" اخزن باليوم بثلاثمائة ريال، والله لا أستطيع يوم الجلوس بدون قات وأين اروح (طفش). بعدين القات يخليك تتعرف على الناس، تروح تخزن لوكندة تتعرف على ناس من كافة الفئات والذي ما يخزن ما في معه أصدقاء". هكذا أجاب مروان الشرعبي بعد أن سألناه عن قيمة القات الذي يشتريه يوميا، لم يبد في قسماته أي امتعاض أو تذمر من السؤال. مروان ينفق على السيجارة 100 ريال وسبعين ريال قيمة الشعير وماء بخمسين ليصبح الإجمالي في اليوم الواحد خمسمائة وعشرين ريالاً وكل ذلك حتى يشعر بالكيف والارتياح أثناء التخزين. يعمل مروان عاملا في أحد المطاعم الشعبية ( مباشر). إجمالي الراتب الذي يستلمه 1500 ريال في اليوم بمعدل 45000 ريال شهرياً، ولا يدخر منه شيئا نهاية الشهر حد قوله ." لا يبقي معي شيء نهاية الشهر. كلها تروح ديون لصاحب البقالة والمقوت، يا الله اصفي خمسة ألف ريال اعيّد فيها يومين وارجع اشتغل مرة ثانية ". هكذا يعيش الكثير من اليمنيين وليس مروان فقط. فسليم، الطالب في كلية التجارة والاقتصاد في سنة ثانية محاسبة، يعمل في أحد المكاتب الهندسية ويستلم راتب شهرياً 50000 ريال لكن لا يوفر من راتبه شيئا وهو -حد زعمه- يخزن يومياً بألف إلى خمسمائة ريال ولا يقبل إلا بالقات الحالي؛ " والله اخزن بقات سوا، قات أكله مش يأكلنا، وتبقى لي في نهاية الشهر ألفين أو ثلاثة ألف فكل الراتب يجزع ديون لصاحب الغرفة والقات والدخان ومواصلات ومصاريف جامعة ". مروان ليس مكترثا لشيء ولا يحسب قيمة ما يصرفه لأنه كما يقول " إذا حسبتها بقرح فيوز " ويمشي كل أيامه وأوقاته متوكلا على الله. مصطفى الخولاني – موظف حكومي- يهتم بما يكسبه تخزينة يومه حد وصفه، فهو يتلقى بحد تعبيره في اليوم خارج الراتب من خمسمائة إلى ألفين ريال. وفي بعض الأوقات قد تصل إلى خمسة ألف ريال. ويكسب ذلك نظير إنجاز معاملات لكل من يقصد تلك الوزارة ويسمى ما يتحصله "حق القات". "الكيف" يحتل المرتبة الثانية بعد الغذاء قدرت الخطة الخمسية الثالثة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية 2006- 2010م حجم الإنفاق الشعبي على تعاطي القات بنحو 250 مليار سنويا. بهذا يكون القات قد احتل المرتبة الثانية بعد الغذاء في إنفاق الأسرة اليمنية الذي يأخذ بين 26- 30 بالمائة من دخلها، ما يشكل عبئا على ميزانية الأسرة، خصوصاً ذات الدخل المحدود. بالإضافة إلى استنزاف شجرة القات لأكثر من 30– 40 % من المياه المستخدمة في الزراعة، هذا المحصول الذي تزداد زراعته بنسبة تتراوح بين 9 - 10% سنويا على حساب المحاصيل الأخرى. ووفقا لتقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية، فإن عدد من يصيبهم السرطان في اليمن يصل إلى نحو 20 ألف شخص سنوياً. ومعلوم أن أمراضاً خطيرة (كسرطان الرئة واللثة والفم والقولون، والفشل الكلوي وتليف الكبد) بدأت تظهر في اليمن خلال الأعوام الأخيرة نتيجة استخدام مزارعي "القات" للمبيدات والمواد الكيماوية السامة بهدف زيادة المحصول ورفع دخلهم منه، حيث تساعد هذه المستحضرات على نمو أغصان القات في أيام قليلة، ويقوم المزارعون اليمنيون بقطفه وتحضيره للبيع بينما لا تزال العناصر السمية في أوراق القات فعالة، وتشير الدراسات إلى أن 70% من إجمالي المبيدات والمستحضرات الكيماوية المستخدمة للزراعة التي تدخل اليمن تستخدم في مزارع القات. وعلى الرغم من أضرار القات هذه، فإنه يعد نشاطاً اقتصادياً هاما لنسبة كبيرة من السكان تتراوح بين 20-30 %. وبفعل عائداته الكبيرة فقد ارتفعت نسبة العاملين في زراعته إلى أكثر من 24 بالمائة من إجمالي قوة العمل في قطاع الزراعة. المشروبات الغازية زاد معدل استهلاك اليمنيين من السكر والمياه المعدنية والمشروبات الغازية بمختلف أنواعها في السنوات الأخيرة أثناء تعاطيهم القات. وتقدر الإحصاءات أن عدد من يتناولون السكر أثناء تعاطيهم القات بشكل يومي، وخاصة في مناطق الريف، بنحو 200 ألف شخص من بين 12 مليون يتعاطون القات يوميا من إجمالي عدد السكان البالغ 24 مليون نسمة. وقدرت معدل ما يتناوله كل شخص ب50 غراما من السكر في كل تخزينة قات , أي أن 200 ألف يستهلكون مع القات للتخفيف من مرارته 10 أطنان من السكر يوميا , و3600 طن في العام بما قيمته 432 مليون ريال يمني من أصل 665 ألف طن من السكر استوردها اليمن عام 2006م بأكثر من 31 مليار ريال حسب مصدر في وزارة التجارة والصناعة. وافترضت المصادر أن مليونان من متعاطيي القات، خصوصاً في المدن، يشربون إضافة إلى المياه العادية مياها معدنية ومشروبات غازية أثناء تخزينهم القات. فإذا كان نصفهم يستهلك 180 مليون قنينة ماء صحي سنويا "سعة 75,0 لتراً" تبلغ قيمتها 35 ريالاً ب 6 مليارات و300 مليون ريال في السنة، فإن 500 ألف شخص يشربون 180 مليون عبوة في العام من المشروبات الغازية مع القات ومن مختلف الأنواع بينها السوائل المعروفة بمشروبات الطاقة إضافة إلى عصير الزنجبيل المصنع محليا وبما قيمته تسعة مليارات ريال باعتبار أن متوسط سعر العبوة خمسون ريالاً . ومع أنه يوجد في اليمن أكثر من عشرة مصانع للمياه المعدنية تنتج حوالي ثلاثة ملايين قنينة ماء , فان بيانات رسمية تفيد أن اليمن استورد 146 ألفا و506 أطنان من المياه المعدنية والغازية في عام 2006 من 25 بلدا ودفع قيمتها 10 مليارات و235 مليونا و263 ألف ريال في مقدمتها السعودية التي صدرت إلى اليمن121 ألفا و310 طناً من مياه معدنية وغازية ب7 مليارات و 531 مليونا و272 ألف ريال، تليها تايلند التي بلغت قيمة صادراتها إلى اليمن من المياه المعدنية والغازية مليار و323 مليوناً و808 ألف ريال. ولاحظ مهتمون بشؤون القات أن عدد متعاطيه بصورة مستمرة ازداد من سبعة ملايين شخص في السنوات الأخيرة إلى 12 ملايين إن لم يكن أكثر يمضغون نحو 1750 طنا من أوراق القات الصافي يومياً بمعدل 250 غراما لكل شخص، و630 ألف طن سنوياً معظمه يدخل بطونهم وما يبقى منه يذهب إلى (متافل القات) في نهاية جلساته، وبذلك تكون مخلفات القات الذي لا يتناوله متعاطوه الضعف على اقل تقدير تذهب غالبا إلى براميل القمامة , أي مليون و260 ألف طن تقريبا. ولما كان متوسط قيمة ما يشتري به اليمني القات هو 300 ريال فان ذلك العدد من متناوليه يشترون بمليارين و100 مليون ريال في اليوم، وب63 مليار ريال في الشهر، وب756 مليار ريال في السنة. وإذا افترض أن نحو نصف مليون من بين عدد متعاطي القات يدخنون السجائر أثناء تناولهم القات يوميا , فإنهم يستهلكون نصف مليون علبة بما قيمته 27 مليار ريال. وإجمالا يمكن القول أن إنفاق اليمنيين على القات وملحقاته من سجائر ومياه وسكر ومشروبات غازية -إذا ما تم إغفال المواد الأخرى كالزبيب واللوز وغيرها- يصل إلى 771 ملياراً و732 مليون ريال سنويا( 3 مليارات و878 مليون و50 ألفا و251 دولارا. وبمقارنة ذلك الرقم مع ما ينفقه اليمنيون على مادة غذائية كالقمح مثلا سنجد أن اليمنيين ( حسب دراسة " فؤاد هويدي، مدير إدارة التجارة الخارجية بوزارة الصناعة والتجارة، برغم ارتفاع حجم استهلاكهم من القمح من(1.941.938) عام 2003م إلى (3.108.809) عام 2006م، فلم يتجاوز ما أنفقوه على القمح ومعظمه مستورد من الخارج ( 78.8) مليار ريال ما يعادل 395 مليوناً و 948 ألف دولار. واستنادا إلى تلك الأرقام فإن كمية الأكياس البلاستيكية التي يوضع فيها القات تصل إلى 7 ملايين كيس في اليوم، و300 مليون في الشهر، و3 مليارات و600 مليون كيس في العام ينتهي بها المطاف إما في براميل المخلفات أو في شوارع المدن أو تنقلها الرياح في مناطق الريف إلى الأراضي الزراعية مخلفة مشكلة بيئية خطيرة وملحقة أضرارا بالتربة. ليس ذلك فحسب بل إن القات لم تعد تقتصر زراعته على مزارعه المخصصة في الوديان والسهول والمدرجات الجبلية فقط بل بدأ في الانتشار في حدائق المنازل في أكثر من مدينة، وأوجد حالة جديدة من حالات التسول في اليمن هم متسولو القات ( يقدر عددهم ب20 ألفا ) حيث تجد في كل سوق وأمام دكاكين بيع القات كثيرا من متسولي القات ذكورا وإناثا وغالبيتهم من كبار السن الذين اعتادوا بشكل يومي التردد على الباعة لطلب القات والدعاء لبائعه بالربح الوفير وطول العمر. ومن أولئك من يجمع ما توفر له من القات من أكثر من سوق ودكان لإعادة بيعه لبعض الزبائن، وهي ظاهرة لم تعد خافية في اليمن، بل تزيد يوما بعد يوم وعاما بعد عام . ولعل اللافت في قضية القات في اليمن أن حوالي 5% من زارعيه وبائعيه والمتاجرين به في محافظة ذمار مثلا لا يتعاطونه، وإن تعاطوه فمن مزارع خاصة بعيدة عن سموم القات لعدة أسباب، منها عدم اقتناعهم به أو النظر إليه كشجرة يستفاد منها ولا يجوز الانسياق وراءها لتصبح في النهاية إدمانا ينعكس على باقي أفراد الأسرة. الخلاصة لا يبدو الأمر مبالغا فيه فالكيف عادة يشترى بأكثر من ذلك في الدول الأخرى، إما أن يكون سببا في الهروب من واقع معين أو لأغراض أخرى. ولكن يظل الإنفاق عليه هو الملاذ لدى اليمنيين بشكل عام فهم يرون بأن الراحة والطمأنينة هي الأهم من أي عمل قد يأتي في ساعات تشترى بالملايين من الريالات دون أن يكون هناك حساب لها .