لا يمكن النظر إلى موافقة الحكومة اليمنية الشرعية على “اتفاق الكويت” الذي قدمه مبعوث الاممالمتحدة إسماعيل ولد الشيخ أحمد إلا من زاوية المساعي الجادة لإنهاء المعاناة المستمرة منذ نحو سنة ونصف السنة التي تسبب بها التعنت الانقلابي في المواقف والتبجح بإمكانية فرض إرادته، ليس على اليمنيين فقط، إنما على التحالف العربي وما يمثله، وفي ذلك دليل آخر على مدى ارتهان الحوثيين لنظام الملالي الذي يتعنت في إقفال هذا الملف، رغم علمه أن محاولاته ستبقى خائبة في ظل ما تتمتع به دول التحالف من قوة وحرية حركة سياسية على الصعيدين الدولي والإقليمي. لكن بعيداً عن أي مواقف مسبقة، وما تفرضه الخصومة السياسية، نسأل المخلوع علي عبدالله صالح والحوثي: ماذا حقق الانقلاب خلال الأشهر الماضية غير المزيد من الدمار لليمن والخسائر البشرية الهائلة، إضافة إلى تسببه بزيادة معدل الفقر في بلد يحتاج إلى جسر مساعدات إنسانية على مدار الساعة بسبب الوضع الاقتصادي المتردي الذي تزايد بعد الانقلاب على الدولة والمبادرة الخليجية؟ لقد فقد فريق الانقلابيين الاراضي التي سيطرت عليها عصاباته في غضون أسابيع قليلة، إضافة إلى التناقص المستمر في شعبيته، وإذا كان لا يزال يراهن على نظام الملالي، فهذا الأخير لن يستطيع تقديم أكثر من كمية سلاح محدودة سرعان ما تدمر في المواجهات المستمرة مع الحكومة والمقاومة الشعبية والتحالف العربي. هنا نذكر ربما ينفع التذكير، بما أثبتته التجربة تاريخياً عن نظام الملالي، فهو ليس لديه إمكانية للسيطرة على مدينة، بل كل ما يستطيعه التخريب وإثارة الفتن سعياً إلى تفكيك الدول التي يتدخل فيها، كما فعل في العراق منذ العام 2003 بعدما أغرقه في حرب مذهبية لا تبقي ولا تذر، بل تهدد بتداعياتها وحدة العالم الاسلامي، أما في لبنان فلم تكن الحال أفضل منذ العام 2000 حين حاولت إيران مصادرة قراره عبر عميلها “حزب الله” بزعمها أنه من دحر إسرائيل، والحقيقة أن الجيش الإسرائيلي انسحب بملء ارادته، ورغم كل ما فعله الحزب لم يستطع فرض إرادته على اللبنانيين حتى بعدما عرقل انتخابات الرئاسة، وقبلها افتعاله أزمة السابع من مايو العام 2008. ألا يدعو ذلك إلى التأمل وأخذ العبرة حتى لا يبقى الرهان على نظام غارق في أزماته الداخلية الخانقة إنه يستطيع جعل فريق الانقلابيين يسيطر فعلاً على اليمن؟ إن المزاعم حول احتلال مدن وقرى سعودية واختراق الحد الجنوبي، وغيرها مما سمعناه من الانقلابيين طوال الاشهر الماضية هو سلاح الخائب الذي يحاول مداراة هزيمته باختلاق أكاذيب لا تنطلي على أحد، خصوصاً في ظل التقدم الهائل لوسائل الاتصالات، لهذا إذا كان الحوثي وتابعه المخلوع يعتقدان بقدرتهما على الاستمرار في الحرب 12 سنة، كما قال علي صالح، فإننا نسأل: حتى لو سلمنا جدلاً أن الحرب ستستمر كل تلك السنوات فما النتيجة التي سيصل إليها هذا الفريق في ظل تعاظم قوة الحكومة والمقاومة الشعبية والتحالف العربي، أليس المزيد من الدمار ومقتل المزيد من الأبرياء؟ باتت العودة إلى الرشد ضرورة لهذا الفريق خصوصاً بعدما سمع وفده في الكويت من سفراء 18 دولة معنية بمشاورات السلام ألا حل أمامه إلا بتنفيذ القرار الدولي 2216، إذ ربما يصبح عندها “شاهد ملك”، أما استمراره في عرقلة المفاوضات والتعنت واختلاق الأكاذيب فلن يؤدي به إلا إلى المحرقة والإدانة التاريخية من شعبه قبل الشعوب الأخرى.