قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "أوباما خدعنا.. لكن السياسة الأمريكية ستتغير" وبذلك اختزل أردوغان حقبة أوباما المظلمة التي أنتجت البغداي "داعش" وابن عمه الحوثي، كانت زيارة أوباما للقاهرة في بداية عهده تخدير متعمد للمنطقة التي يراد تقسميها وفقا للجزارين الجدد الذين يرغبون بتفتيت الشرق الأوسط، أسمر اللون حاضر الذهن ساذج الضحكة غادر وقد قبر الشرق الأوسط بمشكلات لا حصر لها من كوباني عين العرب إلى باب المندب. منذ 2014 ذهبت أمريكا نحو مغادرة المنطقة وكثرت فضائح الرحيل من الموصل حتى ضفاف خليج العرب، وبدأ وجه كيري الكئيب وهو ملوحا بيده نحو السقوط -دوان دوان- ولم ينقصه سوى ارتداء عمامة الخميني لتكتمل الصورة، وبدت أمريكا لحظتها وكأنها تتنازل عن علاقتها مع السعودية، وهي العلاقة التي تمتد حتى العام 1944 وتجسدت واقعا بعد اتفاق Quincy كوينسي في 1945 بين الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة والرئيس الأمريكي روزفلت، في تلك الفترة التقطها الملك عبد العزيز وقفز ألف خطوة إلى الأمام، تاركا بريطانيا العجوز خلف ظهره، مع أنها دعمت نفوذه في بداية عهده لكنها كانت على وشك التقهقر، كأي دولة مستعمرة تعيش آخر أمجادها المكتسبة من البلطجة واللصوصية المسماة زورا استعمار. العلاقة التي وطدها الملك عبد العزيز مع الأمريكان غيرت قواعد اللعبة في الشرق الأوسط وصنعت نوعا من التوازن بين القوى لتحصل بعده مرحلة استقرار عمت المنطقة، الملك عبد العزيز شخص لا يمكن تكراره مطلقا، بدوي قدم من نجد وبفطنته أقام علاقة مع القوة التي بسطت نفوذها وقادت العالم لعقود وما زالت قادرة على التوسع والانتشار والريادة. لست إمبرياليا اليوم لامتدح الأمريكان، ولكني أجدني مشدودا إلى حضارة الأمريكان وهم أفضل اللاعبين الأقدر على إدارة الصراعات الدولية، أفضل من غيرهم سواء الإنجليز أو الروس، فالإنجليز ما زالوا محتفظين بخرائط الخراب القائمة على سياسة فرق تسد، وعلاقاتهم ما زالت قاصرة على عملائهم القدامى المنتهيي الصلاحية، كأفراد أو كدول وجماعات. من ضمن سياسة الإنجليز في اليمن مثلا رسمت الانفصال وأطلقت تسمية الجنوب العربي على الجزء الأصيل من اليمن الممتد من باب المندب إلى المهرة، كما يقول المؤرخ بامخرمة والذي سمى ما بين باب المندب والمهرة باليمن وبالباقي تهامة، واليوم كثير من أولاد بريطانيا العجوز يعودون إلى نفس التسمية، وذهب الكثير من العميان إلى إنكار انهم يمنيون، والدليل الذي يملكونه هو خريطة بريطانيا التي تركت لنا المشكلة وتركت أولادها خلفها توقظهم وقتما تريد. السياسة الخارجية لبريطانيا تعتمد في الأساس على خرائطها وعلاقتها القديمة وكلها خرائط الغام من الملايو إلى البصرة ومن القاهرة إلى عدن. خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوربي لتتفرغ لعودتها إلى الشرق الأوسط، وكعادتها القديمة جلبت الروس لغسيلها القذر، والروس دوما على استعداد لتنفيذ المهمات القذرة، فمذابح سوريا خير شاهد، ولا يوجد في أخلاقيات الروس ما يمنع من تأجير قوتهم لمن يدفع أكثر. أميركا التي أخرجها أوباما من باب الشرق الأوسط اعادها ترمب من الشباك، صلية من صواريخ توماهوك سقطت على الشعيرات في سوريا كانت هي الإيذان بالعودة المرتقبة للأمريكان، كثر الحديث الصواريخ صابت وخابت واثرت ولم تؤثر، هذه الصواريخ لم تكن حربية بقدر ما هي سياسية وأخلاقية في آن، كان لابد من القول للروس وبشار وإيران ومن حلموا بالتفرد في الشرق الأوسط تريثوا فأمريكا قادمة يكفي عبث ويكفي ضحايا. في استجابتها لانقاذ اليمنالمحتلة من قبل إيران وعملائها في صنعاءوعدن وحضرموت، انتظرت السعودية طويلا واتبعت سياسة النفس الطويل وصبرت كثيرا على رؤية كيري المرتدي لعمامة المرشد وهو يحاول تثبيت حكم الحوثيين أبناء إيران بالفراش-الولد للفراش-إلى أن جاء ترمب قررت تحرير الحديدة، الميناء الذي استخدمته إيران لإيصال الصواريخ لقصف المدن السعودية. زيارة وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس للرياض والدوحة لها دلالتها، وتعني تغيير في السياسة الأمريكية كما قال الرئيس أردوغان، إلى جانب السعودية ستعود قطر إلى الواجهة، ونأمل أن تعود هذه السياسة بالخير على المدن اليمنية المحررة بالتحديد. التقاط المخلوع صالح دعوة وزير الدفاع الأمريكي من الرياض للحل السياسي في اليمن جاء في الوقت الضائع فتحرير الحديدة والساحل الغربي صار حيز التنفيذ، على الشرعية التقاط زمام المبادرة، والتعامل مع التصريحات الأمريكية بواقعية وفهمها في سياقين؛ الأول في سياق أن الدعوة للحل السياسي هي ايذانا ببدء العمليات العسكرية التي تنهي الحرب لصالح التحالف، والثاني في سياق الإسراع في التقدم الميداني فقد انتهت ضغوط كيري وبات الطريق إلى العاصمة صنعاء بدون كوابح أمريكية.