لم يتهاون ذوو المجني عليه من الثأر لمقتل نجلهم.. هذه هي السمة الدائرة لأهالي البيضاء وتحديداً أبناء رداع. مساحة رداع تصل إلى النصف تقريباً من إجمالي مساحة المحافظة، وقبل عدة سنوات تم تقسيمها إلى ست مديريات هي رداع- العرش- الرياشية – ولد ربع- آل محسن يزيد – آل عنيم.
وفي مديريات رداع تنتعش ظاهرة الثأر والتي لم تنحصر على ترابها، بل امتدت نحو النطاق الدولي. فبحسب السكان المحليين، قام الشاب أحمد صالح بقتل أحد أبناء رداع وتمكن من الفرار إلى خارج الوطن. ورغم هروب الجاني إلا أن ذوي القتيل قاموا بإيفاد شخصين إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية بهدف البحث عن غريمهم، والذي تم قتله في ولاية ميتشجن بعد مرور شهرين من البحث الجاد عنه.
وفي مطلع العام الجاري تعرض لاجئ صومالي للقتل على إثر الصراع المحتدم بين"آل مثنى". لم تكن تلك الحادثة هي الوحيدة في العام الحالي، ففي مارس 2010م، قتل أحد أبناء الجالية السودانية في مدينة رداع.
لست أدري إن كان السكان هنا ضاقت بهم الأرض، وبات من الضروري البحث عن غرماء جدد تستهويهم ذات النشوة الدموية للصوماليين وسكان دار فور، أم إن الرغبة العارمة في القتل دفعتهم لإتباعها في تلك الأجساد الهاربة من شبح الموت لتلقى مصرعها في مكان اعتقدت بأنه آمن!
"قيفة " و "مراد" .. ستون عاماً من الصراع ! قبل ستين عاماً احتدم الصراع بين قبيلة "قيفة" – البيضاء، وقبيلة " مراد" –مأرب، بسبب اختلافهما على حدودهما القبلية في "المشريف" و" يفلا". النزاع أسفر حينها عن مصرع ثمانية أشخاص، تلاه توجيه الإمام يحيى باحتجاز مجموعة من أبناء القبيلتين، وتولى الشيخ علي ناصر القردعي والشيخ عبد الولي الذهب الصلح بين الطرفين. وقبل اندلاع شرارة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، تمكن الرجلان من حل القضية، وترسيم الحدود بين القبيلتين، واللتين امتثلتا لحكم المحكمين.
مضت الأيام تلو الأيام والناس يعيشون في أمن وسلام.. وفجأة حدث صراع داخلي بين أهالي" التوس" وهم من أبناء قبيلة قيفة-البيضاء، ونتج عن ذلك انشقاق بين أهالي منطقة التوس أدى إلى رحيل مجموعة منهم إلى قبيلة مراد. لجوؤهم هذا والمعروف محلياً "بالرباعة أو المؤاخاة"، دفع القبيلة إلى استضافتهم واحتضانهم رغم انتمائهم لخصمهم التقليدي، والأعراف والعادات القبلية هي من دفعتهم إلى حماية ورعاية هذه الفئة المنشقة من أبناء "قيفة".
هذا العرف القبلي يمنح من قام بنصرتك الحق في الإقامة والمكوث بأرضك، ومن هنا تغلغلت "مراد" في "قيفة"، وقامت باستحداث المباني السكنية وشق الطرق، وذلك كضرورة معيشية لهم في أرض من قاموا بنصرتهم وحمايتهم!. وبعد عامين، شعر المنشقون بأنهم ارتكبوا خطأ فادحاً في حق قبيلتهم وأرضهم التي باتت بحسب تعبيرهم تستوطنها أقدام الغرباء.
حينها قرر هؤلاء فك الارتباط عن قبيلة مراد والعودة إلى عشيرتهم قيفة، وهذا ما لم ترفضه مراد بل رحبت به، ولكنها رفضت التخلي عن مساكنها التي تم إنشائها في قيفه بحجة "هذا حقنا".
لم تتقبل قبيلة "قيفه" ذلك، ونشب نزاع بين الطرفين نتج عنه اندلاع حرب شرسة بين القبيلتين، أسفر عنها حتى اللحظة مقتل سبعة من قبيلة "مراد" وواحد من قبيلة "قيفة". الآن، وبعد ستين عاماً من الصراع على أمتار ترابية وأحجار أسمنتية، أمّا آن الآوان لهذه المأساة أن تنتهي؟!.
من الذاكرة - البيضاء.. ملطخة بالدم الأحمر في وسط مدينة البيضاء، عاصمة المحافظة ، وبسبب خلافهما على أرضية وسط سوق المدينة، تبادل طرفا النزاع إطلاق الأعيرة النارية التي تسببت في مقتل فتاة بريئة بمنزلها في إبريل الماضي. وفي ذات السوق، وبعد يوم واحد من مصرع الفتاة، لقي الطاعن في السن "عبد النبي عرمان" مصرعه وأصيب نجلاه في نزاع مسلح بين عرمان وغرمائة على قطعة أرض.
في مطلع فبراير الماضي، احتدم النزاع بمديرية الرياشة بمحافظة البيضاء، إثر محاولة عدد من الأشخاص حفر آبار ارتوازية في مناطق يتنازع عليها السكان المحليون بالرياشية ، ونتج عن ذلك مقتل أحد السكان. في مدينة رداع تعرض الشيخ عبد الولي الشاهري ومرافقاه لكمين نصبه مجهولون من قبيلة "آل الجبري" أسفر عن مقتل أحد المرافقين وجرح آخر فيما وصفت إصابة " الشاهري" بالخطيرة، وأصيب في ذات الحادثة شخصان من "آل الجبري" وذلك في 26 مارس الماضي، وتأتي هذه الجريمة امتداداً لصراع قبلي يمتد لحوالي عشر سنوات بين قبيلتي "الشواهرة" و" آل الجبري"، راح ضحيتها عدد من القتلى والجرحى.
لا تزال الصراعات مستمرة بين قبيلتي "آل طاهر" و"آل عواض" من مديرية السوادية ، وذلك على خلفية نزاعهما على مراع للأغنام سقط خلالها أكثر من عشرة أشخاص ما بين قتيل وجريح، كما تعرضت الثروة الحيوانية لطرفي النزاع للإبادة الجماعية.
في أواخر مارس 2010م اندلعت شرارة الحرب في مديرية "العبدية" بمحافظة البيضاء إثر الصراع الواقع بين قبيلة "آل أحمد" وقبيلة"مراد" ومجاميع من نجر قانيه، والمتعلق بتنازع تلك الأطراف على قطعة أرض صغيره. وأسفرت حينها عن مقتل مواطن من"نجر قانية" . وسبق لأطراف النزاع الاحتكام قبلياً في بداية الأمر، وأنفقا على ذلك نحو عشرين مليون ريال، لكنهم قرروا مؤخراً حسم الخلاف بالحرب.
مطلع مارس 2010م، قام شخص من قبيلة "آل أحمد" بالاعتداء على شخص من قبيلة "آل أبو وردة" يدعى مقبل رزيق، 50 عاماً، والذي تعرض حينها لإصابة خطيرة، وفي اليوم التالي -5مارس- قام أهالي "آل أحمد صالح" بالاعتداء على ممتلكات غرمائهم مما أدى إلى مقتل فضل علي أبو وردة، وتتبع القبيلتان مديرية "الشريه".ويعود الصراع بين الطرفين إلى ما قبل عشرين عاماً نتج عنه مقتل ما يزيد عن عشرة أشخاص وأكثر من عشرون جريحاً.
قامت مجموعة من أهالي الجوف-البيضاء- بقتل ابن عمٍ لهم على خلفية قضية ثأر، وذلك في 5 ديسمبر2009م. كما قامت تلك العصابة بقتل ثلاثة من سكان رداع وإصابة اثنين. في 2مايو 2009م قام مختل عقلياً بقتل تسعة أشخاص وجرح آخر، وكلهم من أبناء قرية خبزة مديرية محن يزيد- قبيلة قيفه. وقد تمكن الجاني، ويدعى حسن ناجي الخبزي، من الولوج إلى أحد مقايل القات وأخذ أحد البنادق الموجودة في المجلس وقام برش الحاضرين.
وبحسب موقع "مأرب برس" فإن الجاني يعاني من حالة نفسية منذ العام2004م، وقد لاقى مصرعه حينها على يد بعض الحاضرين إضافة إلى مقتل ابن أخيه المتواجد حينها داخل المنزل الذي حدثت بداخله الجريمة. غير أن مصادر مقربة أكدت أن الحادث جاء بدافع الثأر لشقيق المختل عقلياً والذي قتل قبل عدة سنوات، لكن من وصف بالمختل عقلياً رفض قبول الدية حينها واستلمها ذوو المجني عليه حينها بعد وساطات قبلية.
في 24 ديسمبر، لاقى الطفل يحيى صالح عبد ربه مصرعه بطلقة نارية اخترقت رأسه، بسبب الصراع الدموي الذي تدور رحاه بين قبيلتي"آل قرموش" و"آل العيوي" من منطقة القريشية محافظة البيضاء. ويعود الصراع بين القبيلتين إلى أكثر من ثلاثين عاماً بسبب قضايا ثأر، وسبق لوساطات قبلية إيقافه إلا أنه سرعان ما يتجدد بسبب تفشي تلك الأحقاد الثأرية المتفشية بين السكان المحليين بالبيضاء.
في 6 ديسمبر 2009م، لقي شخصان مصرعهما بمدينة رداع إثر إقدام مجموعة من أهالي الجوف-البيضاء بإطلاق الرصاص الحي في السوق المركزي لمدينة رداع بعد محاولتهم الثأر من غرمائهم الذين كانوا في السوق حينها، وأسفر الحادث عن مصرع أحد سكان المدينة وآخر من الجناة وإصابة اثنين من المارة.
في مطلع فبراير 2010م نشبت حرب بين قبيلتي "الذهبان" و"آل علي" مديرية ولد ربيع بمنطقة رداع محافظة البيضاء، ونتج عنها مقتل ما يزيد عن أربعة أشخاص وامرأة، فضلاً عن إصابة ستة أطفال وتدمير ستة منازل وذلك لأخذ الثأر لمقتل الشيخ سيف أحمد ناصر الذهب الذي اغتيل قبل عشرين عاماً.
ولا تزال الحرب دائرة حتى اللحظة بين الطرفين المتنازعين على مدى عقدين من الزمن. في 14 ديسمبر 2009م لقى فهد الردوع مصرعه بمديرية الرياشية على خلفية قضايا ثأر منذ ثلاثين عاماً بين قبيلتي "آل الردوع" و "آل دماج".
بسبب تعتيم الجهات المختصة لم نتمكن من الحصول على إحصائية رسمية عن عدد قضايا الثأر وضحاياها، إلا أنه -وبحسب التقرير الصادر من مجلس الشورى- فإن عدد قتلى الثأر خلال العام 2002م فقط بلغ 361شخصاً، وإن عدد قضايا الثأر في قبيلة " قيفة" في العام 2002م وصل إلى 129 قضية. واعتماداً على هذه الأرقام الرسمية فإن معدل القتلى واحد في كل يوم تشرق فيه الشمس على البيضاء الملطخة بالدم الأحمر.
آل الجبري والشواهرة .. حروب طاحنة! مع حلول العام 2000م، استنجدت امرأة بالشيخ فيصل الدفعة من ما تعرضت له من ظلم أحد النافذين الذي قام بالاستيلاء على أرضها ومصادرة بعض ممتلكاتها. "الدفعة" لم يتوان في نجدة تلك الطاعنة في السن، وسعى إلى إقناع ذلك الشخص بإعادة ممتلكات المرأة المنهوبة، لكن المذكور قام بقتل" فيصل الدفعة".
حينها اشتد غضب قبيلته" آل الجبري" دخلت في حرب قبلية مع "الشواهرة". وعلى مدى العشر السنوات الماضية لاقى العديد من الأشخاص مصرعهم فيما أصيب العشرات ولم تتمكن السلطات الرسمية من إيقاف نزيف الدم المنهمر يومياً من طرفي النزاع.
أحلام تتلاشى لم تثنه تلك الأمية المتفشية في مسقط رأسه عن الالتحاق بالتعليم. حبه للدراسة دفعه للاستحواذ دوماً على المرتبة الأولى. ورغم محاولة البعض إزاحته عن ذلك، إلا أنه استطاع بتفوقه وجده واجتهاده التميز على أقرانه المتحمسين لمنافسته على التربع على عرش أوائل الفصل.
حينها تمكن من استيطان قلوب معلميه، الذين كانوا يولونه مهمة تدريس أقرانه عند غيابهم وانشغالهم. وبعد عدة سنوات، ينال ذلك القروي شهادة الثانوية العامة، وبات من السهل عليه الاقتراب من ذلك الحلم الذي لطالما راوده منذ نعومة أظفاره.
فترة وجيزة وينتقل نحو العاصمة صنعاء، ويقوم بالالتحاق بالكلية الحربية التي طالما استهوته. كعادته .. غادر هشام أحمد الحميدي نحو محافظة البيضاء لقضاء إجازته الأسبوعية مع أفراد أسرته.
تحديداً كان ذلك يوم الأربعاء 24 فبراير الماضي، عندما اتجه الحميدي من الكلية الحربية إلى محافظته، ولكنه لم يصل حتى اللحظة بعد أن اعترضت رحلته عصابة مسلحة في قرية "الكولة" التابعة لمحافظة ذمار، وقامت بإنزاله من سيارة الأجرة التي كانت في طريقها إلى مدينة رداع، وأطلقت عليه أعيرة نارية كانت كفيلة بإزهاق روحه واغتيال أحلامه المتطلعة لتوطيد الأمن والاستقرار!.
بدم بارد قتلوه، وببشاعة رموه على قارعة الطريق، وببساطة يندفع أقاربه للثأر من مقتله على يد أربعة من أبناء قرية "بيرق"، بعد أن فشلت الأجهزة الأمنية في القبض على الجناة!!.
عروس يمنية تجوب خمس محافظات خوفاً من الثأر احتاج القائمون على موكب زفاف عروس يمنية المرور عبر خمس محافظات قبل الوصول لمنزل العريس بسبب قضية ثأر. وكان موكب العروس قد انطلق من مدينة صنعاء حيث تسكن أسرتها لتجوب محافظات صنعاء، الحديدة، تعز، إب، البيضاء، قبل أن تصل إلى عريسها في قرية حوات مديرية صباح محافظة البيضاء حيث قطعت العروس مسافة تصل إلى 675 كم بسبب قضية ثأر حالت دون اختصار المسافة إلى حوالي 160كم.
ولجأ أهالي العروس إلى قطع هذه المسافة تخوفاً من أن يحدث لها تقطع في مدينة ذمار التي تقع في الطريق بين صنعاء ومحافظة البيضاء، وترجع وقائع الثأر إلى قيام شخص من أهالي قرية حوات حيث يسكن العريس بقتل آخر في أحد شوارع مدينة ذمار.
ومع أن القتيل من قرية القاتل، إلا أنه لجأ قبل أكثر من 12 سنة إلى إحدى الأسر في مديرية عنس بذمار.
أكشن قصص مثيرة وحكايات لا تنتهي تلك التي سيوردها لك السكان عند زيارتك لهم، وقد تدفعك أحياناً للضحك بصوت مسموع، عندما يخبرونك عن قضية ثأر لها أكثر من ثلاثين عاماً وسببها ملاطم–صفعة- تلقاها أحدهم على خده، دفعته لإزهاق روح خصمه، ونتج عنها حتى اللحظة مقتل(13) فرداً وإصابة(27) شخصاً.
وأحياناً ستنساب الدموع من مقلتيك، وأنت تسمع أحدهم وهو يروي لك تلك المأساة التي عاشتها طفلة في الرابعة عشرة من عمرها. تلك الطفلة أصابها المرض، مما دفع والدها للانتقال بها إلى أحد مستشفيات مدينة رداع. والدها الذي قدم وبرفقته طفلته من قريته، تفاجأ برؤية خصومه أمام بوابة المستشفى، حينها لم يتمكن من الفرار لوجود طفلته معه!
تنهمر الدموع على خدها.. تبكي.. تصرخ.. تتسول من غرماء والدها بإخلاء سبيله!
دعوني أعيش بقربه.. لا تجعلوني سبباً في موته.. تحيط والدها بذراعيها الصغيرتين.. تبكي، وتبكي، الشارع كعادته مزدحم بالمارة والمتجولين.. كلهم تحدق أعينهم باتجاه الطاعن في السن وطفلته وتارة يشاهدون الطرف الآخر: " أب وثلاثة من أولاده" ، كان والدهم يصرخ اقتلوه .. اقتلوه.. أخوه قتل أخي.. يصوب الشباب بنادقهم باتجاه الرجل، ويزداد نحيب الطفلة، وتستقر خمس رصاصات في رأس وقلب الرجل!
تلطخ الطفلة جسدها بدم والدها وتستمر في البكاء، والكل يكتفي بالتفرج على حال تلك الطفلة.