طوال تأريخها الضارب الجذور في أعماق التاريخ، الراسخ القدم في بنيان الحضارة، كانت ومازالت عدن صورة مصغرة لفضاء مدينة كونية حاضنة لكل الأطياف والألوان والأعراق والثقافات الإنسانية على امتداد كل الحقب والعصور التي جعلت من عدن أيقونة حية في وجدان كل من زارها او سكنها او كتب عنها وبحث في تاريخها العريق كرمز حضاري وإنساني واسع باتساع الأفق اللانهائي لمحيطات وبحار المعمورة التي تتقاطع سبلها وتتهادى امواجها الزرقاء إلى رمال شطآنها الساحرة ومرافئها الطبيعية العامرة وصخورها البركانية المنتصبة بشموخ وتحدي منذ الأزل.. ان حياة مدينة عدن وازدهارها يرتبط بالروح التي تسكن جسد هذه المدينة، وهي روح مفعمة بالإنتماء للكون الواسع والمتسع لكل من قدم إليها، واتخذ منها وطناً ومستقراً، وقد سكنها البحارة والتجار والصيادون والمهاجرون من كل أطراف الدنيا وأقاصي المعمورة وحطوا رحالهم فيها لأنها رحبت بهم ومنحتهم الاستقرار والسكن وطيب الحياة والمقام.
عدن تزدهر بالتنوع لأنها أفق مفتوح لا يقبل الإنغلاق والإنكفاء وتضمر بالعنصرية التي تضرب أهم سمة لوجودها كمدينة للتعايش والتسامح وسعة الأفق.
لقد مرت على المدينة فترات زمنية قاتمة حينما تسلط عليها أقوام لم يتطبعوا بطابعها الكريمة ولم يفهموا لغتها الناطقة بكل اللغات فأثر ذلك في توقيف عجلة الحياة والنماء والتطور ومواكبة ركب الحضارة والمدنية؛ لأن هذا السلوك صادر أهم مقومات الوجود والاستقرار والازدهار، وحرم سكان المدينة من حركة التجارة ورؤوس الأموال التي اضطرت للهروب والمغادرة إلى بلدان أخرى أفادت كثيراً من نشاطها الذي حرك عجلة اقتصادها ورفع مستوى معيشة مجتمعاتها..
المدينة الكونية المفتوحة على العالم تضمر وتموت ولاشك، حين يقف ضيقو الأفق من القرويين والمناطقيين على أبوابها ليكتموا أنفاسها ويعيقوا حركة الحياة فيها لصالح مجموعات لا ترى أبعد من موطن أقدامها..
إنها عدن التي اعتادت كما اعتاد سكانها على مر العصور من تجدد الحياة في اوصالها حين تعود اليها روحها الحقيقية المفعمة بالتسامح والتعايش، وهي الآن عاصمة اليمن المؤقتة التي انطلق منها مشروع المقاومة والتحرير لكل التراب الوطني، ولن تكون قرية لفئات عنصرية ترى فيها مجرد مساحة لبناء الأكواخ وادارة المشاريع الأنانية الصغيرة على حساب مجتمع رافض لهذه الثقافة البائسة.
حتما ستنتصر ثقافة التعايش والتسامح في عدن، المدينة التي ولدت لتكون وطناً للإنسان.