في هامش الحرب ثمة ما يستذكره اليمنيون في يومياتهم: الضحايا. كانت صورة شاب نحيل قتل برصاص مسلحين متطرفين في عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، لا تكاد تغادر حسابات شبان ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي. في مساء الرابع عشر من مايو/ آيار من العام الماضي، أفرغ مسلحون متشددون رصاصاتهم في جسد الشاب أمجد عبدالرحمن محمد في مقهى للإنترنت في مديرية الشيخ عثمان، كانت تهمته انحصرت في «أفكاره» التي يحملها.
لم يكن «أمجد» (23) عاماً، وهو ناشط سياسي وأحد أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني، ويدير مركز «ناصية» الثقافي، سوى نموذج لضحية التطرف الذي بدت عليها تركة الحرب، بعد أن أفاقت عدن المحررة من مليشيا الحوثيين وقوات الرئيس السابق عبدالله صالح، على مسلحين متشددين يتجولون في المدينة.
كانت آراءه المتعلقة بإيديولوجيات الدين والسياسة محط إعجاب الكتاب والناشطين السياسيين في المدينة، لكنها بدت أفكاراً «متقاطعة» مع عقيدة الجماعات الأصولية المتطرفة التي تماهت مع الكيانات المسلحة التي قاومت اجتياح قوات الحوثيين وصالح.
واتهم ناشطون حينها على مواقع التواصل الاجتماعي، قيادياً في «الحزام الأمني» المدعوم إماراتياً ويدعى «إمام النوبي» بالتورط في مقتل «أمجد»، فيما ظلت المطالبات مستمرة للسلطة الأمنية بإلقاء القبض على الجناة، لكن الأمر لم يسير على هذا النحو.
وقبل مقتل «أمجد» بعام كان الشاب «عمر باطويل» قد قتل برصاص جماعة متطرفة، في مدينة عدن، بتهمة «الردة»، بسبب آرائه التي ينشرها في حسابه على موقع «فيسبوك».
وعقب ثلاثة أيام من مقتل «أمجد» قال شهود عيان حينها إن مسلحين متشددين على صلة بقوات الحزام الأمني منعوا أسرته من دفن جثمانه في أحد مقابر العاصمة المؤقتة (عدن).
وأثار مقتل «أمجد» سخطاً شعبياً من حالة الانفلات الأمني التي شهدتها المدينة، ومخاوف لدى كتاب وناشطين من انتقام المتطرفين من أفكارهم، خصوصاً مع الكيانات المسلحة التي تدين بولائها خارج أطر السلطات الأمنية للحكومة الشرعية.
ولم يسع لدى رفاق «أمجد وعمر»، سوى الكتابة في ذكراهما، وإعادة نشر أفكارهما التي حاولت الرصاصات إسكاتهما، وكتبت «فاطمة الناخبي» على حائط «أمجد» في فيسبوك: «اليوم كنت خائفة يا أمجد كان جسمي كله يرتجف وبذلت جهدي عشان أحبس دمعتي، اللحظة هذه ملعونة إلي تشوف فيها شخص وهو يضرب رصاص عليك.. آخر لحظة في الحياة اول لحظة في الموت».
واستبق مقتل «أمجد»، تعرضه لتهديدات بالقتل والتصفية، لكنه واجهها بالاستمرار في إدارة مركزه الثقافي، وتنظيم ندوات نقاشية، إلا أنه حينما استشعر باقتراب الخطر كتب حينها على حائطه في فيسبوك «لو قدر الله، وجرى لي شيء، فالمتهم الأول هم القاعدة وأنصار الشريعة».
ونشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، وسم #لاتنسوناش للتذكير بقضية «أمجد»، ومطالبتهم للأجهزة الأمنية بالكشف عن المتورطين بمقتله، وإحالتهم إلى القضاء.
ولم تكشف السلطات الأمنية هوية قاتلي «أمجد» ولم توجه أصابع الاتهام لأي جهة، وظلت قضيته طي الكتمان.
وكتب مروان كامل، في «إمام النوبي» الذي يتهمه ناشطون بالتورط في قتل «أمجد»، «هذا هو القاتل الذي أطفئ سراج المدينة، وما يُراد لنا ان نعيش فيه ونسلّم به، لكن ذلك لن يحدث، ولن ننسى وجه القاتل ووجه داعميه، ولن يذهب دم أمجد هدراً ونفلت الوطن».
وأضاف في منشور آخر «في مثل هذا اليوم وهذه اللحظات قبل عام، كان آخر صباح للشهيد أمجد عبدالرحمن يقضيه في حياته، وآخر صباح لمدينة عدن».
وكتب محمد اليزيدي في رثاء «أمجد»، «: اتخذ من الكلمة طريقا مبدئيا للنضال والتعبير عن الذات، وسيفا يدافع به عن أفكاره وتصوراته، عن الحب والسلام، عن الحقوق الحريات، عن حبه للحياة وشغفه بها وبالأصدقاء، عن الوطن والإنسان وقضايا المجتمع، والمرأة على الخصوص، وضدا على الجهل والتخلف والتطرف، فقاوموه بالسلاح، وعلى طريقتهم الإرهابية الغادرة والجبانة!».
وتابع «لتعلم أنه حين استهدفتك أياد الغدر، إنما كانت قد استهدفتك كإنسان، كفكرة، كروح، كقيمة، وليس كجسد، وحسب..».
وكتب هاني الجنيد «مر عام غارق بالدم والجريمة والقتلة لا يزالون يسرحون ويمرحون ويغرزون خناجرهم الجبانة في صدور الجميع دون رادع! مر عام والمدينة لم تنتصر لمن كان يحملها على ظهره ويسير بها في الشوارع يذكر الناس بإرثها وآثارها ومدنيتها وإنسانيتها. مر عام والمدينة لم تنتصر لنفسها!».