سيبقى اليمن بلد تتقاذفه أمواج القتل واعاصير العنف فإلى جانب الواقع الدامي ، هناك مخاطر مستقبلية تنذر بمآسي كارثية ، فالألغام التي يزرعها اطراف النزاع ، كفيلة بأن تجعل ضحايا الحرب تتضاعف بشكل مستمر ومرعب , جاعلة من الحرب حالة غير قابلة للنهاية. حسب تقارير إعلامية..عشرات الآلاف من الالغام التي زرعها الحوثيون في أبين , وعدن , ولحج , والضالع , وشبوة منذ سبتمبر الماضي ، تسببت في قتل العشرات واصابة المئات من الأشخاص كل ذلك فقط خلال اشهر قليلة والحرب لم تضع أوزارها بعد , وذكر في التقارير أن مشكلة الألغام لم تقتصر على المحافظات الجنوبية ، بل شملت محافظات يمنية أخرى تعز, والبيضاء , ومأرب. ووفقاً للجنة الإغاثة اليمنية " فإن الغارات الجوية لدول التحالف العربي أيضاً خلفت العديد من الذخائر (والصواريخ الصغيرة المتطايرة من المعسكرات) التي لم تنفجر بعد في العديد من المحافظات، معتبرةً أن هذه الظاهرة تشكل تهديداً مباشر لحياة المواطن ". من الواضح أن أطراف الصراع لا تنظر الى مستقبل اليمن على أنه مبشر بالاستقرار و التعايش , بل وضع ملغم مشابه لوضع تلك الدول غير المستقرة في المنطقة , فلم يدخلوا في حساباتهم أي تصور عن نهاية الحرب أو العمل على ذلك ؛ وهذا ما يفسر اتخاذ الأطراف تلك المواقف المتناقضة والغير مستوعبة أحيانا , حيث اتخذوا من بقعة اليمن حلبة لتصفية حساباتهم مع خصوم تاريخيين , وعلى هذا الأساس يتعامل الأطراف مع الوضع اليمني , وقد رأينا مؤخرا كيف أن المليشيات انحصر تفكيرها بالمصالح الشخصية والانتقام وتفجير الوضع فقط . حملت هيومن رايتس وواتش الحوثيين مسؤولية أحداث الألغام , وذكر تقرير لهم عن خبراء طبيين أن 9 أشخاص قتلوا وجرح 5 آخرين تسببتها تلك الألغام في فترة قصيرة , وتوقعت المنظمة أن الضحايا أكثر من ذلك بكثير داعية الحوثيين الى التوقف عن استخدام الألغام المحرمة دوليا . في عام 1997م أبرمت اتفاقية دولية تحظر بشكل شامل استخدام وإنتاج ونقل وتخزين الألغام المضادة للأفراد ، تضم المعاهدة 162 بلدا، وتنصّ الاتفاقية على إلزام الدول بإزالتها ومساعدة الضحايا والتخلص من اي مخزون , و تحظر على الأطراف استخدام اي نوع من هذه الالغام , ارتكزت هذه المعاهدة على القواعد العامة للقانون الدولي الإنساني التي تحظر استعمال الأسلحة ذات الأثر العشوائي أو التي تتسبب بطبيعتها في أضرار مفرطة أو آلام لا داعي لها , ويحظر القانون الدولي الإنساني أو يقيّد أنواعاً معينة من الأسلحة التقليدية بهدف حماية المدنيين من آثارها العشوائية وتجنيب المقاتلين إصابات مفرطة لا تخدم أي غرض عسكري. كما تعد اتفاقية الأسلحة التقليدية لعام 1980 إحدى أهم الصكوك القانونية التي تتناول هذه المسألة , حيث يهدف وينظم البروتوكول الثاني ، المعدل عام 1996، استخدام الألغام الأرضية والأفخاخ المتفجرة وغيرها من الأجهزة القابلة للانفجار، ويطلب من الأطراف ، بعد أي نزاع مسلح ، أن تتخذ تدابير محددة للتقليل من الأخطار التي تمثلها هذه الأسلحة .
في عام 2007م رفع محام يمني دعوى ضد الزعيم الليبي السابق معمر القذافي ، بعد أن حصل على توكيل من أسر الضحايا حسب قوله , تتلخص وقائع الدعوى بإثبات قيام المسؤولية القانونية الجنائية والمدنية على المدعى عليه القذافي, وذلك لمساهمته في الجرائم التي راح ضحاياها الآلاف , وذلك أثناء دعمه لما سمي بحركة الجبهة الوطنية خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي , وتزويدهم بالألغام والأسلحة المختلفة , و بحسب قول المحامي فقد أدى ذلك إلى وقوع ما يزيد عن 4000 حادثة قتل فيها 2500 وأصيب 2300 تقريبا , تركزت تلك الأحداث في كل من اب , والبيضاء , والضالع , وريمة ,وذمار , وتعز , ومأرب . إلا أن القضاء اليمني لم يقبل تلك الدعوى وقتئذ , حيث أصدر النائب العام قرار بحفظ الشكوى بمبرر حصانة المدعى عليه – القذافي - حسب تصريح المحامي لقناة العربية والذي تعهد برفع الدعوى في المحاكم الدولية. إن القضاء الجنائي الدولي لم يعترف بأي حصانة لأي شخص إزاء أي جرائم تمس حقوق الإنسان خصوصا فيما يتعلق بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية. إن زراعة الألغام في الأماكن العامة والأعيان المدنية انتهاك صارخ لأحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان , فهو يمثل أسلوب جرائمي محض , إذ أنه لا يحقق أي مزايا عسكرية بقدر ما تكون نتائجه كارثية بحق المدنيين , إذ الألغام من أسوأ أنواع الأسلحة ذات الأثر العشوائي , و تزيد ضراوة أضرارها في اليمن أنها لم تزرع وفق خارطة واضحة , تمكن الجهات المعنية من إزالتها . في 1 سبتمبر 1998 م صادقت اليمن على معاهدة حظر الألغام لعام 1997 ، ملتزمة بعدم استخدام الألغام المضادة للأفراد تحت أي ظرف، ومنع وقمع الأنشطة المحظورة بموجب هذه المعاهدة , وتعهدت بالقيام بإزالتها ومساعدة الضحايا والعمل على التخلص من اي مخزون لديها . في 2011م استخدمت الألغام في الحروب الدائرة بين القوات الحكومية والفرقة الأولى مدرع , حيث ذكرت مصادر إعلامية أن ما يزيد عن عشرين حادثة أصيب فيها العشرات بين قتيل وجريح . وفي 2015 م أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريرا عالميا وكان لليمن نصيب منه ، حيث ذكر التقرير أن الحكومة اليمنية اعترفت بأن قوات الحرس الجمهوري استخدمت الألغام في أماكن متفرقة من مناطق النزاع اثناء أحداث 2011م ضد الجماعات القبلية المسلحة المناوئة للرئيس صالح , وذكر في التقرير أنه " ... في مارس 2014، تقدم اليمن إلى رئيس معاهدة حظر الألغام بتقرير مؤقت يوضح خطط إزالة الألغام، وتحديد أماكنها، وإجراء تدريبات لتلافي مخاطرها، ومساعدة الضحايا في بني جرموز. وفي أكتوبر ، تلقت هيومن رايتس ووتش معلومات من سكان محليين ... أنه لم تتم إزالة الألغام أو تحدد مناطق وجودها، وإنهم لم يتلقوا أي تدريب على تلافي المخاطر، ولم يحصل الضحايا على مُساعدة." في 2016 م مازالت الألغام تحصد , والضحايا في تزايد , والزراع مستمرون . _______________________________________ - اتفاقية حظر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد، وتدمير تلك الألغام (اتفاقية أوتاو) ديسمبر 1997,(http://www.un.org/arabic/commonfiles/apmbc.pdf) - اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر أكتوبر 1980, (https://www.icrc.org/ara/resources/documents/misc/62sd4j.htm) - الحوثيون يستخدمون الألغام الأرضية من جديد , تقرير هيومن رايس وواتش : اليمن , 18/11/2015 (https://www.hrw.org/ar/news/2015/11/18/283444) - التقرير العالمي 2015م : اليمن , 2014م ,هيومن رايس وواتش (https://www.hrw.org/…/world-re…/2015/country-chapters/268197). - موقع قناة العربية (www.alarabiya.net/articles/2007/05/08/34248.html)