خالد عبدالعزيز السعد سؤال قديم قدم الحرب ذاتها، وسيبقى مطروحا على مر التاريخ حتى آخره عن الحروب التي تخوضها البشرية، وهو: هل هناك أخلاق تضبط الحرب، وترسم حدودا فاصلة بين المشاريع، مشروع ومحظور وبالتالي بين المحرم، والمحلل؟ وقد اجاب الكاتب ديفيد فيشر عن هذا السؤال الاشكالي حصر فيه في هذا القرن في النماذج التي توقف عندها وهي حرب تحرير الكويت من الغزو الصدامي الاحمق، ثم ما انتهت اليه من احتلال العراق، وتفكيك دولته، وما تبعته من تفكيك جيشه، مثل العملية الجراحية التي تنجح لكن المريض يموت، وهذا ما يسمى حروب ما بعد الحداثة، والعرب هم اكثر الامم تضررا من حكم السلطنة العثمانية فقد خضعوا لهذا الحكم الجائر والديني المسيس على مدى اربعة قرون وجلب لها الفقر، والتخلف، والجهل، ونهب ثرواتها وسفك دماء شبابها في حروب هذه السلطنة العثمانية وقد تخلصت من هذا الحكم المقيت، ومن إرثه أمم كثيرة، ومنها الأمة التركية باقامة الدولة المدنية ثم جاء عدنان ماندريس الذي قام باحياء النظام الاسلاموي السياسي لكنه ابقى على الدولة بعد زعامة اتاتورك الذي اقتبس نظامه من الثقافة الغربية العثمانية في الحزب الديمقراطي وبعد اتاتورك عدنان ماندريس الذي انقلب عليه العسكر عام 1960 لاشتباههم بسلوكياته العلمانية وقد كانت الدولة التركية في عداء مع العرب وكانت من الدول الأولى التي اعترفت باسرائيل والدخول معها في معاهدات ورغم ان الاستعمار الغربي لم يكتف بتقسيم الوطن العربي واستعماره بل انها حافظت على حكم الملالي ورسخته كأداة لبث الفرقة والقتل الدينية والاثنية. والأدهى ان العرب ظلوا متمسكين بحكم الملالي فما ان اندلعت الثورات العربية ذات التوجه القومي، والحداثي حتى التحقت جماعة الاخوان المسلمين بتيار الاسلام السياسي فأرهقت هذه الجماعة المواطن العربي، وورطته في قضايا شائكة وخزعبلات وكبت للحريات في وطن كان يريد العدل، والحقوق والمساواة والكرامة واذا بالشلل العقلي والتحجر يترسخ في كل المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية وغابت معاني التنمية وانتشر الفقر والتجمد عند حكايات القبور وعذاباتها. وتنشطر هذه الحركات الاسلاموية في عهد الرئيس والسلطان طيب رجب اردوغان وحاول الاستيلاء على حركات الربيع العربي من ليبيا حتى الخليج واليمن وباع شعبه شعار «صفر مشاكل» مع محيطه واقليمه ووعد الشعب التركي بالامجاد العثمانية ولم تكن رهاناته من الاعتبارات الجدية فقد ناصر الاخوان المسلمين العرب من تونس الى الخليج العربي واطلق مسرحياته ضد اسرائيل واستقبل في بلاده بعض فصائل المقاومة الفلسطينية وخلال اشتعال الربيع العربي عمل جاهدا على استعادة نفوذه في مصر وردها الى النفوذ العثماني بعد قرن من الزمان، وساند جماعة الاخوان المسلمين وممثلهم محمد مرسي وتدخل في ليبيا وتونس، وسورية والعراق واليمن وكان يظن ان جائزته الكبرى ستكون تونس، وليبيا، ومصر وسورية والعراق واليمن فبدأ بالقاهرة ثم دمشق مرورا بالاردن، والعراق، بل ان الولاياتالمتحدة الاميركية تعاونت معه في هذا الدور قبل ان يفاجئ الروس «بوتين» الادارة الاميركية بالتعهد بتسليم الاسلحة الكيماوية السورية، ثم تعاظمت القوة الروسية لمحاربة «داعش» و «النصرة» وما انشطر عنهما من فصائل ارهابية. لكن اوراق اردوغان سرعان ما تساقطت في القاهرة بانهيار حكم محمد مرسي وصعود السيسي وملاحقة تلك الجماعات المتأسلمة في ليبيا بعد تشكيل المحور القتالي للجنرال حفتر وتهشيم «الاخوان» في سورية وتراجع اسهم حركة النهضة في تونس واعلنت الشراكة من موقع ضعيف في حكومات تونس، وكذلك حدث في العراق فسقط الربيع العربي الذي كان سيتوج اردوغان سلطانا جديدا على المشرق العربي والمغرب. وحاول استبدال قوة الاخوان المسلمين بقوة «داعش» والفرق الاخرى مثل «النصرة» في لعبة الارهاب المتوحش التي تجيد لعبة الموت والتكفير واختلطت مفاهيم الهدم والبناء والكفر والايمان، والحرية والارتهان حتى وصلت شرورها المطلقة الى اوروبا كي تعيد البشرية الى حياة الكهوف وخيبة الامل للسلطان العثماني اردوغان ادخلته مع المعارضة التركية وعداء مع الاكراد فعمل على الغاء معارضيه بألوف الافراد، وشدد تكميم الصحف وخنق الحرية فيها. وحتى في حرب الموصل لطرد «داعش» منها عاد اردوغان يقلب صفحات تاريخ السلطنة، ويهدد العراق بتقسيم الحرب العالمية الأولى في بازل عام 1923 بضم الموصل الى تركيا واجزاء من سورية للبيت العثماني الجديد، وكأنه يريد اعادة رسم خرائط الوطن العربي في العهد العثماني، والتقسيم الاستعماري للوطن العربي الجائرة بحجة الارهاب الكردي، فماذا عن فلسطين واحتلالها من الصهيونيةالعالمية وطرد شعبها بقوة السلاح والمذابح التي ارتكبها الصهاينة والمجازر الوحشية التي قاموا بها لاجلاء اهل فلسطين عن ارضهم وما ارتكبوه من اغتصاب للنساء في دير ياسين وحيفا، ويافا واللد، والرملة وتعمدت الصهيونية احياء ذكرى المأساة الفلسطينية حيث حركت جرافاتها لهدم قرية العراقيب في النقب للمرة الرابعة والاربعين لتصرخ بمن لا يتذكرون وان تذكروا فانهم لا يفعلون شيئا غير ان يكون في مصلحة الاعداء وليس في مصلحة الاوطان؟ وما يبعث على السخرية سيكون على الوطن العربي سداد فواتير استقلاله عن الدولة الفلسطينية لأردوغان الذي يرمي بحباله على العراق والموصل وسورية والمعزز من اميركا وهذا ما يوجب عليهم ان يكبروا فوق الاحزاب والطوائف والصغائر لنعود من جديد اكثر وعيا وادراكا ونكون قوة مؤثرة على ساحة التاريخ البشري.