*بحثاً عن "المفاجأة" التي أخذت بأنظار اليمنيين وحيكت لها الأثواب وترقب الناس بيانها مفصلاً، فإن البعض يجادل بأن هناك خطاباً رئاسياً آخر غير الذي بثه التلفزيون مساء الجمعة، ويرى هذا البعض أن المفاجأة التي وعد بها الرئيس مخبوءة في بطن الخطاب (الآخر)، فالرئيس ذكر الخطاب ولكنه لم يقل هذا الخطاب بعينه أو ذاك. أمر مفاجئ أن لا يصدق الناس بأن الأمر قد انتهى والمفاجأة وقعت بالفعل، وعدنا من "البيان الرئاسي الهام" بتهنئة شملنا بها الرئيس القائد وهو يهنئ "جميع المواطنين والمواطنات في الداخل والمهجر" بالعيد الوطني.
يفترض أن يكون في هذا القدر عزاء لنا، على الأقل لم نرجع محرومين من كل شيء، حصلنا على هذه التهنئة، وفي المرة القادمة أو العام القادم قد تتطور الظروف وتتحسن حظوظنا فنحصل على مفاجأة أفضل وأكبر؛ وشقة مجانية مثلاً، أو شاشات (LCD) جدارية فاخرة، أو حتى هواتف نقالة مقاومة للسرقة. علينا أن نقنع الآن بالقليل من المفاجأة وكثيرها سيأتي مع الأيام. الطمع مهلكة والدنيا تؤخذ بالتدرج "حبة حبة". هؤلاء نحن، أما رؤساء وقيادات المشترك فقد ذهبوا بالخير كله، واللهم القائد من واسع دهائه وكرمه فكانت المفاجأة الثمينة من نصيبهم هذا الموسم، ولكنهم أيضاً يستحقونها بجدارة.
حصل رؤساء المشترك على تهنئة، مثلنا، فهم مواطنون أولاً ويدخلون معنا في القسمة.
أما ثانياً، وهذه خاصتهم، حصلوا على عرض سخي بوزارات ومناصب عليا ووظائف حكومية مردودها غزير وخيرها وفير والحاذق يضاعف له الأجر، فأين بالله عليكم يحدث هذا؛ يصبح الرجل معارضاً لا يجد شيئاً ويمسي وزيراً وقد ملك كل شيء؟!
الرئيس زاد الإصلاح والإشتراكي فاختصهما بعطية أخرى، امتدح الأخير بصفته "شريك في تحقيق الوحدة" والأول بوصفه "شريك في الدفاع عن الوحدة"، والرئيس أبداً لم يقصد من هذا الإستخدام المؤسلب أن يخيط الفكرة بصميل ولكنه أيضاً قصد أبعد وأكثر من ذلك لأن المشترك لم يعد جماعة كثيرة بل حزبين، وحتى هذين الحزبين ليسا معاً في دلالة الوصف الذي يكاد يحيلهما إلى الضدين، وهكذا الرئيس أدى ما عليه – مشكوراً - وأنجز وعده وفعل كل شيء تقريباً بما من شأنه أن "يطوي صفحة الماضي ويفتح صفحة جديدة "وبهذا تكون مشاكل وأزمات اليمن قد حلت نهائياً، أيش المشكلة يعني؟! ما أسهل "اليمن الجديد والمستقبل الأفضل".
* يلعب.. بلا خطة.. الطريقة التي عرضها الرئيس أو عرض من خلالها المقترحات والدعوات وأوجز في توزيع الأدوار والهدايا، جعلت العبد لله مقتنعاً بأن الرئيس قد مل من السياسة وغير كثيراً في خطة اللعب التي اعتمدها وكفلت له التحكم بالملعب طوال ثلاثين عاماً وعامين. وفي ظروف ومعطيات كهذه يفهم المتابع والمراقب طبيعة الفقدان الذي يحيط بالرئيس إلى مستشارين "محترفين" وحكماء يحرصون على الرئيس أكثر مما يحرصون على موافقته لمفارقة سخطه، ويستحضرون له في نصحهم أن مستقبل الرئيس وبقاءه في التاريخ، أكبر وأهم وأثمن ما بقي له في الرئاسة، وإذا كان لا بد من الاثنتين معاً فلا تجيء هذه على حساب تلك أو بالانتقاص منها.
خطاب عشية 22 مايو ينبغي الاعتراف أنه قسى علينا وعلى كثيرين انتظروا معنا بترقب وأمل التعامل مع مفاجآت سارة وتاريخية تفتح باباً لانفراج تلج منه اليمن إلى المستقبل بشروط وضمانات حقيقية، بعيداً عن مخاطر ومحاذير التعثر ببعضها البعض أو بنفسها، وبعيداً عن عناد مكابر في لحظة شاردة قد تبعد اليمن عن بوابة المستقبل وتحمله ضريبة وتبعات التخلي عن فن الممكن والخلو من مستشارين. * بين الظرافي والقصر.. تدعى أحزاب وطنية إلى الحوار دون شروط، وتستدعى – ولو على سبيل الإغراء أو الإغواء- إلى حكومة ائتلاف وطني، ولكنها منعت قبل أقل من 24 ساعة لا غير أن تنظم مهرجاناً خطابياً في ملعب الظرافي بصنعاء احتفالاً بعيد الوحدة!! كان خطئاً فادحاً وتصرفاً لا يمكن فهمه أو هضمه أن يصادر حق الأحزاب الوطنية في الإحتفال بالوحدة، وتواجه بأجهزة الأمن، ثم تقذف سماء الحاكم بتصريح أكثر سوءً وغرابة، منسوب إلى مصدر في أحزاب التحالف (المؤتمر الشعبي العام) يحاول تبرير هذا التصرف الأرعن والقمعي عبر كيل الشتائم المقذعة والإتهامات التخوينية للمعارضة فيما الجميع كان ينتظر معنا بترقب خطاب الإنفراج والتهدئة من رئيس الجمهورية.
السلطة انتقصت من الحرية والديمقراطية واستقوت ضد شركائها في الوحدة وفي العمل السياسي والحزبي لتمنعهم حقاً بسيطاً كالإحتفال. وهذا يزيد من التعاطف مع المعارضة المستضعفة إلى هذه الدرجة وإن كانت هي الأخرى غريبة الأطوار وإلا لوسعها ميدان التحرير، فلماذا ملعب الظرافي دون غيره؟!
وأية أحزاب هذه التي لا تجد شارعاً يسعها ويسع حشدها الجماهيري وتبدو وكأنها أدمنت السلامة والمهادنة الإحتفالية داخل ملعب صغير وخلف أسوار تحيل دعاوى النضال إلى مدونات "أخر نكتة"؟
مرة يغلقون أمامها صالة مناسبات، ومرة ملعب كرة، فتقبل وتعود إلى بيوتها، فكيف تظن المعارضة أنها ستفتح أمامها أبواب القصر الجمهوري وقصر الحكومة لتدخل منهما كبديل؟!
أرى أن على المشترك التفكير بحل عملي لمشكلته مع ميدان الظرافي، وحتى لا يتعطل عمله السلمي وتعتكف القيادات في المنازل لماذا لا تجمع التبرعات وتشتري قطعة أرض كافية لتشييد ملعب كالظرافي- إذا كان ولا بد من ملعب- وعندها لن تستطيع السلطة أن تمنعها من حقها والنضال يستمر!!
والأسهل من هذا كله الشارع، والشارع مش حق حد، ولكن المعارضة توعدت كثيراً بالنزول إلى الشارع، ثم نزلت إلى الظرافي، فهل في الأمر حكمة لا نعلمها؟!