لاشك أن عملية اغتيال الأكاديمي والسياسي البارز والقامة الوطنية الكبيرة الدكتور محمد عبدالملك المتوكل بواسطة دراجة نارية قد اعادت الى اذهان الكثير ذاك الموت المُتجول الذي يسير على عجلتين مُترصدا ضحيته ليُرديها وبكل جُرأة على قارعة الطريق ثم تتبخر تلك الدراجة ومن ثم الاختفاء؟! . من المعلوم أن الحكومة السابقة واللجنة الأمنية العليا لجأت في البداية للحد من الموت ( الإرهاب ) السائر على عجلتين ، القيام بفرض ترقيم تلك الدراجات ومنحها تراخيص ولوحات بصورة رسمية . لكن يبدو أن ذلك الحل لم يحُل دون وقوع المزيد من عمليات القتل والإغتيال بواسطة تلك الدراجات . فبدأت الحكومة بالتوجه نحو سياسة المنع التدريجي ولفترات زمنية مُحددة الإعلان ، وما أن تقترب فترة الحظر من الإنتهاء ، حتى تقوم الحكومة بتمديد فترة الحظر مُجددا .. وأخيرا تم اقرار حظرها بصورة كاملة في العاصمة . وكأن حضرها سيحُول دون وقوع المزيد من عمليات القتل والاغتيال ! مُتناسين أن الارهاب لن يعدم وسيلة لتنفيذ هجماته ضد الدولة والمجتمع ؟!! . أنا شخصيا ومع تصاعد عمليات الإغتيال والقتل القادم على متن تلك الدراجات ، كنت ممن ينتابهم القلق إذا ما شعر المرء بإحداها تمر بجانبه . بالرغم من أن الدراجات النارية بالنسبة لكثيرين أصبحت من الوسائل العملية المرغوبة في التنقل والمواصلات لأجرتها المعقولة وسرعة وسهولة تنقلها وتجاوزها للزحام خصوصا في أوقات الذروة . لاشك أننا لا نُريد ان نسمع من الجهات الرسمية الآن أو في المستقبل إلقاء اللوم على الدراجات النارية ، وكأن حظر الدراجات سيقضي على الارهاب ؟! . فنهج السيئة تَعُم ، والحسنة تَخُص ، تتناقض مع منطق العدل ! . فمالكي وعاملي الدراجات النارية يعُولُون أُسراً . أي أن تلك الدراجات تفتح بُيُوتا وتُشبعُ بُطُونا خاوية عجزت وتخلت عدالة الدولة الاجتماعية عن اشباعها ؟! . إن مُعالجة وباء الارهاب لا يتأتى من خلال منع وسائله أو حظر أدواته ، لكن يأتي من تجفيف منابعه ومصادر تمويله ؟! إلى متى سنظل نستخدم سياسة الترقيع بجانب الخرق ؟! . لاشك أن الجميع يعلم أن هناك فكرا تكفيريا ينتهج رفض الآخر واقصائه ، يضرب اطنابه في فكر ومُمارسات العديد من التنظيمات والحركات الموجودة على الساحة اليمنية ؟! . ولاشك ايضا ان هناك من ينفُخ وبصورة مُقززة في بوق الطائفية والمناطقية البغيضتان في صراعه السياسي ضد المُنافس والمُخالف له ؟! . هناك من رأى أيضا في حادثة اغتيال الدكتور المتوكل الفُرصة للقول بضرورة قيام حركة انصار الله الحوثية بسحب لجانها الشعبية وتسليم الملف الأمني لأجهزة الدولة الأمنية والعسكرية ، وكأن المواطن كان قبل سقوط صنعاء يحظى بأمن دبي أو لندن ؟! . ما يتوجب على أنصار الله في الوقت الراهن هو تحميل الجميع المسئولية ودفعهم وبقوة للإشتراك في انتشال البلد من الوضع السئ الذي يُمربه على كافة الصُعُد ؟! . فمخاطر المسئولية الفردية كبيرة ، كونها تُحملهم العبء والمسئولية واللوم عن تراث مُتراكم وتركة مُثقلة بالإخفاقات والفساد وسياسات ومُمارسات سياسية وأمنية واجتماعية وتربوية وقضائية وتنموية فاشلة لما قبل حضورهم وسيطرتهم على المشهد العام في البلد . وفي هذه الحالة سيكون أولئك المسئولون عن تراكم ذاك التراث وتلك التركة أول من سيسعى لتحميلهم بلايا ذيناك التراث والتركة ؟! . فرمتني بدائها وانسلت .. هي مما تبرع فيه القوى السياسية اليمنية ؟! . إن السؤال القائم والمُلح هو ، هل أجهزة الأمن قادرة على القيام بدورها الكامل والمُفترض في توفير الأمن وتأمين الاستقرار للوطن والمواطن ؟! . واقع الحال يقول ان المؤسسة الأمنية والعسكرية لم تستطع حماية مُنتسبيها من الهجمات الارهابية ؟! . بل لقد تم خطف وذُبح العشرات من منتسبي هذه المؤسسة بشكل بشع وفي وضح النهار ؟! . هل المؤسسة الأمنية والعسكرية اليوم المُنهكة والمهضومة الحقوق والرعاية والمعدومة الحافز المادي والمعنوي معا ، قادرة على توفير الأمن وصُنع الاستقرار المطلوب ؟! . هل المؤسسة الأمنية والعسكرية التي يتم استخدام الهيكلة فيها لتصفية الكوادر المؤهلة وتكريس الولاءات المناطقية والحزبية والمذهبية بداخلها ، قادرة على صُنع الأمن والاستقرار و فرض هيبة الدولة واحترام وتطبيق القانون ؟ ! . وهل يستطيع أمن وجيش على هذه الشاكلة أن يحصل على ثقة وتعاون الفرد والمُجتمع في إرساء قواعد الأمن والاستقرار المنشُود ؟! . لازالت الكثير من الوحدات الأمنية والعسكرية تخضع حتى الآن لسياسة استلام الرواتب من الكُتاب الماليين ، وما ادراك ما يُلاقيه المُجند من اهانة وإذلال وابتزاز من هؤلاء الكُتاب وزبانيتهم وفراعنتهم واللف وراءهم شهريا عند حلول الراتب .. هذا فضلا عن عقوبة وجزاء الخصم من الراتب وحق ابن هادي ؟ ! . فإذا كان عُنصر الأمن والجيش داخل عمله مُعرض للفرز والتصفيات الحزبية والطائفية والمناطقية .. وإذا كان العمل داخل هذه المؤسسه محصُورا في ايادي شلة من جهة ، ومنتسبها مُعرضاً للذبح والاغتيال على ايدي القاعدة وأخواتها وهو مُرابط في نوبته ومقر عمله من جهة اخرى ؟. فعن أي أمن وجيش نتحدث بعد كل تلك المعاول التي تدُك الأساسات المادية والمعنوية والبنيوية والوطنية للمؤسسة الأمنية والعسكرية ؟! . لقد تم هزم مؤسستنا الأمنية والعسكرية نفسيا وعلى الأرض من داخلها ، وأصبحت الروح المعنوية لمُنتسبيها في الحضيض بفعل مراكز وقوى الفساد من القيادات وزبانيتهم الذين باتت أفواههم وبطونهم وأعينهم مفتوحة ليل نهار على راتب المُجند ومُستحقاته ؟ . لقد تم هزم العقيدة القتالية والروح الوطنية للمؤسسة الأمنية والعسكرية بفعل سياسات الازاحة والتصفيات والمُحاباة المُرتكزة على المناطقية والمذهبية والحزبية وتواطؤ مراكز وقوى الفساد ؟! . الإرهاب لن يعدم وسيلة في الوصول الى أهدافه . وسيكون من القياسات الجادة للحكومة الجديدة في مكافحة الارهاب وتثبيت قواعد الأمن والاستقرار مرهون بتحقيق عدد من الامور اهمها : 1 - إعادة الهيبة والثقة للمؤسسة الأمنية والعسكرية ومنح منتسبيها حقوقهم وتحسين رواتبهم المُتدنية والبخسة وتوفير الرعاية الكاملة لهم . والإسراع في إستيفاء نظام البصمة وتحويل المرتبات عبر البريد . 2 - تنظيف هذه المؤسسة من مراكز وقوى وعناصر الفساد الذين لم يستحوا ولم يترددوا لحظة في جلب واستقدام ابنائهم وأقربائهم ومواليهم ومُناصريهم الى داخل هذه المؤسسة ومنشئاتها وتحويلها الى إقطاعات أسرية وحزبية ومناطقية وطائفية ؟!. 3 – التزام مبدأ الشفافية مع الشعب وكشف من وراء العمليات الارهابية الماضية والحاضرة والمستقبلية . فإجراء التقييد ضد مجهول لم يعُد يروق لأبناء هذا الوطن . 4 – ايقاف عملية الهيكلة القائمة ، التي كانت مُعظم تطبيقات اجراءاتها الميدانية ، عبارة عن تصفيات وإزاحات لأطراف داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية ، وتكريس سلطة وقبضة أطرافا وفئات أخرى . ما لم فإن وسط وبيئة هذه المؤسسة ستظل تعُجُ بالصراعات والتذمر والإختراق والتقاعس عن اداء الواجب الوطني . وما على الشعب إلا إعداد بيان نعي لمؤسسة بهذا الوضع والصفة . 5 – الكشف لعامة الشعب وبصورة مستمرة عن مصادر التهديد والإرهاب المُختلفة ، وتجفيف منابعها ومصادر تمويلها ، وإشعار الشعب وقواه المُختلفة بأهمية دورهم ومسئوليتهم في مساعدة الدولة ومؤسستها الأمنية والعسكرية ... فتحقيق الأمن والاستقرار مسئولية الجميع . 6 – من حق الحكومة حظر وفرض الرقابة على الوسائل التي يستخدمها الارهاب في تنفيذ عملياته ، لكن عليها التنبه لتلك الوسائل التي تُعد مصدر رزق لفئات كبيرة من المواطنين . فالإرهاب لن يعدم وسيلة في تنفيذ هجماته ولن يقف عند وسيلة واحدة .. بل انه سيستخدم وسائل جديدة تكون عمليات الاغتيال والقتل فيها بصورة ابشع واكبر في حجم وشكل الضحايا ؟! . أما إذا ما واصلت الحكومة الجديدة الاستمرار في انتهاج سياسة الترقيع ، ولم تُكلف نفسها القيام بتجفيف منابع الإرهاب ، وتحسين اوضاع المؤسسة الأمنية والعسكرية ووقف السلبيات التي تُمارس بداخلها ، بالتوازي مع مصفوفة من الإجراءات و الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقضائية وغيرها ذات الطابع العام ، فلن تُفيدها قرارات منع الدراجات النارية أو أي وسيلة أخرى ينوي الإرهاب إستخدامها .. بل بالعكس ستكون القرارات التي من هذا النوع بمثابة تقديم هدية للإرهاب ؟! . فسياسة الحرمان والعقاب الجماعي وقطع الأرزاق لأصحاب الدراجات النارية أو أي وسائل أخرى قد يستخدمها الارهاب ، خصوصا تلك الوسائل التي تُعد من وسائل كسب الرزق والتي تمتهنها فئات اجتماعية وتعتاش عليها وتقتات منها ، يُعد بمثابة تقديم هدية للإرهاب تتمثل في خلق المزيد من المُتذمرين والعاطلين عن العمل ، الذين قد تدفعهم الحاجة إلى الإنحراف والجريمة أو الإلتحاق بتلك التنظيمات المُمتهنة للعُنف والإرهاب ، عندما يجدون أن السُبُل قد تقطعت بهم ، وأن أُسرهم أصبحت مُعرضة للتشرُدِ والضياع والمهانة ؟! فنكون حينذاك قد زِدنا الطين بلة ؟! . وليحمي الله اليمن وأهله .. آمين .