بداية ذي بدئي، أنوه لجميع القراء في وطني الحبيب من أقصاه إلى أقصاه وخارجه بأني لا أنتمي لأي حزب سياسي ولا أرتزق من الكتابة، وعندما أكتب، أزعم أني أكتب بشكل موضوعي بعيداً عن الاسفاف والشتم كما يفعل الكثيرون اليوم، واليوم قررت أن أكتب هذا المقال من منطلق حبي لوطني وشعبي، مخاطباً كل من يحمل في قلبه ذرة من حب الوطن، على كل انتماءاتهم ومشاربهم. دعونا نتفق أولاً وبدون تشنج أوتحامل بأن ما حدث في صنعاء في الواحد والعشرين من سبتمبر ،2014 ستُسجله كتب التاريخ من بُعدين أثنين: أن العاصمة صنعاء قد جُنبت بشكل مؤقت "حمامات دم وحرب أهلية طاحنة" كادت أن تأكل الأخضر واليابس! أنه كان يوماً أسوداً بكل المقاييس من سقوط منظومة القيم الوطنية لدى الجيش "حامي الحمى وصمام الأمان" كما كان يُسمي وخيانات قيادات سياسية وعسكرية ومؤامرة كبرى على أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر ودماء الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الذود عن هذا الوطن، بغض النظر عمن كانوا يقاتلون ومشروعية تلك المعارك من عدمها! في تلك الليلة، استبشر الناس خيراً في خبر توقيع المصالحة، برغم مرارة العلقم التي لا يُحس بها الا كُل مواطن غيور على وطنه، ليس بسبب استيلاء الحوثيين على مراكز ومنشآت الدولة الحساسة (فهم منا نسيجاً مُجتمعياً شأنا أم أبينا، وسوء اتفقنا أم اختلفنا معهم)، ولكن بسبب عدم وجود جيش وطني قوي يُدافع عن الوطن، والذي كان بناءه المنشود الهدف الثاني من أهداف ثورة 26 سبتمبر1962، والاحساس المرير بخيانة قادة الجيش والولاء للفرد والقبيلة والطائفة! جيشنا اليمني وقيادته جعلت منا مثار سخرية أمام العالم، حتى تساءل الجميع: أحقاً كان هناك جيشاً في اليمن؟!! ما تلك الجحافل من الجيوش التي كُنا نشاهدها على شاشات التلفاز، باستعراضات مهيبة من الفرق والألوية والمدرعات والأسلحة الثقيلة...؟!! وكان الجواب جلياً في الأمس. أنها مليشيات في لباس عسكري، ولائها ليس لله والوطن (كما اعتادت أن تُسمعنا)، بل للفرد وللقبيلة! كم صُرفت على تلك الجيوش من المليارات إنفاقاً وإعداداً وتسليحاً من قوت شعب مسحوق مغلوب على أمره، أستقطع من قوت يومه للأنفاق على هذا الجيش والذي يضرب لنا أسوء الأمثال اليوم في تاريخ الجيوش المعاصرة! وحتى لا نتجنى على الأفراد والضباط ذوي الرتب الصغيرة والمتوسطة، والذين أبلو بلاءً حسناً في الذود عن وطنهم (من وجهة نظرهم وما يعتقدون) ومنهم من قضى نحبه (نحسبه شهيداً بأذن الله)، ومنهم من أُثخن بجراحه وآلامه ومرارة العلقم بسبب خيانة قادته! حدث ما حدث ولا سبيل للعودة إلى الماضي، سوى أن نقول: وآسفاه على تلك الأرواح البريئة التي أزهقت والدماء الطاهرة التي أريقت على أرض الوطن قرباناً لأفراد جمعت وفرقت بينهم المصالح، وليس الدفاع عن الوطن والذود عنه في وجه عدو خارجي! وُقع الاتفاق في الأمس، فأستبشر الناس خير علها نهاية المأساة! ولكن فصول المأساة لم تنتهي! لم يجف حبر تلك الاتفاقية بعد، وإذا بجحافل النصر المزعوم تعيث في الأرض فساداً من مهاجمة منازل ونهب ما فيها لا لشيء ولكن لا ظهار روح النصر التسلطية والعنجهية، والتشفي بالبعض من خلال الظهور في غرف نومهم ثأراً وانتقاما من تصريح غير مسؤول صدر عن بعضهم في لحظات غضب ندركها نحن اليمنيون جيداً كونها جزء من ثقافتنا، وبحجة أن هؤلاء الناس كانوا ضدهم في يوم ما...! هل هذه أخلاق الإسلام الحنيف؟ هل هذه أخلاق آل البيت؟؟! كلا والله ما هي بذلك وحاشى أن تكون كذلك! ديننا الحنيف علمنا مبدأ قمة في الرقي "العفو عند المقدرة!" ولنا في رسول الله في دخول مكة أسوة حسنة، مع من عذبوه وأذوه وحاربوه لعقد من الزمن وكنا رده الكريم "أذهبوا فأنتم الطلاقاء" ما بالنا بمن يشهد بالإسلام دينا وبمحمد نبيا! جميلٌ أن تزهو بنصرك، ولكن تذكر أن الظلم ظلمات يوم القيامة، وأتقي دعوة المظلوم، وأعلموا بأن الله يمهل ولا يهمل، والاحداث والتاريخ سجال – يوم لك ويوم عليك! أقرئوا التاريخ جيداً، وقلبوا في صفحاته واستلهموا العبر، وأقرئوا قول الله تعالي " وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ" صدق الله العظيم حدث ما حدث، ولعلها دروس وعبر للجميع أن يُعيد حساباته وإدراك بأن الله يُمهل ولا يُهمل ولعلها فترة تاريخية فارقة نغتسل فيها مما أصابنا من أوساخ وأحقاد الاختلاف الفكري والعقائدي وأن نعود عوداً جميلاً لبناء وطن جديد خالي من الأحقاد والضغائن والتخوين والتهميش. وحتى يحدث هذا، أوجه بعض من الرسائل لجهات ونخب مختلفة: إلى الشعب اليمني العظيم! يامن عانيتم وصبرتم وتحملتم أوزار وأعباء فساد حكامكم لقرون وعقود طويلة وشظف العيش بسبب الفساد والافساد اللذان جثما على مقدرات البلد، أقول لكم أصبروا وصابرو وسامحوا وخذوا بأيدي بعضكم بعضا بروح المودة والمحبة والاخاء والعيش المشترك. فنحن جميعاً يمنيون ميزنا الله سبحانه تعالي على لسان نبيه الكريم بالأيمان والحكمة. إلى القيادة السياسية في البلد ممثلة بالسلطة التنفيذية والتشريعية، آن الأوان أن تفسحوا المجال لانتخابات رئاسية وبرلمانية. فأنتم بحكم الدستور والقانون قد انتهت فترة عملكم الدستورية، وشكر الله سعيكم! إلى القيادات العسكرية والأمنية، آن الأوان بأن تصحوا من غفلتكم وسباتكم وأن تدركوا بأن الولاء لله وللوطن، و بدونهما لا تستقيم عقيدتكم الوطنية، وأن الولاء للفرد أو القبيلة أو الطائفة أرث بغيض ينبغي أن تنبذوه وراء ظهوركم كون تلك الولاءات تجلب الحسرة والندم والعار لمُعتقديها! إلى الأخوة في مليشيات أنصار الله وقادتها، وصلتم إلى مأربكم وأسمعتم مطالبكم وصوتكم للقاصي والداني، فلا تتمادوا أبعد من ذلك. أن كان هدفكم بناء وطن وتعايش سلمي ودرء الفساد والمفسدين، والتي هي مطالب كل اليمنيين، ينبغي أن تكفوا عن تلك الاعتداءات على المنشآت ومنازل المواطنين والتي وجدت استياء واستهجان غالبية الشعب اليمني والخارج. تذكروا جيداً بأن التمادي في هذه الأعمال سيجلب لكم الكره والعداوة حتى ممن دعمكم! عليكم الانسحاب الفوري من المدن واعطاء الفرصة للأمن والجيش والأمن أن يقوما بواجبهما، وتذكروا جيداً بأن بقائكم في المدن وتكرار ما تعملوه الآن، لن يجلب لكم الا مزيد من الأعداء وظهور مليشيات عقائدية تقاتلكم بنفس طريقتكم، وليس بطريقة الجيوش المهزومة والتي تنسحب من أرض المعركة بقرار قيادي! تذكروا جيداً بأن سيناريو العراق ليس ببعيد عن المسرح اليمني، فلم نكرره ونحن ندرك العواقب الوخيمة التي يمكن أن ينزلق اليها البلد! إلى الأحزاب وقادتها على وجه الخصوص، أتقوا الله في وطنكم وشعبكم ومن تمثلون! أن كنتم أحزاباً تعمل من أجل الوطن ومصالح شعبه فأهلاً بكم وبارك الله جهودكم وأخذ بأيديكم إلى جادة الصواب. وأن كنتم تعملون من أجل مصلحة الفرد أو الطائفة أو القبيلة أو تنفيذ أجندات خارجية على الأرض اليمنية، فلا أهلاً ولا مرحباً بكم وأتمنى على الشعب اليمني أن يخذل مساعيكم! إلى كل النخب الأكاديمية والتعليمية والصحية والاقتصادية والتجارية والسياسية... الم يأن الأوان أن نغسل عار السنين الماضية من التخلف والفقر والمرض وأن نسعى جاهدين ببناء الدولة المؤسساتية الحديثة؟ دولة النظام والقانون! إلى المؤسسة القضائية وكادرها، يا من يستقيم بكم الحكم. تعلمون جيداً بأن العدل أساس الحكم. آن الأوان لثورة قضائية تُعيد ميزان العدل إلى نصابه وأنصاف المظلومين. تذكروا أنه باستقامتكم وجهازكم القضائي، سنقضي على معظم الظواهر السلبية في المجتمع من الثأر وسلب حقوق الآخرين دون وجه حق، والرشوة والمحسوبية وغيرها من الظواهر التي أصبحت عُرفاً مجتمعياً مع الأسف. بهذا أختم مناشداً الجميع التمسك بالحكمة اليمانية والايمان والفضيلة التي علمنا أياها معلم البشرية رسول الهدى محمد (ص)، وتذكروا قول الله تعالى "(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) صدق الله العظيم.