زحفت قوى الموت على مديرية فرع العدين- إب المتاخمة لتهامة. يحكمها الفقر والمرض والجهل منذ الأزل وهاهي آثار الحرب كالنزوح والبطالة وضيق سبل العيش تهجم على عزل وقرى المديرية بما فيها مسقط رأسي "قرية الرمادي". بعدد سكان يتجاوز 100 ألف نسمة، مديرية "فرع العدين" أخذت من تهامة- الحديدة التهميش والحرمان ومن شرعب- تعز التضاريس القاسية والجفاف، ونسيت أن تأخذ من العدين- إب الخير والماء. إلا أنها أخذت من الفساد ما يزيد الأمر سوءاً كثير من المسؤولين سواء عقال أو شيوخ أو ممثلي السلطة المحلية المنتخبة أو المعينة هجروا المديرية إلى مدينة إب، لا يقومون بأعمالهم على الوجه المطلوب وبعيدون عن الناس وعن تلمس حاجاتهم.
وصلتني شكاوى عن محاباة العقال في توزيع المعونات واستغلال تسجيل المستفيدين من صندوق الرعاية الاجتماعية والتقصير في متابعة المشاريع والخدمات والتوقف عن المتابعة عند أول محاولة إن بدأت في أحسن الظروف. مقر إدارة المديرية مهجور ومبنى أكبر مرفق صحي محتل وومبنى المحكمة خال.. وعدد على باقي القطاعات. واقع مؤلم لم يتحمس هؤلاء للبقاء ولم تحاسبهم الدولة ولا وفرت لهم ربما سبل الاستمرار.
مجاعة في فرع العدين؟! ناتج طبيعي لمدخلات الأزمة الحالية نراها أمام أعيننا.
أنا إبن هذه المديرية التي لم تكن في حال أفضل قط: الناس في شتات دائم بين الغربة الداخلية والخارجية بحثاً عن لقمة عيش كريمة. سنوات جفاف تعاقبت وجعلت من مياه الشرب في بعض القرى الجبلية الأغلى في العالم بحسب تقديرات أممية، حيث وصل سعر دبة ماء (20 لتر) للأستخدام المنزلي إلى ما يزيد عن $2.
هناك نسب متدنية في التعليم وفارق بين البنين والبنات علاوة على نسب عالية للتسرب من التعليم، كما ترتفع معدلات زواج القصر بنين وبنات كنوع من الدفع بالمسؤولية من أسرة البنت إلى العريس.
تمتلك المديرية معدل خصوبة مرتفع بين الإناث تصل الى ستة/سبعة أطفال كمتوسط وهذا يعني زيادة مطردة في عدد الأطفال مع تراجع حاد في دخل الفرد. تمر شهور (هذه الفترة) لا يتمكن الفرد من إيجاد أي دخل.
باع الناس مدخراتهم وأثاث بيوتهم ولم تنتهي الأزمة ولم تنتهي الحرب.. عشت مرارة كهذه في أزمة في عقد التسعينات عقب خروج المغتربين من السعودية وما ترتب على ذلك من أزمة معيشية خانقة، أضطررنا لبيع أجهزتنا المنزلية كاملة لكي فقط نوفر مقابل المعيشة.
كثير من زملاء دراستي توقفوا عن مواصلة التعليم بسبب تحملهم مسؤليات إعالة أسرهم ومن أكمل الدراسة وحصل على وظيفة حكومية هاهو من دون راتب كملايين اليمنيين. يا ويلّي أي جحيم يعيشه الناس في قريتي ومديريتي بل في كل هذا الوطن على إمتداده الشاسع.. تحاول أن تساعد كفرد - مهما كنت، فأنت فرد. وتحاول أن تساعد المنظمات سواء في الفرع أو سواها - لن تحل المشكلة. لا يكفي أن توفر لقمة (إن توفرت بالأساس) للناس، نحن لحاجة إلى حزمة حلول جذرية تقوم بها الدولة بأجهزتها المختلفة وتساندها المنظمات الدولية ورجال الخير.
أجدد الدعوة هنا لكل مقتدر من أبناء المديرية أن يتكفل بمن حوله بقدر الاستطاعة وكل فاعلي الخير والمبادرات الشبابية أن يساهموا في تسيير قوافل إغاثية لمن هم بحاجة ماسة لها في العزل المتضررة بشدة ك "المسيل" و"العاقبة" و"الأخماس" و"الوزيرة" و"الأهمول" و"بني أحمد" والوضع في "بني يوسف" و"المزاحن" وباقي العزل والقرى بحاجة للدعم العاجل ولكنه ليس ربما بقدر الإلحاح.
لنواصل جهود الخير والتعاون يا أصدقاء، كل بالقدر الذي يستطيع وبالوسيلة وعبر الجهة التي يثق بها.
أعرف تمامً أن المتبرعين خاصة الأفراد نالهم التعب ولكن لا خيار حين نشاهد الناس في هكذا حال.. شكراً لدعمكم سلفاً!