«إنها ليست حرب السعودية» هذه أكبر مكاسب عاصفة الحزم على المستوى السياسي الذي يجب أن ننشغل به حتى مع تحقيق الضربات الجوية لأهدافها وتدمير بنية التحالف الحوثي مع نظام المخلوع الذي يمسك بمفاصل الدولة ليس على طريقة الدولة العميقة، وإنما على طريقة الميليشيات المقنعة بجيش النظام بشكل يتفوق على التجربة العراقية والسورية لأسباب تتصل بالتركيبة الاجتماعية في اليمن. يحاول المتلونون كما كانوا في بدايات الربيع العربي استثمار الأزمات لصالح أجندتهم السياسية ولم يفلحوا في أسلوب تحشيدي متكرر منذ صعود ظاهرة «المعارضة الآيديولوجية» دون أي أجندة سياسية أو رؤية واضحة سوى مناكفة الأنظمة بأهداف تقويضية وهو ما لا تراه في أي من معارضات الدول الغربية. نجاح إنقاذ الحالة اليمنية بدأ بتكسير قواعد اللعبة القديمة حيث نظام صالح يعمل كوسيط بين المجتمع الدولي ويده الطويلة التي تعانق «الإصلاح» والحوثيين و«القاعدة» حسب الزبون في الطرف الآخر سواء كان داخليا أم خارجيا، وهو دور جعل من اليمن دولة ريعية بنظام قبلي معقد وقشرة ديمقراطية تخفي تحتها ميليشيا الفرد الواحد (وليس العائلة) كما يقال، فمن يعرف تاريخ الأبواب المغلقة في اليمن يعرف أن صالح صفى جزءا كبيرا من منافسيه وأقربائه بأساليب مختلفة ومتنوعة، كما احتوى وقرّب إليه فرقاء الأمس وأعداء مرحلة تأسيس الدولة، ويكفي أن نقرأ تجربة التوحيد بين اليمنين التي قادها صالح بتذاكٍ عال، فقد كانت نتيجتها ما نشاهده الآن من إفقار الجنوب من بنية الدولة الحديثة وتركه مرتعا سهلا ل«القاعدة» ولأي ميليشيا أو جماعة قبلية مسلحة، وهو ما يعني أننا بصدد خيارات طويلة ومعقدة لا تقف عند تحسين مستوى المعيشة أو الاقتصاد؛ بل بناء كامل لدولة تم تجريفها بالكامل. ما تقوله لنا الأيام الماضية أن حجم قوة الحوثيين لا يمكن أن يصمد لأيام في حال تخلي الحرس الجمهوري وباقي الألوية ذات الأسماء المتعددة التي كان كل فصيل منها يتبع شخصية اعتبارية تمارس دورا مسوقا لسياسة صالح ولكن بشكل لا يتعارض مع أجندة «الزعيم»، لذلك لا يمكن الخروج من اليمن قبل إعادة تشكيل مجالسه العسكرية وتفريغها من القوات المالية لصالح، حتى لو كان الخيار بقاء قوات دولية لحماية الشعب المتسامح والمنهك بفعل الإفقار الاقتصادي والسياسي والجهوي حيث مركزية صنعاء تقتات على ضعف باقي المناطق وهي نتيجة قاسية طبخت ببطء على مدار أربعين عاما. التشكيلات الجديدة يجب أن تخلو من التمثيل للأطياف السياسية، فلا فائدة من وجود كتل عسكرية تعبّر عن مجموعات سياسية، كما أن الأحزاب السياسية يجب ألا تخرج عن إطار العمل السياسي دون أن تكون لها أذرع أمنية أو حتى قبلية. تعيين نائب للرئيس خطوة استباقية رائعة من شأنها إرجاع هيبة الدولة لكنها غير كافية إذا لم تتبعها حكومة وطنية لإدارة الشأن الداخلي وإيقاف استنزاف الانقلاب الحوثي - الصالحي الذي بدأ الآن في استهداف الشخصيات السياسية وأئمة المساجد والإعلاميين واختطافهم لإدراكه أن المعركة ليست فقط عسكرية، وإنما معركة حقائق وأوهام لطالما تم خداع اليمنيين بها على مدى عقود. تحسين الحالة الاقتصادية سيحتاج إلى وقت غير يسير، لكن الدعم الإغاثي العاجل ورفع مستوى المعيشة اليومية وفتح المجال لمؤسسات تطوعية تقودها المملكة ستساهم في ضرب عصفور التأليب الذي تمارسه إيران وأذرعتها الإعلامية في لبنان ودول كثيرة، كما ستساهم في إخراس الأصوات التي بدأت تتحدث بنبرة مغايرة عن عاصفة الحزم بسبب تذبذب مواقف دول راعية للإسلام السياسي الذي يحاول الدخول في أتون معضلة اليمن من زاوية طائفية ومحاولة الاستثمار الانتهازي التي جسدتها كلمة أحد محللي الإسلام السياسي الذي يمنّ بدعمه هو وجماعته لعاصفة الحزم (رغم الجراح التي لم تندمل من المواقف السعودية السابقة)؛ في حين أن عاصفة الحزم ساهمت في إيقاف هجرات الجماعة صوب تركيا. الانتهازيون الآن يحاولون تصوير الوضع على أنه كارثي، وبعضهم بحسن أو سوء نية يدعون إلى إنشاء وتبني ميليشيات مسلحة سنية، وهو صوت رغم شذوذه يلقى استحسان دعاة الحروب والدماء والأزمات والسبب واضح: لا يمكن لآيديولوجيا تقويضية فوق الدولة أن تقترح حلولا بناءة على المستوى الداخلي فضلا عن أن تكون إصلاحية حقا على مستوى السياسة الخارجية.