لا يمكن التخلص من الشغف الرياضي على الإطلاق، هذا ما اكتشفته في القرية، تؤمن إنك شفيت من إدمانه وتأتي لحظات تعيدك إليه. مع فوز المنتخب اليمني، رجل في عقده السبعيني، طلب من أولاده تحميل المباراة التي فاز بها المنتخب، المباراة كاملة وليس الأهداف فحسب. الجيل الذي عاش فترة المحترف اليمني في نادي الزمالك، علي محسن مريسي، يأخذهم الحنين إلى تلك الأيام.
في القرية أيضًا، هناك رجل يعيش الفاقة، يرعى الكسب، ابيضّ شعر لحيته، ومع ذلك إن علم بمباراة لنادي الاتحاد السعودي يبحث عن أي بيت بها التلفزيون مفتوحًا، يتذكر أيام الاغتراب، لا يتحرق عليها وعلى النعمة التي غادرها بمحض إرادته بقدر تحرقه على ترك النادي. كان يعمل في الغربة "مليس" للجدران، وحين أغلق أصحابه باب الشقة في الطابق الثاني في اليوم الذي سيلعب فيه الإتي، قفز من النافذة، ليلتقي مع أصحابه وعمه في المدرجات. تبقى له فانيلة واحدة من تلك الأيام، وهي مخططة بالأسود والأصفر.
وصلت لحالة الشغف في 2006، وانفصلت عنه في 2010. وحاليًا لا يعود لي وحدي، بل إلى القرية بأكملها على ما يبدو، كما لو أن أهميته نفسية محضة للتخفيف من حالة الإنهاك والحزن اليومي وأخبار القوة الصاروخية على الواتس.
في القرية، يبدأ الشغف حين يجذبك اللاعبون في مباراة للمنتخب الوطني، يتميز أحد اللاعبين مثل عبدالواسع المطري الذي سجل الهدفين في المباراة الأخيرة للمنتخب، تفتش عنه، لأي ناد ينتمي، أين يلعب؟، تحتاج إلى الصحف الرياضية، تتعرف على الأندية داخليًا وخارجيًا، تتوسع مداركك الرياضية، من كرم القدم إلى التنس، تجذبك حسناوات التنس ولا بد أن يتخذ خيالك واحدة بعينها وإن لم تفهم قواعد اللعبة، خيالي زامل ماريا شارابوفا صاحبة أجمل قلب في الاتحاد السوفيتي ودول البلقان، تعود إلى ناديك الذي فضلته على البقية، تنظر إلى أداء فريق "الطاولة" لأن اللاعب المحبوب الذي شدك يلعب في فريق "كرة القدم" تساوقك النزعة العصبية لبقية الألعاب لأنك تريد لفريقك الفوز بأي شيء وبكل لعبة.
كنت أتابع الصحف، الراديو، وأحيانًا التلفزيون بالأبيض والأسود، حفظت الأيام التي تنزل فيها الملاحق الرياضية التي تصدر عن الصحف الحكومية، الثوري الرياضي، الملاعب، وكذلك الجرائد الرياضية، كجريدة الرياضة كل أحد، عرفنا الطريق إلى الكشك من القرية إلى المدينة ومعها لا بد أن تجذبك صحيفة اسمها القبيطة، على صفحتها الأولى نساء مغريات وأخبار حول المجانين ولابد من خبر رياضي.
النشرة الرياضية تأتي بعد موجز السابعة مساءاً على إذاعة البرنامج العام، وبرنامجها الرياضي يأتي ليلة السبت مع محمد سعيد سالم الذي أصبح حاليًا من قيادات الحراك الجنوبي، ويطالب بالانفصال، صوته بالتعليق الرياضي ضاع كما يضيع الآن بين زحمة المطالب والتقلبات، برنامج رياضي على الإذاعة الثانية مع محمد يسلم البرعي، مقدمته الأغنية الشهيرة "جيب الجول على الراس.. جيب الجول خلك هداف".
لا شك ستتعرف على أسماء مراسلين وتحفظهم بمجرد نقلهم لملخص وقائع مباراة فريقك في الدرجة الثانية ضمن فقرة الأنشطة الرياضية التي تمت في أسبوع في إحدى المحافظات، أنتم لا تعرفون عادل المنصوب، وقد تعرفون ولو قليلًا بندر الأحمدي، والاتصال الهاتفي من الزميل توفيق المساوى. على القناة الأرضية الأولى، كنا على موعد مع استوديو الرياضة كل أربعاء، يقدمه علي العصري صاحب أكبر شنب بين المذيعين اليمنيين والعرب تقريبًا، على القناة الثانية وبعد تحريك الإريال نشاهد المجلة الرياضية مع سالمين.
سينتقل أحد اللاعبين إلى دولة أخرى للاحتراف، سترفع دقل المذياع بحثًا عن محطة أم دُرمان لتفرح وأنت تسمع المعلق الزول وهو يشيد باللاعب المحترف في صفوف المريخ. اللاعبون اليمنيون لا فضائح لهم، والبعض فقط يظهرون في القفشات الصغيرة بذريعة تعاطي القات سرًا..
ستتعرف على فضائح الأجانب في الدوريات الأوروبية، كريم بنزيمة مع فتاة عارية، فرانك ريبيري في المحكمة لمضاجعته فتاة قاصرة قبل دخوله في الإسلام.
لا برامج الآن على التلفزيون، لا رياضة، لا دوري، لا صحف لنقرأ الحوارات الرياضية للاعبين اليمنيين، الأسئلة الاجتماعية التي تدخلنا إلى حياتهم الخاصة، قصصهم المأساوية، إنهم، على شهرتهم، مثلنا.
لا شيء الآن، لقد عرفت من المباراة الأخيرة أن لدينا أكثر من 11 لا عب يمني يحترف في الخارج. المطري عبدالواسع يحترف في العروبة العماني، يا رب يفوز العروبة بالدوري والكأس.