إذا كان نظام السلطة المحلية في إطار الديمقراطية وتعزيز المشاركة الشعبية عبر انتخابات المحافظين كخطوة هامة على طريق الحكم المحلي واسع الصلاحيات يمثل" نعمة"، فللأسف الشديد إن إدارة الأمور بطريقة تكرس المزيد من الفساد والعشوائية تجعل الناس يشعرون أن الديمقراطية والانتخابات تحولت إلى" نقمة". أفرز صندوق الاقتراع محافظين غير قادرين على إدارة شئون المحافظات، في حين يعتقد أن التعيين كان يقدم للمواطنين في بعض المحافظات رجالاً عند مستوى المسئولية. فمثلاً: محافظة تعز "الحالمة" التي تعتبر العاصمة الثقافية للبلد، ويمتاز أبناؤها بمستوى ثقافي وتعليمي متقدم؛ بات لسان حال معظم مواطنيها يترحم على محافظين سابقين مثل: القاضي أحمد الحجري، أو الشيخ صادق أمين أبوراس. حيث يعتقد كثيرون أن القرار الجمهوري في هذه الحالة سيكون منقذاَ وخلاصاً لهم، طالما لم تجُد الانتخابات بمحافظ ينقذ المحافظة. بل الحاصل أن سياسات المحافظ المنتخب حمود الصوفي أوصلت بعض أبناء تعز إلى التذمر والكفر بالعملية الديمقراطية، بينما آخرون، وهم غالباً من منتسبي المؤتمر الشعبي العام، وصل بهم الأمر لفقد الثقة بهذا الحزب الذي يتحدث عن الوطن والكفاءة بطريقة تتناقض مع ما يحدث على أرض الواقع.
ومما يستغرب له الناس، وأعضاء وأنصار الحزب الحاكم، أن تمنح الثقة لمن يثبتون أنهم قادرون على التعامل مع القضايا عبر أساليب "القوة والنفوذ خارج القانون"، حيث يتم الاعتداد بتلك الأساليب كشهادة مستحقة لنيل المناصب العليا، في حين يتم محاربة الشخصيات الكفؤة والنزيهة. حيث ينظر الناس إلى محافظها "الصوفي" على النسق ذاته، وتقلده العديد من المواقع العليا، بينها عضوية البرلمان، ثم منصب وزير ثم وأخيراً، وربما ليس آخرا، ترشيحه لمنصب المحافظ بفعل ما أظهره من أساليب وتعاملات سابقة في منطقته، كانت معظمها تسيء للدولة وللسلطة والنظام السياسي، وتلحق بالغ الضرر بالعملية الديمقراطية..
في حين يتم محاربة وتهميش شخصيات تتميز بالكفاءة والنزاهة والإخلاص الحقيقي للوطن والشعب والقيادة السياسية مثل وكيل أول المحافظة الذي سعى المحافظ إلى تهميشه وإقصائه مع أنه معين بقرار جمهوري، ويحظى بتقدير واحترام من أبناء محافظة تعز بمختلف انتماءاتهم، ومن كافة المديريات بفعل تعامله مع الجميع بنظرة واحدة، وليس بانحياز مثلما يفعل غيره ممن يعتقد أنهم تسببوا في جلب الكراهية لأبناء شرعب التي ينتمي إليها الاثنان (لمحافظ، والوكيل الأول) وشتان بين الرجلين.
المحافظ الصوفي وصل إلى البرلمان بعد أعمال قدم نفسه من خلالها على أنه شخصية قوية ومسيطرة على المنطقة. وبالأسلوب ذاته انتزع مقعداً برلمانياً لولده على حساب آخرين يعتقد أنهم كانوا أكثر نزاهة وكفاءة. واليوم أضيف للرجل –إلى جانب تلك الأساليب غير القانونية المسيئة لدولة الديمقراطية التي يفتخر بها الرئيس– أضيف إليها شرعية المنصب الأول بالمحافظة.
ليسعى الرجل عبرها إلى هضم حقوق الناس من أصحاب الأراضي المجاورة للمطار. ليس ذلك فقط، بل يعرف الجميع أن أحدى شركات المقاولات التي حصلت على مجموعة من الامتيازات لشق وسفلتة طرق ومشاريع في شرعب ومديريات أخرى في تعز، هذه الشركة معروف أنها تتبع أحد أفراد أسرته.
فهل نعي حقيقة أن إعادة الاعتبار للكفاءات المخلصة والنزيهة هو في رصيد السلطة والنظام السياسي، وأن إطلاق يد الفاسدين يزيد من معاناة الناس وتذمرهم وحقدهم ويولد مزيداً من الفتن ويسير بالأوضاع نحو الأسوأ ونحو ما لا يحمد عقباه.