نشر موقع "سي إن بي سي" تقريرا يحذر من تنامي المنافسة التجارية والعسكرية غير المنظمة في منطقة القطب الشمالي للاستفادة من مواردها الطبيعية، فوفقا لتقدير الخبراء تضم مرتفعات "لومونوسوف" المغمورة أسفل المياه القطبية المتجمدة حوالي ثلث إجمالي المخزون العالمي المتبقي من الطاقة بواقع 90 مليار برميل من النفط ومليارات الأمتار المكعبة من الغاز الطبيعي، وتقدر قيمة تلك الثروة الطبيعية ب 17.2 تريليون دولار. وشهد المحيط المتجمد الشمالي أعلى معدلات الذوبان الموسمية للكتل الجليدية مؤخرا مما خلق قنوات جديدة من المياه تسمح بتسيير حركة ملاحية في المنطقة وتسهل عمليات الوصول إلى هذه المخزونات الضخمة التي كان يتعذر الوصول لها في السابق، ومن هنا تتسابق حكومات وشركات الدول الخمس التي تطل على المحيط (الولاياتالمتحدة وكندا وروسيا والنرويج والدانمارك) لتأمين حصصها من الغنيمة. ودفع ذلك الخبراء إلى التحذير من المخاطر البيئية والعسكرية الكارثية التي يمكن أن تنتج عن هذه المنافسة العشوائية غير المنظمة في المنطقة.
مخاطر بيئية يرى التقرير أن الظروف البيئية في هذه المنطقة لا تسمح لأي دولة بمفردها بالنجاح في جهود تطويرها، وعدم مراعاة الدقة المتناهية في التعامل مع هذه البيئة يهدد بكوارث طبيعية مروعة، وفي هذا الإطار حذرت دراسة سويدية في سبتمبر/أيلول من أن الذوبان الجليدي في المحيط القطبي الشمالي يزيد انبعاثات غاز "الميثان" مما يفاقم مشكلة التغيرات المناخية ومعدلات الاحترار العالمي. كما توقعت دراسة مشتركة لكل من جامعة "كامبريدج" و"المركز القومي الأمريكي لبيانات الجليد" أن تكبد التغيرات المناخية الناجمة عن ذوبان الجليد الاقتصاد العالمي حوالي 43 تريليون دولار بنهاية القرن القادم. وتشهد منطقة القطب الشمالي ارتفاعا في درجات الحرارة بمعدلات تصل لضعف نظيرتها في بقية أنحاء كوكب الأرض، ويتوقع العلماء أن تذوب جميع الثلوج في المنطقة تماما خلال فصول الصيف بحلول عام 2050 مما يسمح بحرية حركة السفن في المحيط المتجمد الشمالي. وكان قد تم افتتاح الممر الملاحي الشمالي الشرقي الذي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادي خلال السنوات الأخيرة، وعبرت أربع سفن حاويات الممر في عام 2010 قبل أن يقفز عددها إلى 71 سفينة في عام 2013. ونصح الخبراء بضرورة التعاون بين الدول الشريكة في هذه المنطقة لضمان الاستفادة من خيراتها بأقل الخسائر البيئية الممكنة، أما التشرذم والتنافس العشوائي فيفاقمان التداعيات السلبية على البيئة والبشر بها بل ويهددان بالمواجهة العسكرية بين الدول المعنية. تهديدات عسكرية ويرى التقرير أن هناك تهديدا أكبر من المخاطر البيئية وهو التهديد العسكري، فمع تنامي الأهمية الاقتصادية للمنطقة وتحسن فرص الاستفادة منها بدأت الدول والشركات تتسابق لتأمين نصيبها من الكعكة مما أثار مخاوف بشأن التصعيد العسكري بين الدول صاحبة الحق بالمنطقة. وخلال الخمسة وعشرين عاما الماضية كان التعاون الدولي سمة التعامل مع المنطقة، أما الآن فالوضع بدأ يتغير، ففي أغسطس/آب الماضي قدمت روسيا للأمم المتحدة طلبا لتوسيع حدودها بالقطب الشمالي ومنها جزء من "مرتفعات لومونوسوف" الغنية بالنفط والتي تزعم كل من الدنمارك وكندا أحقيتها بها. وفي ظل التوتر الحاد بين روسيا والغرب والذي يقترب من مستوى الحرب الباردة قامت الأولى بنشر قوات ومنشآت عسكرية عديدة على طول سواحلها المطلة على المحيط المتجمد الشمالي، وأعادت فتح قواعد بحرية تعود إلى العهد السوفيتي السابق، وفي مارس/آذار الماضي قامت القوات العسكرية الروسية بسلسلة من التدريبات السرية المعقدة في المنطقة شملت أكثر من 200 طائرة و41 سفينة حربية و15 غواصة و40 ألف جندي. كما تعتزم روسيا توكيل مهمة تأمين المنطقة لأسطولها الشمالي أقوى وحدات الأسطول البحري الروسي اعتبارا من العام المقبل، وتتضمن معدات التأمين غواصات ذات رؤوس نووية وغيرها من السفن الحربية. لكن فريق آخر من الخبراء قلل من احتمالات المواجهة العسكرية، ورغم اعترافه بزيادة التوتر العسكري في المنطقة أكثر من أي وقت مضى إلا أنه استبعد احتمالات المواجهة خاصة وأن روسيا تسلك الطريق الشرعي لإثبات حدودها القطبية الشمالية من خلال الأممالمتحدة. الخطر الأكبر والأمر الذي لا يختلف عليه كافة الخبراء هو أن الخطر الأكبر الذي يتهدد المنطقة هو عدم التعاون والتنظيم بين الأطراف المعنية، وكذلك عدم وضع خطط تطوير المنطقة والاستفادة التجارية منها على رأس الأجندات الحكومية لتلك الأطراف مما يفتح الباب أمام الممارسات العشوائية غير المحسوبة للشركات وما قد يترتب عليها من أضرار جسيمة للبيئة وحياة البشر العاملين بها. فعلى سبيل المثال تبعد المنطقة التي تعمل بها "رويال دويتش شل" عن أقرب ميناء آمن لها وهو "آلاسكا" بمسافة 800900 ميل، فلا يوجد ملجأ قريب آمن يحمي العاملين من الظروف الطارئة كالتقلبات الجوية. وانتقد التقرير اخفاق الإدارة الأمريكية في تنفيذ الاستراتيجية القومية التي أعلنت عنها في عام 2013 للتعامل مع المنطقة والتي أثبتت أنها مجرد "كلمات جوفاء" على حد وصف التقرير فحتى الآن لم بتم الكشف عن الموازنة أو الخطوات المحددة لتنفيذ تلك الاستراتيجية.