على ما يبدو إن السلطة لم تستطع الصبر أكثر على التشاور الوطني ولجنته التحضيرية لإدارة الحوار الوطني التي شكلت مؤخراً برئاسة محمد سالم باسندوة . وهو بالمناسبة مستشار الرئيس علي عبد الله صالح . ورغم إن السلطة ربما حاولت أن تبدو أكثر تماسكاً تجاه ملتقى التشاور الوطني ، إلا أن اتهام الأخير للسلطة بإنشائها لمليشيا تشبه "الجنجويد" كان وقعها ساخن . الأمر الذي أثار حفيظتها وجاء الرد الأربعاء على لسان مصدر إعلامي في مكتب رئيس الوزراء . وهي المرة الأولى من نوعها التي يتدخل فيها مكتب رئيس الوزراء في مثل هكذا مناطحات سياسية . ووفقاً لوكالة الأنباء الرسمية، فإن المصدر استهجن بشدة ما وصفها ب المواقف الغريبة وغير المسئولة "لما يسمى باللجنة التحضيرية للتشاور إزاء اللجان الوطنية الشعبية التي شكلها أبناء لشعب اليمني في مختلف محافظات الجمهورية للدفاع عن وحدتهم في مواجهة الأعمال التخريبية التي تقوم بها العناصر التخريبية الانفصالية الخارجة عن الدستور والقانون ". وفي ذلك إشارة إلى بيان اللجنة التحضيرية للحوار الوطني برئاسة محمد سالم باسندوة ، الذي صدر الاثنين الماضي ، واستنكر تشكيل السلطة لما يسمى ب " هيئات الدفاع عن الوحدة " وتشبيه ذلك بمليشيا "الجنجويد" واستخدامها في قمع الحراك السلمي في المحافظات الجنوبية . ولأن مفهوم "الجنجويد " يحمل أبعاد كثيرة فقد كان رد السلطة قوياً إلى حد تخصيص باسندوة وحميد الأحمر بالاسم ووصفهما ب " الخرف والتخريب ". فإلى إنها مليشيا مسلحة تقمع المواطنين، فهي تشير إلى إقليم دارفور الموطن الأصلي لتلك المليشيات التي تتبع الحكومة السودانية كما تتهمها بها حركات التمرد هناك. فضلاً عن الوضع الحرج الذي يمر به الرئيس السوداني عمر البشير بعد صدور طلب المحكمة الجنائية الدولية بالقبض عليه بسبب الأوضاع في إقليم دافور التي تعتبر مليشيا الجنجويد واحدة من أسباب تأجيجه.
المصدر الرسمي قال انه " لم يستغرب أن تعلن هذه اللجنة مثل تلك المواقف المستهجنة, وتجاهر صراحة بمساندتها لعناصر التخريب والانفصال الخارجة على الدستور والقانون، وأعمالها المستهدفة إثارة نار الفتن والحقد والكراهية بين أبناء الوطن الواحد في محاولة من تلك العناصر لتنفيذ مخططاتها التآمرية المكشوف أهدافها لجميع أبناء الوطن بقصد الانزلاق بالوطن مجددا إلى ماضي التشرذم والتسلط البغيض. تساءل:" ماذا يمكن أن نتوقع من نتائج اجتماع "الخرف والتخريب "معا في إطار لجنة واحدة؟!. وأضاف "من المؤسف أن يظهر شخص مثل باسندوه وقد بلغ من العمر عتيا سواء من خلال ترؤسه لتلك اللجنة أو تصريحاته غير العقلانية، وكأنه شخصية تبحث لها عن دور أو شهره وأن كان ذلك من خلال المزايدة على حساب قضايا الوطن, في سبيل إرضاء الطموحات الجامحة لحميد الأحمر!". وأضاف: "كان خيرا لباسندوه وقد بلغ هذه السن أن يتأنى من الزج باسمه في مثل هذه الأعمال والمواقف الطائشة التي لا طائل منها، وأن يتعظ من تجربة من سبقوه ممن تم استئجارهم من قبل حميد الأحمر للقيام بمثل هذه الأدوار العبثية والصبيانية! ".
كما وجه المصدر الرسمي استغراباً مماثلاً على استغراب لجنة الحوار الوطني بشأن المعلومات عن طلب الرئيس من المملكة العربية السعودية منع وتوقيف التحويلات من المقيمين اليمنيين في المملكة إلى دعاة الانفصال . وقال"من العجيب أن تعلن تلك اللجنة معارضتها المشبوهة للإجراءات الحكومية الهادفة إلى محاصرة تلك العناصر من الحصول على أموال لممارسة المزيد من أنشطتها التخريبية والتآمرية على الوطن ووحدته". وأكد " إن المواقف الغريبة التي تعلنها تلك اللجنة تعكس بأنها تسير باتجاه أن تكون لجنة مشاورة وتأمر لخدمة المشاريع الانفصالية والمتآمرة على الوطن ووحدته وتوفير الغطاء السياسي والتبريرات للأعمال التخريبية والانفصالية". ويأتي هذا ، بعد مضي يومين من اتهام لجنة الحوار الوطني المنبثة عن ملتقى التشاور الوطني للسلطة بإنشاء مليشيا مسلحة تشبه "الجنجويد " لمواجهة الحراك الجنوبي والمتظاهرات الاحتجاجية جنوب البلاد . وكانت حذرت لجنة الحوار الوطني، أجهزة السلطة وخاصة في بعض المحافظات الجنوبية من استخدام مليشيا " الجنجويد " لقمع المواطنين . وقالت في بيان صحفي الاثنين " إن السلطة بدأت تعد وتنظم مظاهرات لمجاميع شبيهة ب " الجنجويد " - هدفها المواجهة والاشتباك مع التظاهرات الاحتجاجية السلمية التي تنظم من قبل نشطاء الحراك السلمي في الجنوب" .
وفي سياق آخر ، استنكرت لجنة الحوار طلب الرئيس صالح من المملكة العربية السعودية القيام بوقف ومنع التحويلات المالية من المهاجرين اليمنيين هناك إلى من أسماهم ب " دعاة الانفصال " . وقالت إن ذلك الطلب جاء في الوقت الذي كانت تأمل وتترقب صدور وتقديم مشروع وطني يهدف إلى إخراج الوطن من دوامة الأزمة التي أصبحت تشكل حالة من التأزم العام وتنذر بكارثة حقيقة على اليمن برمته . وأبدت لجنة الحوار الوطني في بيانها قلقها البالغ إزاء كل ما يحدث في البلاد بسبب ما وصفته " تعنت النظام السياسي القائم " من تصعيد التوترات والاحتقانات والعنف ، وخشية من الإنزلاق إلى مواجهة شاملة.