت حرية الفكر والرأي والتعبير، وليس مستبعداً أن يجدوا أنفسهم مجدداً عرضة للانتهاكات من قبل أطراف معينة، تكون يوماً ما هي سلطة الامر الواقع.
يشكل المثقف حاجز الصد الوحيد أمام هشاشة الجماعات المسلحة، وغالباً ما تكون هي مسعورة بفعل رأي أو فكرة أوردها أحدهم، في سبيل ذلك لا بد أن يبقى هذا الحاجز منيعاً وصلداً، بفعل الالتفاف النخبوي والجماهيري حول المثقف الذي شكل مركز دائرة السخط ضد مشاريع العصبوية والطائفية.
يقول صديقي طه ياسين إن فعل التضامن يشكل رأياً عاماً مناوئاً لنشاط الجماعات غير الوطنية، ويتحول ذلك إلى تراكم من الاحتقان ضدها، ويوماً ما سيشعل شرارة الثورة القادمة ضدها، وتعريتها أمام الرأي العام المحلي والعالمي كقوى انتهكت حق الإنسان في الحرية والكرامة.
تضامني مع حرية الفكر والرأي، ومع كل من تعرض لانتهاكات المسلحين.