هناك أناس يعيشون حالة انفصام كامل عن عصرهم الذي يحيون فيه، فيعيشون داخل عالم متخيل في أذهانهم وحدهم، يجترون ملامحه من أعماق التاريخ ويريدون أن يفرضوا على الآخرين العيش فيه معهم، مهما بعدت مسافة الزمن ومهما بدا محتواه نشازا وسط ما هو سائد في العصر الحديث. في أحد البرامج التلفزيونية، استمعت إلى فقيهة مصرية ترد على استفسار إحدى المشاهدات عن المقصود بملك اليمين، فقالت: إن ملك اليمين هن أسيرات الحرب، حيث يجوز للقائد ومن معه من المسلمين الاستمتاع بهن كالاستمتاع بالزوجة، وذلك (لإذلالهن)!!! ومثلت على هذا بافتراض أن حربا قامت بين مصر وإسرائيل، فإن المصريين المسلمين لهم حق الاستمتاع بالأسيرات الإسرائيليات حلالا طيبا، لأن الحرب بين إسرائيل ومصر حرب مشروعة بحكم أن إسرائيل دولة كافرة ومغتصبة للأرض!!! سعادة الدكتورة أستاذة الفقه المقارن، باسم الدين تشرع لاغتصاب الأسيرات أثناء الحرب!! حتى وإن كانت تعلم أن العالم كله مجمع على تجريم ذلك الفعل!!! هذه ليست المرة الأولى التي تقول فيها هذه الفقيهة والأستاذة الجامعية مثل هذا القول، فقد سبق أن تفوهت بمثل هذا الكلام قبل عام أو أكثر. ولكن لأنها لم تجد من ينكر عليها قولها أو يحاسبها عليه، استمرت في تكرار القول وإعادته. كان من الواجب محاسبتها، فقد أساءت إساءة بالغة إلى الإسلام والمسلمين فيما تطرقت إليه من حكم يختص بملك اليمين، فهي انتزعت الحكم خارج عصره ومن الشروط التي تطوقه ومن سياق الظروف البيئية التي كانت تحيط به، وجعلت ما تفعله داعش باستعباد النساء الأيزيديات والاستمتاع بهن، بحجة أنهن أسيرات حرب مبرراً، فهل تريد سعادة الفقيهة أن تعمق لدى العالم فكرة الربط بين الإسلام وهذه الأفعال ؟!!! أخيرا، غاب عن سعادة الدكتورة أنها تتكلم من منظور واحد، وهو أن المصريين هم الذين سيأسرون الأخريات فيحق لهم الاستمتاع بهن، ولكن أليس من الممكن أن يحدث العكس فيكون النصر للطرف الآخر مهما كان؟ آنذاك، هل يسرها أن تطبق الجهة المنتصرة نظام ملك اليمين في تعاملها مع الأسيرات المصريات؟