تعمل دولة الكويت على قدم وساق لإتمام استعداداتها لاستضافة اجتماع الأطراف اليمنية غداً على أمل وضع حَد للصراع الذي استنزف اليمنيين، وفاقم من تدهور الأوضاع الإنسانية، فالأجواء متهيئة لتحقيق نتائج إيجابية تمهّد الطريق للتوصل لاتفاق شامل يسمح باستئناف الحوار السياسي بين أطراف النزاع، كما أن اختيار دولة الكويت يعبِّر عن ثقة الشعب اليمني بالقيادة الكويتية الحكيمة التي ستساعد على حقن الدماء واستعادة اليمن لدوره المهم ضمن أسرته العربية، وهي التي كانت حاضرة دائماً في حل النزاعات العربية – العربية بما يضمن حفظ التماسك العربي، فقد كانت دولة الكويت حاضنة لمحادثات السلام لإنهاء الصراع العسكري بين شمال اليمن وجنوبه، وقادت قمة المصالحة في مارس 1979 التي انتهت بتوقيع «اتفاقية الكويت» الهادفة إلى إنهاء النزاع الحدودي بين الطرفين وساهمت في توحيد «الجمهورية العربية اليمنية، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية» في الجمهورية اليمنية. فهل تعود عقارب الساعة إلى الوراء؟ وهل حقَّقت «عاصفة الحزم» -التي انطلقت قبل عام من الآن- النصر الذي لم تستطع جيوش وحملات عسكرية عبر التاريخ تحقيقه؟ وهل سيعود الحوثيون وعلي عبدالله صالح وأنصارهم إلى طاولة المفاوضات السياسية بعد انقلابهم على الشرعية واحتلال العاصمة صنعاء واستيلائهم على السلطة واستحواذهم على القرار السياسي في تحد للإرادة الدولية التي انعكست في قرار مجلس الأمن رقم 2216 تحت الفصل السابع بإجماع دولي بلغ 14 صوتاً والمتضمن انسحابهم من صنعاءوعدن وعدد من المدن اليمنية الكبرى, وتسليم السلاح، واعتماد المبادرة الخليجية أساساً للحل السياسي بين الفصائل اليمنية؟ اسئلة كثيرة تدور حول اللعبة السياسية التي اكتملت خيوطها بوجود الوفد الممثل لجماعة الحوثي في الرياض والتغييرات الجديدة التي أعلنها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي يوم الأحد قبل الماضي (3 أبريل 2016) بتعيين رئيس للحكومة اليمنية نائب لرئيس الجمهورية، قد يكون الهدف منها إعادة التوازنات القبلية لكسب نجاحات جديدة تمهّد السبيل للوصول إلى الحل السياسي المنشود في جولة مفاوضات السلام اليمنية غداً في الكويت بين الشرعية اليمنية والحوثيين، والتي ستركِّز على تنفيذ بنود قرار مجلس الأمن الدولي 2216، والترتيبات الأمنية واستعادة مؤسسات الدولة واستئناف الحوار السياسي مع إنشاء لجنة لإطلاق سراح السجناء والأسرى. ومن الطبيعي جداً قبل بدء المفاوضات السياسية أن تحاول الأطراف المعنية بالنزاع تحسين وضعها التفاوضي إما لتحقيق مكاسب عسكرية على الأرض وإما لإطلاق تصريحات سياسية لتأكيد التمسك بالموقف، كما صرَّح رئيس الفريق التفاوضي الحوثي محمد عبدالسلام انه «لا توجد شروط مسبقة للمفاوضات المقبلة في الكويت»، في الوقت الذي يؤكد فيه المبعوث الأممي لليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد «الحوثيين سيفاوضون انطلاقاً من بنود القرار الدولي لمجلس الأمن 2216» التي أهمها تسليم السلاح للدولة وإخلاء مؤسساتها المحتلة والاحتكام لمخرجات الحوار الوطني. فبعد اختطاف اليمن، واستيلاء الحوثيين على السلطة، وتحالفهم مع إيران لتمكينها من إيجاد منفذ على الخليج العربي لتنفيذ مخططاتها الدنيئة؛ وبعد أن سخَّر الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح كل طاقاته وتأثيره القبَلي والطائفي لاستمرار القتال وتدمير وطنه ومقدّرات شعبه، وبعد التعنّت الحوثي في المفاوضات السياسية الفاشلة مع المبعوث الدولي لليمن، هنا نقف أمام حقيقة عودة عقارب الساعة إلى الوراء! فأطراف النزاع تعود حالياً إلى الوراء بحثاً عن حلول سياسية للنزاع (اليمني اليمني) قائمة على المرتكزات السابقة ذاتها، بعد أن ادركت ان الحسم العسكري للتحالف العربي في اليمن أصبح على أبواب العاصمة صنعاء وفي اللحظة التي يقررها التحالف عند اي انتكاسة في المفاوضات في الكويت. ومن المهم في خضم المساعي الخليجية لحل الأزمة اليمنية استعراض الأسباب التي حَدَت بالحوثيين للدخول في المفاوضات، والتي تتلخّص في الآتي: أولاً: أثبتت القيادة السياسية السعودية -قائدة التحالف العربي- قدرتها على إدارة الأزمة السياسية اليمنية بِما يتفق مع مصالحها ومصالح المنطقة عموماً؛ وذلك بعد أن حرَّرت مساحات كبيرة من الأراضي اليمنية وأصبحت على مشارف العاصمة صنعاء التي تتفادى جميع الأطراف تدميرها. ثانياً: الحصار البحري المُحَكم الذي فرضته قوى التحالف العربي والبحرية الأميركية على الحدود البحرية اليمنية لمنع وصول الإمدادات العسكرية الإيرانية لدعم الحوثيين وعلي عبدالله صالح، خصوصاً مع ضبط العديد من شحنات الأسلحة الإيرانية من بنادق وقاذفات قنابل ومدافع رشاشة وغيرها وهي في طريقها إلى اليمن والتي كان آخرها ما تم الإعلان عنه في نهاية الشهر الماضي. ثالثاً: فشل الحوثيين وعلي عبدالله صالح في استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بالتعاون مع روسيا بصفتها عضواً دائماً بالمجلس، يهدف إلى وقف العمليات العسكرية بذريعة «تسهيل عمليات الإغاثة الإنسانية في اليمن»، التي يعتبر استمرارها مسألة ستراتيجية مهمة للوصول إلى حل سياسي وفق القرارات الدولية ذات الصلة، ومخرجات الحوار الوطني، وبنود المبادرة الخليجية المعتمدة كأساس للحل السياسي بين الفصائل اليمنية, وقد أثبتت تطورات الأحداث العسكرية والسياسية صحة موقف التحالف العربي من استمرار العمليات العسكرية الجوية. لذلك تكتسب مفاوضات السلام اليمنية المرتقبة أهمية كبيرة ترفعها إلى مكانة الحدث التاريخي لانعكاسات نجاحها المباشرة على بسط الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي وخليج عدن والبحر الأحمر، ودلالتها الرسمية عن فشل المخططات الإيرانية في شق الصف العربي والهيمنة على مقدرات الأمة العربية، كما أن تسوية الأزمة اليمنية وإنهاء الحرب الدائرة واستعادة وحدة الدولة والتراب الوطني بقيادة يمنية موحَّدة تحظى بدعم المملكة العربية السعودية وقوى التحالف العربي، فرصة كبيرة لبناء التضامن العربي الجديد على أسس ومعطيات جديدة، تؤكد قدرة الأمة العربية -التي قادت «عاصفة الحزم»- على إدارة أزماتها وإيجاد الحلول السياسية المتفقة ومصالحها وسيادتها الوطنية بعيداً عن تدخل القوى الكبرى، وتضع الأسس الصحيحة لنواة صلبة لتضامن عربي واسع يحيي أمل الشعوب العربية.