أثار إعلان نبأ الانقلاب العسكري التركي صباح السبت الماضي نشوة كبيرة في وسائل إعلام النظام السوري، وبدا الأمر مشابها في مصر وبعض القنوات العربية التي تقيم اداراتها في الخليج العربي، لكن المواقف من نظام الحكم في تركيا والشماتة برئيسه رجب طيب اردوغان تبدّت في أجلى مظاهرها على وسائل التواصل الاجتماعي فتبودلت التهاني في مصر وسوريا وبعض دول الخليج العربي ووجهت الشتائم الى اردوغان و«الاخوان المسلمين» وأطلقت في سوريا العيارات النارية الخطاطة في احتفال استباقي بنجاح الانقلاب. على الجانب الآخر من هذه الصورة برزت بعض الدول العربية، وهي تحديدا المغرب والسودان وقطر، التي اعلنت منذ البداية دعمها للحكومة الشرعية، فيما راقب الكثيرون الموقف السعودي الذي آثر التأني، قبل أن يعلن دعمه للنظام التركي وتهنئته لاردوغان بالتغلب على الانقلاب، كما أن الرياض، وبناء على طلب من أنقرة، اعتقلت الملحق العسكري التركي في الكويت، أثناء تواجده في مطار الدمام، في اشارة حازمة إلى وقوفها مع أنقرة. الجامعة العربية، وبعد استتباب الأمر لصالح القيادة التركية، أعلنت باسم أمينها العام أحمد أبو الغيط، على فضائية مصرية، أن «من المهم أن تبقى مستقرة لأنها دولة مهمة وعلى حدود العالم العربي، ولو اهتز الاستقرار بها سيزداد عدم الاستقرار في دول عربية»، وهو بيان دبلوماسي يمكن أن يقرأ باتجاهين! عالميّاً، كانت أهم المواقف التي تم رصدها هو موقف إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي أعلن دعمه للحكومة التركية المنتخبة ديمقراطيا، وما لبث بعد ذلك أن صرّح مجددا مطالبا بالتزام حكم القانون، وكان لافتاً بعد ذلك تصريح لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري معقباً على مطالب رسمية وشعبية تركية بتسليم الداعية فتح الله غولن، الذي تتهمه السلطات التركية بتزعم ما تسميه «الكيان الموازي»، بأن ذلك الطلب سيجري تقييمه حين يقدم بشكل رسمي. على الضفة الأوروبية برزت ثلاثة اتجاهات، ففي حين رأى وزير الخارجية الألماني فرانك شتاينماير في ما حدث «إيقاظا للديمقراطية التركية»، فقد حثّت مفوضة الشؤون الخارجية الأوروبية فردريكا موغيريني السلطات التركية «الالتزام بحكم القانون»، أما الاتجاه الثالث فتمثله فرنسا التي ركّز وزير خارجيتها جان مارك إيرولت على أن الانقلاب «لا يعطي اردوغان شيكا على بياض». الأغرب من ذلك أن وزير الخارجية الفرنسي قال إن هناك شكوكا حول دور تركيا في مجابهة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وهو أمر يمكن تفسيره بالعنف الدامي الذي تشهده فرنسا، ولكن التصريح مع ذلك تعبير عن نرجسية فرنسية كبيرة كونه يظهر أن جلّ ما يهمّها ليس بقاء الكيان التركيّ نفسه أو الدفاع عن النظام الديمقراطي بل استمرار الحملة على «الدولة الاسلامية»، التي توقّف زخمها أيّاماً لأن تركيّا نفسها كانت مهددة! وربما كان الدرس الأهم الذي يمكن استخلاصه من مواقف دول العالم والدول العربية أن العالم يقف مع المنتصر، بغض النظر عن الحق والديمقراطية ومصائر الشعوب.