ليس من قبيل المصادفة تزامن انتفاضتي ميدان التحرير وميدان تقسيم ضد سلطتين متشابهتين انقلبتا على من أوصلهما إلى الحكم بصناديق الاقتراع (الشعب). لعل أفضل توصيف تركي لخلع الرئيس المصري محمد مرسي كان ما عنونته صحيفة «آيدينليك» التركية "خلع طيب مص" في إشارة واضحة إلى التشابه بين أردوغان ومرسي ! والكل يتذكر أن الرئيس التركي عبدالله غول قام بزيارة إلى القاهرة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير لدعم الإخوان في حين وضع حزبه كل خبرات «إخوان تركيا» بالكامل في خدمة «إخوان مصر». نعم ما جرى في ميدان التحرير يشبه إلى حد كبير ما يجري في ميدان تقسيم فليست المرة الأولى التي ينتفض فيها المصريون ضد مرسي , ولكنهم وبعد سنة من العزم والإصرار حققوا ما كانوا يصبون إليه , ليس فقط بخلع مرسي وإنما باقتلاع جماعة الإخوان المسلمين من الحياة السياسية المصرية , لا بل وملاحقتها قضائيا بتهمة التحريض على العنف ! في تركيا .. انتفاضة تقسيم عمرها الآن شهر ويزيد , ولكن السؤال المطروح الآن هل سيقدر الشعب التركي على خلع أردوغان كما خلع المصريون مرسي ؟ .. كل المؤشرات تقول إن ربيع تركيا لم يزهر بعد .. صحيح أن متظاهري ميدان تقسيم ليسوا بحجم متظاهري ميدان التحرير لكنهم استطاعوا أن يكسروا حاجز الخوف وأن يهزوا عرش (السلطان) أردوغان وحكومته وأن يوصلوا رسالة للعالم مفادها أن من يحكم تركيا ليس حكومة حضارية حسب (معايير كوبنهاغن ) التي تلزم أنقرة بتوفير الإطار لضمان حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع المواطنين دون تمييز، جنبا إلى جنب مع ضمان حرية التعبير والتجمع والمعتقد والفكر وحرية وسائل الإعلام، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي. هذه المعايير التي كانت ستؤهل تركيا لدخول الاتحاد الأوربي , لا بل تفاجأ العالم بمجموعة متطرفة من الإخوان المسلمين المتعصبين الرجعيين , الذين وإن أتوا بصناديق الاقتراع إلا أنهم يؤمنون بالعنف وسيلة للاحتفاظ بالحكم – حسب المبدأ الميكافيلي – ومن هنا طرح هؤلاء تسمية الجسر الثالث باسم ياووز سلطان سليم وطرحوا هدم متحف أتاتورك , دون الالتفات لردة فعل الشارع التركي , بمختلف أطيافه . وكما لم ير قادة «حزب الحرية والعدالة » في «ثورة 30 يونيو» سوى انقلاب عسكري واغتصاب للشرعية متجاهلين الملايين الهادرة في ميادين القاهرة وغيرها من المدن المصرية، تماما فعل قادة حزب العدالة والتنمية في تركيا حيث لم يروا في انتفاضة تقسيم إلا مجموعة من اللصوص والحرامية على الرغم من أن مثقفي ونخب تركيا هم من شاركوا في انتفاضة تقسيم لكن أردوغان استقوى بأتباعه على الشعب الثائر وكأن من انتفضوا في تقسيم ليسوا من الشعب التركي. تركيا دعمت وصول «الإخوان» في مصر إلى السلطة وفي ظنها أن وصولهم إلى الحكم يعني الإمساك بالملف الفلسطيني كون حركة حماس في غزة ليست إلا جزء من الإخوان وهو ما وقع فيه خالد مشعل الذي تنكر لسورية وقيادتها معتقدا خطأ أن تحرير القدس – هذا إذا كان ما زال يعتقد – يكون من تركيا العضو في حلف الناتو ومن مصر (الإخوان ) الذي اعتبر رئيسها السابق محمد مرسي شمعون بيريز صديقه العزيز , أو من قطر القاعدة الأمريكية في الخليج ! نعم بسقوط محمد مرسي من رئاسة مصر يكون الإخوان المسلمون قد بدؤوا يتساقطون واحدا تلو الآخر بعد سقوط داعمهم الأكبر بالمال والإعلام أمير قطر حمد بن خليفة , وإن بطريقة مسرحية هو ووزير خارجيته حمد بن جاسم وطرد القرضاوي من الدوحة في ليلة ليلاء ! الإخوان المسلمون تحركوا من طنجة إلى جاكرتا نصرة لشرعية مرسي كما يقولون لكن بعد ما قطعوا شعرة معاوية مع أصدقائهم وأعدائهم في الداخل والخارج حيث أنهم عملوا وكثروا حتى كرهتهم جلودهم فمن يقبل بالتحريض على العنف ومن يقبل بالذبح والنحر والسحل والرمي من أعالي البنايات كما حدث في كل من حلب وغزة و الاسكندرية ومن يقبل بأكل لحوم البشر ( القصير ) غيرهم ! من كان يتصور أن يجتمع ( علماء مسلمون ) ليقروا تكفير الآخر بحضور رئيس أكبر دولة عربية .. دولة تحتضن الأزهر أكبر صرح علمي للمسلمين السنة في العالم .. نعم في اليوم التالي من هذا المؤتمر قُتل أربعة من الشيعة سحلا دون تدخل من أحد ولم يكن هذا ليحدث لولا التحريض الذي شهده المؤتمر المذكور ! مستقبل الإخوان المسلمين ؟! بالأمس القريب كان السقوط المدوي لكل من أمير قطر ووزير خارجيته وأمس أيضا سقط محمد مرسي.. وعرشا الإخوان المسلمين في تونسوتركيا على صفيح ساخن في حين تختلط الأمور في ليبيا ليضيع الإخوان في صراعات داخلية بعد اختفاء حمدي قطر. في تركيا من تابع التطورات يعرف أن سبب المشكلة طائفي من جهة وخلاف علماني إسلاموي من جهة أخرى فسعي أردوغان لتسمية الجسر الثالث باسم السلطان سليم يعتبره العلويون أكبر سفاح ومجرم في التاريخ في حين يعتبر العلمانيون تدمير نصب أتاتورك إهانة لأتاتورك وخط العلمانية الذي انتهجته الدولة التركية منذ العام 1923 . وهنا يصح السؤال عن دور الجيش في تركيا الذي يعتبر حامي العلمانية، وهو الذي قام بثلاثة انقلابات 1960 و1971 و1980، وأرغم الحكومة الإسلامية ( حكومة أربكان ) في 1997 على الرحيل. لكن السؤال الآخر هل التّعديلات الدستورية التي أقرها استفتاء 12 سبتمبر 2010 أوقفت الانقلابات في تركيا ؟ وهل التعديلات التي جرت تحد من سلطة الجيش , بحيث تصبح الحكومة أقوى من الجيش وهو ما لاحظناه من خلال اعتقاله لعشرات الضباط منذ 2008 بتهمة التآمر ضد السلطة وهو ما عرف بقضية ارجينيكون. وايلكر باشبوج هو الأعلى رتبة بين هؤلاء الضباط المتهمين . على كل .. النموذج التركي يجد نفسه أمام بداية مرحلة انحدار بعد 10 سنوات من صعوده، وفي الحالتين شكلت انتفاضتا تقسيم والتحرير بداية انكسار «الهلال الإخواني» الذي اعتبره ملك الأردن يمتد بين اسطنبول و القاهرة. لذا يمكن القول إن سقوط مرسي كسر جناح الإخوان في الجنوب ليبقى الجناح الشمالي معلقا ينتظر سقوطه عاجلا أم آجلا.