اجتماع أمني بمأرب يشدد على رفع مستوى الجاهزية وتعزيز اليقظة الأمنية    اللواء الركن المداني معزياً في قادة القسام: راية الجهاد لن تسقط ودماء الشهداء منارة التحرر    وزيرا الخارجية السعودي والعُماني يبحثان مستجدات الأوضاع في المنطقة    الذهب يتجه لتحقيق أفضل أداء سنوي منذ نصف قرن    النفط يرتفع ويتجه لتسجيل تراجع بأكثر من 15 بالمائة في عام 2025    قراءة تحليلية لنص أحمد سيف حاشد "بوحٌ ثانٍ لهيفاء"    لماذا دخلت القوات الجنوبية الحكومية حضرموت؟ شرعية الأمن في مواجهة العبث    اجتماع بصنعاء يناقش إدماج المعايير البيئية في قانون البترول    تأييد واسع لمضامين بيان السيد القائد رداً على قرار الاعتراف الصهيوني بما يسمى صوماليلاند    حضرموت.. مناورة عسكرية لقوات الانتقالي وطيران حربي يلقي قنابل تحذيرية    همم القارات و همم الحارات !    البنك المركزي بصنعاء يوجّه بإعادة التعامل مع شركتي صرافة    القوات الإماراتية تبدأ الانسحاب من مواقع في شبوة وحضرموت    أمن الصين الغذائي في 2025: إنتاج قياسي ومشتريات ب 415 مليون طن    الأرصاد: طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم المرتفعات    هيئة علماء اليمن تدعو للالتفاف حول الشرعية والوقوف إلى جانب الدولة وقيادتها السياسية    لامين جمال يتصدر أغلى لاعبي 2025 بقيمة سوقية 200 مليون يورو    كاتب عربي: سعي الإصلاح لإدامة الأزمة وتوريط السعودية واستنزافها ماليا وسياسيا    محافظ البيضاء يتفقد سير العمل بمشروع تركيب منظومة الطاقة الشمسية بمؤسسة المياه    القواعد الإماراتية في اليمن    مواجهة المنتخبات العربية في دور ال16 لكأس إفريقيا 2025    وفاة المهندس هزام الرضامي أثناء قيامه بإصلاح دبابة جنوبية بالخشعة بوادي حضرموت    مباريات ثمن نهائي كأس الأمم الأفريقية    الحلف يدعم خطوات المجلس الانتقالي ويؤكد على شراكة حقيقية لحفظ الأمن الإقليمي    الترب:أحداث حضرموت كشفت زيف ما يسمى بالشرعية    السعودية والإمارات سيناريوهات الانفجار الكبير    الجنوب ساحة تصفية حسابات لا وطن    صنعاء.. جمعية الصرافين تعمم بإعادة وإيقاف التعامل مع شركات صرافة    اتحاد حضرموت يتأهل رسميًا إلى دوري الدرجة الأولى وفتح ذمار يخسر أمام خنفر أبين    الافراج عن دفعة ثانية من السجناء بالحديدة    ضبط متهمين بقتل شخص وإصابة اثنين قرب قاعة الوشاح    وزارة الاقتصاد والصناعة تحيي ذكرى جمعة رجب بفعالية خطابية وثقافية    خلال 8 أشهر.. تسجيل أكثر من 7300 حالة إصابة بالكوليرا في القاعدة جنوب إب    الأرصاد يحذر من تشكّل الصقيع ويدعو المزارعين لحماية محاصيلهم    المعادن النفيسة تسترد عافيتها: الذهب يصعد 1% والفضة تقفز 3%    نائب وزير الثقافة يزور الفنان محمد مقبل والمنشد محمد الحلبي    الصحة: العدوان استهدف 542 منشأة صحية وحرم 20 مليون يمني من الرعاية الطبية    الصحفي والأكاديمي القدير الدكتور عبد الملك الدناني    سفر الروح    بيان صادر عن الشبكة المدنية حول التقارير والادعاءات المتعلقة بالأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في وزارتي الشؤون الاجتماعية والعمل والخدمة المدنية والتأمينات    فريق السد مأرب يفلت من شبح الهبوط وأهلي تعز يزاحم على صدارة تجمع أبين    النفط يرتفع في التعاملات المبكرة وبرنت يسجل 61.21 دولار للبرميل    لملس يناقش أوضاع المياه والصرف الصحي ويطّلع على سير العمل في المشروع الاستراتيجي لخزان الضخ    لوحات طلابية تجسد فلسطين واليمن في المعرض التشكيلي الرابع    قراءة تحليلية لنص "من بوحي لهيفاء" ل"أحمد سيف حاشد"    تكريم البروفيسور محمد الشرجبي في ختام المؤتمر العالمي الرابع عشر لجراحة التجميل بموسكو    مرض الفشل الكلوي (34)    حين يكون الإيمان هوية يكون اليمن نموذجا    الهوية والوعي في مواجهة الاستكبار    المكلا حضرموت ينفرد بصدارة المجموعة الثالثة بدوري الدرجة الثانية لكرة القدم    فلسطين الوطن البشارة    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صنعاء .. الحياة والحرب والمليشيات
نشر في المصدر يوم 10 - 07 - 2015

"بلا أمل في نجاة قريبة" تدور سردية الحياة والحرب في المدن اليمنية، وكل يوم يشرق على اليمنيين تنحسر خياراتهم في الحياة، كما يتضاءل إيمانهم بنخب وأحزاب سياسية، لا تفكر سوى بإنقاذ نفسها. وعدا اليمني المحظوظ الذي نفذ بحياته من اليمن، في رحلة محفوفة بالمخاطر والاغتراب القسري والشتات، لا يبدو أن هناك معجزة في الطريق لإيقاف هذا الموت الذي يتساوى فيه اليمنيون جميعاً.

لا تتساوى كل المدن اليمنية في جحيم الحرب، فالعاصمة صنعاء هي الأفضل حالاً حتى الآن، حتى مع ما تعانيه من الأزمة الاقتصادية والغارات السعودية، ينظر لها مدينة ناجية، لأنها لا زالت بعيدة عن ويلات حروب الشوارع والاقتتال الأهلي الذي تشهده مدن أخرى، كعدن وتعز ولحج والضالع.

غير أن الحقيقة أن صنعاء ليست بعيدة عن مصير هذه المدن المنكوبة بالجنون والحصار والرصاص، ويبدو أن معركة العاصمة مؤجلة إلى حين فراغ أطراف الصراع لمعركة نهائية ودامية. وفي مقابل الاقتتال في المدن الأخرى، ينال ساكنو صنعاء حصتهم من الحرب، بدءاً من انتظار معركتها الدامية، ومروراً بحياة غير كريمة في ظل حكم مليشيات تفرض سلطتها بقوة السلاح وقانون الغلبة والإكراه اليومي، وتصوغ الحياة اليومية لمن لا يحمل سلاحاً، بانتظار نهاية مفتوحة على كل الاحتمالات السيئة.


منذ سقوط العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول الماضي في قبضة مليشيات الحوثي، بمساندة القوات التابعة للرئيس السابق، علي عبدالله صالح، تعيش المدينة واقعها الإكراهي خارج دائرة مصالح تحالف الحوثيين وصالح، وبمعزل عن الحراك الميداني المقاوم لهما في المدن الأخرى. وعلى الرغم من خروج مظاهرات سلمية مقاومة لسلطة الحوثي، إلا أن هذه المقاومة خمدت قبل أن تتشكل، وعجزت عن التحول إلى فعل اجتماعي أو سياسي حقيقي؛ لتصبح صنعاء المدينة الحاضنة والآمنة لسلطة الحوثي، ربما أكثر من مدينة صعدة، معقل جماعة الحوثي.
بعد استكمال انقلابها بالإعلان الدستوري، أدركت جماعة الحوثي أنها لا تستطيع التمدد إلى المدن الأخرى، وظهرها مكشوف. لذا، أحكمت قبضتها على العاصمة، عبر إنشاء تشكيلات سلطوية موازية لمؤسسات الدولة، كاللجنة الثورية، لإدارة ما تبقى من مؤسسات الدولة وإضفاء شرعية ما على انقلابها. ولم يمض وقت على سيطرة الحوثيين على صنعاء، حتى استطاعت اللجنة الثورية فرض واقع مختل لصالح أنصار الجماعة، وضع لا يقتصر فقط على نهب الجماعة موارد الدولة وتوظيفها في حروبها، بل وعمدت إلى "تحويث" الوظيفة العامة والجيش والأمن والجامعات ومؤسسات القضاء، عبر تعيين قضاة تابعين لهم، وشراء الذمم عبر استقطاب الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني، أو على الأقل تحييدهم في حروبها المقبلة.
كان الهدف الأول لعاصفة الحزم التي بدأت في 26 مارس/آذار الماضي، إنهاء انقلاب جماعة الحوثي وصالح وإعادة سلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى اليمن، وساد اعتقاد لدى يمنيين كثيرين بأنه إذا لم يتحقق الهدف بشكل كامل، فستؤدي العمليات العسكرية، في النهاية، إلى تقويض السلطة التي أقامها الحوثيون في صنعاء، عبر تحريك الاحتقانات الاجتماعية والقوى السياسية ضد سلطة الجماعة؛ إلا أن جماعة الحوثي التي تحكم بخبرة مليشيات المدن واجهت هذه الإشكالية بتأمين حاضنتها باستراتيجية توزيع المليشيات المسلحة، ليس فقط في مؤسسات الدولة وشوارع العاصمة والمراكز الحيوية، وإنما في معظم الحواري، وصدرت عن هذه المليشيات المسلحة انتهاكات كثيرة بحق المواطنين، وإرهاب الأهالي ومراقبتهم والتدخل في خصوصياتهم، مثل منع الغناء في الأعراس، وحتى الضغط وإجبار بعض المواطنين على التجنيد، واستمالة الأهالي عبر فض المنازعات، وتوزيع الغاز والماء، وفق ما تراه هذه المليشيات.
وفي حين يحاول الرئيس هادي، بين وقت وآخر، أن يبدو رئيساً، ولو من منفاه في الرياض، ويصدر قرارات وتعييناتٍ، لا يعمل بها في الواقع، وتتحول إلى فقاعات إعلامية، لا يدرك المواطنون الحكمة منها، ولا يلمسون تأثيرها، إلا بافتراض أنها قد ترفع منسوب التفاؤل بأن هادي لا يزال على قيد الحياة؛ في حين يقتصر وقع هذه القرارات على ترديدها في القنوات الفضائية، يتغول الحوثيون وحلفاؤهم من حزب المؤتمر الشعبي العام في كل مؤسسات الدولة، مستفيدين من غياب أية رقابة مجتمعية. وعلى الرغم من أن الحوثيين لطالما انتقدوا السلطة الانتقالية وحكومة الوفاق لممارستها الفساد والمحاصصة في التعيينات والمناصب، فإنهم هم وحلفاؤهم تفوقوا على كل السلطات اليمنية المتعاقبة السابقة في تكريس منظومة الفساد والانتهازية، ويبدو أن ممارسات ما بعدها وفقاً للشرعية الثورية الحوثية الهجينة تجب خطاب جماعة الحوثي ما قبل استيلائهم على السلطة.
تتشابه يوميات الحرب في المدن اليمنية، لكنها لا تشبه أبداً ما يحدث في صنعاء، لا تشبه حالة الحصار التي تفرضها جماعة الحوثي على كل مناحي الحياة فيها، لا تشبه بؤس مواطنيها الخائفين من جار قد يغدر بهم قريباً، لا تشبه خوف سائق التاكسي الذي قبل أن يتحدث يتأمل وجهك ليعرف هويتك، ويحكي غضبه عن حياة ما عادت حياة، حياة تخضع فيها لطفل صغير من سلالة المليشيات، يمنع عنك البترول الذي تشتريه بمالك، أو قلق أم خائفة من اختطاف ابنها للجهاد في تعز وعدن، أو شكاوى صاحب البقالة لأن جماعة الحوثي فرضت عليه إتاوة لا يقدر أبداً على سدادها.
تتضاءل الحياة في صنعاء كثقب إبرة، في ظل خياراتٍ لا تملكها أنت، وإنما يملكها شخص آخر يعتقد أنه بسلاحه، وبأفضليته عليك، يحق له مصادرة صوتك وحياتك ومورد عيشك، ويكرر على مسمعك حديثاً غير منطقي بانتصارات مشوهة، تجيز قتل أهلك في تعز وعدن والضالع. يحدث هذا في صنعاء، المدينة التي كانت عاصمة في زمن بات بعيداً الآن، المدينة التي نسيتها الأحزاب اليمنية في حروبها، ونسيها هادي وهو يلملم حروب شرعيته. يحدث هذا في صنعاء منذ أكثر من 250 يوماً، هكذا فقط لأنك ومليوني مواطن، وفقاً لإحصائية 2009، تعيشون في مدينة محاصرة، وميتة، تنظر لها أطراف الصراع بعين اليقظة والحذر، كساحة للمعركة الأخيرة في الحرب التي عليهم أن يشحنوا أسلحتهم جيداً في انتظارها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.