لم يكن هنالك من خيار آخر سوى ذلك الذي قدمته “حُمَيْرَة” بقرة الجيران ، فحين يغلب حمار البشر كما يقول المثل الشائع يمكن للأبقار كما يبدُ ،أن تقدم شيئاً ما ذي قيمة وفائدة. بغرض توفير مأوى لأسرة منكوبة، اضطر أحد الجيران نقل بقرته إلى زريبة مجاورة واخلاء بيتها المكونة من غرفة منخفضة السقف بمساحة ثمانية امتار مربعة من أجل ترقيع البقية الباقية من قيم الانسانية في الزمن العصيب
خسر مبروك القيشاوي مسكنه جراء الامطار والعواصف ولم يجد من ملاذ يؤويه وأسرته سوى “ديمة بقرة الجيران”
ينتمي مبروك لفئة مايعرف بالمهمشين الذين يقطنون قرية “الصُّبَّيْب” التابعة لعزلة اديم بمديرية الشمايتين – محافظة تعز
ولأنه لم يحظ بفرصة للتعليم او التأهيل اضطر للعمل في العتالة لإعالة أسرته، المكونة من ولدين وبنتين اضافة اليه وزوجته
يعمل مبروك الذي يشارف الاربعين من العمر عتالاً في سوق مدينة التربة (90كم) جنوبي مدينة تعز، وهو عمل يتطلب بيع الكثير من الجهد بثمن بخس لا يكاد يفي بحاجة الطعام ،ولعل ذلك مايفسر حالة الرجل الذي يسير متعرج الخطى بسبب كسر في ساقه لم يتمكن من اصلاحه بشكل جيد نظراً لضيق الحال.
انهار منزل مبروك مطلع الموسم الزراعي بسبب ماشهدته المنطقة من امطار وعواصف ومعه انهارت احلامه وفرص ابنائه في طفولة صحية آمنة.
يتهدد السكن الجديد “ديمة حُمَيْرَة” سلامة وصحة الاسرة والاطفال الأربعة بشكل خاص لجهة ما تسببه الرطوبة من امراض اضافة الى مخاطر الحشرات والزواحف التي تقطن الاحراش القريبة من “ديمة” دون باب بل وربما تلك التي يحتمل أن تعشش في شقوق الجدران غير المصانة من الداخل حاول مبروك انشاء منزل بديل لكن متطلبات لقمة العيش في ظل دخل زهيد غير منتظم حدَّت من تطلعاته قبل اكتمال الاساس.
كان مبروك حظي قديماً ببعض المساعدة من والده قبل وفاة الأخير حيث أنشأ له مسكناً في سطح منزله الصغير المزدحم ، لكن حبات البردين المصنعة يدوياً من رمل السيول المختلط بالتراب لم تكن تمتلك المتانة الكافية فتآكلت مع الوقت حتى تحولت الى كوم من الانقاض في يوم ماطر وعاصف وهو اليوم الذي تمكن فيه مبروك من انقاذ حياة الاسرة بفارق دقائق قليلة على الأنهيار. كسبت الأسرة حياتها وخسرت كل شيئ دفعة واحدة ،البيت والأثاث والملابس والطعام وذكريات ما مر من سنوات العمر. تعيش أسرة مبروك التي وصل بها الحال الى تلقي شربة الماء من الجيران حياة مسدودة الآفق حتى الآن .. حيث باتت عملياً بلا مأوى ودون حتى الحد الأدنى من كل شيئ..
من ناحية أخرى يحتاج الأبناء الأربعة الصغار إلى ما يُغطي نفقات بقائهم في فصول الدراسة لعلهم يتمكنون ولو بعد حين من إصلاح ما تحالفت في افساده الريح وفقر ذوي القربى ومعاناة أهل الجوار في ظل الظروف العصيبة التي يمر بها اليمن الذي يشهد حرباً طاحنة منذ سنوات ثلاث تسببت الى جانب كل مساوئ الحرب في وقف مرتبات الموظفين في هذه المحافظة منذ نحو عام الأمر الذي جعل المرء عاجزاً عن مساعدة نفسه قبل جيرانه.