الأردني أبزاخ يطمح لحزام PFL MENA قبل الانطلاق نحو العالمية من بوابة الخبر    مليشيا الانتقالي تعتقل جرحى المرتزقة القادمين من مأرب إلى عدن    جرائم روفلات القومية: مفتي عدن دهسًا ومفتي العوالق سحلًا ومفتي الواحدي تهشيمًا بالفؤوس(صور)    استشهاد 9 سوريين وإصابة جنود صهاينة خلال توغل بريف دمشق    ترامب يعلن تعليق الهجرة من بلدان العالم الثالث    القبض على مرتزق كبير بحوزته 10 مليون دولار بالأردن    «يوروبا ليج».. انتصار روما وبورتو وفيلا    بين ريال مدريد وأهلي جدة.. فينيسيوس يختار الطريق الصعب    فضول طفل يوقض الذكريات    الجاوي: حال سلطة صنعاء اليوم يشبه حال نظام الأسد في أيامه الأخيرة    ضمن سلسلة التصفيات.. مليشيا الحوثي تصفي أحد مشائخ قبيلة جهم في صنعاء    تغيير أدوات المرتزقة في حضرموت    بيان البحسني... رسالة حاسمة في لحظة خطرة    منتخب البرتغال يُتوج بكأس العالم تحت 17 سنة FIFA قطر 2025    الانتصارات القريبة لا تكفي لصناعة المستقبل.. تحذير جنوبي من تكرار أخطاء الماضي    رسم ملامح النفوذ الأميركي في القرن الأفريقي    إصلاح حضرموت يرحب بتعيين الخنبشي محافظاً للمحافظة    من البنطلون إلى البطون الجائعة: حين تختل أولويات المجتمع في ظل الظلم والفساد    الأجهزة الأمنية بمأرب تضبط عصابة ابتزت واختطفت امرأة من محافظة أبين    بعد ان علمهم القراءة والكتابة، زعموا انه كان لايقرأ ولا يكتب:    رحيل الشيخ المقرمي.. صوت التدبر الذي صاغته العزلة وأحياه القرآن    أمريكا تمدد إعفاء سلع صينية من رسوم جمركية    رابطة علماء اليمن تنعي العالم والداعية الشيخ محمد المقري    تقرير أممي: معدل وفيات الكوليرا في اليمن ثالث أعلى مستوى عالميًا    قصتي مع الشيخ المقرمي    اليمن يدعو المجتمع الدولي للتحرك الفعال ضد الأعمال الحوثية التخريبية وتهديدات إيران للملاحة    العثور على مسؤول أمني مقتولا داخل سيارته بعدن    رئيس الهيئة السياسية: دعم دولة الإمارات لشعبنا يعكس عمق العلاقات الأخوية    الذهب يستقر قرب قمة أسبوعين.. والأنظار تتجه لتوقعات خفض الفائدة الأمريكية    في وداع مهندس التدبّر    الشيخ المقرمي.. وداعا    هندسة التجويع.. كيف يعمل الحوثيون على استنزاف رأس المال الوطني سعيًا لإفلاسه؟    "أرض الصومال"... صعود كيان بلا اعتراف في قلب تنافس دولي    القطاع النفطي الأهم رقم 5 بشبوة أكل تفاح عليمي    الإخوان يبدأون سحب أرصدتهم في أمريكا قبل قرار ترامب المرتقب بتصنيفهم تنظيماً إرهابياً    منافسات مثيرة في النصف النهائي لبطولة كأس الشهداء لتنس الميدان    موجة برد جديدة متوقعة يرافقها انخفاض في الرطوبة    ترتيب هدافي دوري أبطال أوروبا بعد سوبر هاتريك مبابي مباراة ريال مدريد وأولمبياكوس    عودة 48 صياداً إلى الخوبة اختطفوا وعُذّبوا في إريتريا    تقرير أممي: انخفاض ملحوظ لواردات الوقود والغذاء عبر موانئ الحديدة    هزة أرضية في محافظة ذمار    الاغذية العالمي يستبعد قرابة مليوني يمني من سجلات المساعدات الغذائية    قراءة تحليلية لنص" بعد الخطوبة وقبل القران" ل"أحمد سيف حاشد"    صنعاء.. مقتل مواطنين بانفجار عبوة ناسفة بمديرية نهم    الصحفي الكبير والمناضل القدير محمد قاسم نعمان    عاشق الحياة وصديق الموت    المنتخب الوطني يُضيّع فرصة التأهل لكأس العرب بعد خسارته بالوقت القاتل أمام جزر القمر    معرض وبازار للمنتجات التراثية للأسر المنتجة في صنعاء    منتخب الناشئين يفوز على كمبوديا بثلاثية نظيفة في تصفيات آسيا    رحيل مفجع للداعية البارز محمد المقري في مكة المكرمة    صنعاء تستعد لانطلاق مهرجان المقالح الشعري    الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقاً جديدة في أبحاث الدماغ    الرياضة في الأربعينات: سلاحك ضد الزهايمر    فوز الكويت بمقعد العضوية في اليونيسكو لأربع سنوات    حين يتحوّل فستان إعلامية إلى معركة هوية في وطنٍ تُنهكه المآسي !!    خبراء التغذية: النظام الغذائي مفتاح التركيز الذهني    الصحة تعلن ارتفاع وفيات وإصابات التهاب السحايا في اليمن    الكثيري يُعزّي في وفاة الشاعر والأديب ثابت السعدي ويشيد بإرثه الأدبي والثقافي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من عثمان بيه الى الشيخ عثمان
نشر في المشهد اليمني يوم 17 - 06 - 2019

حين علا دخانها أقسم الواقفون على الشاطئ أنها لن تصل وأن باطن البحر مستقرٌ لها.
ثم حتى لا يرد قسمهم صنعوا قبل أن يعودوا الى يومياتهم إشاعة غرق السفينة.
بعد عقود من موت من أدوا القسم على اليابسة، جاء عالم آثار ووجد حطام سفينة غارقة قرب سواحل عدن، لكنها لم تكن هي.
والسفينة التي أخبرنا عنها أستاذ آثار جامعة صنعاء عبدالغني سعيد في بحثه عن علاقة اليمن القديم بالتجارة الخارجية كانت أقدم من سفينة أقلت حجارة من عدن نحو اسطنبول بألفي عام .
أما تلك فقد رست وأقيم مبنى أول محطة قطار من أحجار عدن وكانت تلك هي حمولة السفينة التي ظن اليمنيون انها لن تصل كما هو مدون على التذكار المقام خارج محطة قطار "سيركجي" التاريخية.
وقد وقعت عيني على تلك الأحجار وشعرت برابط ما يقودني نحو المبنى الواقف أمام البسفور منذ العام 1891.
وهو ذات الرابط الذي أوصلني الى خور مكسر تحت شمس لا تهتم باستقبال العائدين ولا تضع لهم اعتباراً، وإن كان أسلافهم قد أقاموا لأجلها أعمدة و معبدا.
أعددت لزيارة عدن لحية صغيرة وشاربا متصلا بها، وابتسامة مقسمة، وجواز خال من التأشيرات، وإجابات جاهزة في رأسي ثم لم أحتج لاستخدام أيٍّ منها .
لا موظف مطار عدن اهتم بالبلد الذي أتيت منه
ولا الأسئلة واجهتني.
حتى أن الشاب الذي يستقبل القادمين ضمن مجموعة من موظفي المطار الحكوميين اكتفى بسؤالي عن المدينة التي سأنزل فيها، وقد تعلق بلساني شارع المغتربين بتعز، رد الموظف وهو يعيد الى الجواز "أهلا بك" .
كانت هذه العبارة بمثابة سجاد أحمر رأيتها تمتد أمامي
قبل أن يعترضني رجل نحيل البنية، يؤدي ذات الحركة التي كانت تميز مطار صنعاء عقب إنشاء الأمن القومي .
يريد ايصال رسالة مهما تغيرت الأنظمة لابد من رجل نحيل يقف عند الباب لا يسمح بمرورك قبل أن يلوي أوراق جوازك.
وكالواقف في باب صنعاء لم أنتظر منه كلمة ترحيب أو ابتسامة نظر نحوي وهو يعيد وثيقتي وقال صقر وكدت أن أقول له "إجابة صحيحة"، لكنك قادم من غياب السنوات الخمس، من إحساسك الصباحي بالضياع، ذلك كله يفرض عليك قوانينه الخاصة.
ها أنا ذا أحتلق مع من افتقدتهم طويلا، وجوههم التي لم اظن أن أراها مجددا، كلماتهم العالقة في ذهني المسافرة معي كظلي وأفكارهم الواضحة التي أقرأها الآن كبيت شعري عبر عن مراهقتي .
وقد كانوا من كل أنحاء البلاد تتداخل لهجاتهم لتشكل اليمن في مساحة صغيرة وهم ينتظرون أمتعتهم و يبحلقون في جدران لا يوجد فيها ما يعلق النظر عنده.
سحبت الحقيبة من سير الوصول وانطلقت باحثا عن المدينة، لم يكن بمقدوري أن أعترض على شيء أو أناقش أحدا في أمر أراده، في مقبض الحقيبة وجدت يدا أخرى جوار يدي فمضيت خلف صاحبها .
لم يستقبلني أحد في مطار كان يوما ساحة حرب، وكنت أسعى فيه وأخشى أن تذكرهم ملامحي بمقاتل أو كلماتي ببائع اعتقدوا أنه يعمل لمصلحة خصمهم، جعلني ذلك أمسك كلماتي قبل إطلاق سراحها وأزيل التعابير عن وجهي لأجعله صورة في إطار عتيق .
قبل تسعة وعشرين عاما ألقى الصحفي واسع الادراك بشير البكر النظرة الاخيرة الى زاوية هنا، ولم يكن مستعدا لجعلها الاخيرة وقد تحدث عنها في لقاء جمعني به في تركيا قبل أسابيع والآن أبتسم فقد كان لقاء النظرة الاخيرة بالأولى حاضرا في ذهني.
قال البكر إنه غادر مع انطلاق الوحدة اليمنية وقد أتيت وذات الحدث مازال حاضرا .
تحدث بشير عن وهج الرفاق في عدن واليوم يلتفت اليك الجميع إن ناديتَ أحدهم: "يا رفيق"، كما لو أن صوتك ظل مسافرا منذ سبعينيات القرن الماضي ووصل متعبا للتو .
كل ذلك صار ماضيا ونصيحة زميل الكلمة في تحويل قصة اليوم الأخير ليهود عدن الى كتابة أشمل مما كنت قد كتبتها لم تعد ممكنة فلم يبقَ في حي اليهود بكريتر غير المسلمين .
وإن كان يهوديا آخر قد حمسني للعودة، قبل ان ارتب للرحلة بعثت لي زميلة مقيمة في الحنين لمدينتها أغنية كتبها يهودي من عدن قبل سبعين عاما وقد ظللت أرددها الى ان قررت السفر
" يا بابور جباني لانت تباني .. وديني عدن ساني "
وها أنا أبحث عن بابور جباني.
تجاوزت مطار لا يفصله سوى خرسانات بسيطة عن الشارع وسور عن منازل الجيران، ما من أحد يمكنه أن يحلم بالسكن في غرفة كان يفترض أن تكون صالة استقبال او مغادرة في مكان آخر ومع ذلك فقد تسامحت مع كل التناقضات وتقبلت ان أسير خلف الخمسيني الذي حمل الحقائب الى سيارته الواقفة خارج الزمن المقرر لها .
عدد قليل من رجال الأمن يحيطون المطار وعلى مسافة منهم يوجد مسلحون لا يجمعهم زيٌ واحد، ولكل فردٍ فيهم لون وقبلة، و.. ولدى كل منهم قصة صمود بطولية سمعها من آخر قبل ان يصبح بطلها كما سأعرف لاحقا .
قال وهو ينظر نحوي ( زيارة او عمل)
كان هذا السؤال الثالث لي في المدينة
تذكرت قبل أن أجيب من تم طردهم من عدن قبل عامين
تذكرتهم كما لو أنني أراهم يجتازون الشارع أمامنا وفي أيديهم الاكياس البلاستيكية التي يطل منها رعاة البقر ذوي القبعات والمسدسات الأمريكية و سجائر المارلبورو.
كان الرجل في انتظار الإجابة وقد اخفض السرعة بينما أحاول العودة إليه .
قلت له كلمات اعتقدت أنها رددت كثيرا هنا.
(لن أسكن في عدن
انا رايح تعز بس كم ساعة بالفندق ارتاح بعد السفر وانتظر خالي )
(لو تجلس لك في عدن احسن )
حصلت على جزء من الأمان زاده حين قال وهو يساعدني بحمل الحقائب الى فندق يطل على ساحل أبين: "الأجرة كما بتقدر جيب".
احتضنته بأعيني فهذه العبارة لا تسمعها في أي بلد اخر وينطقها سائق تطبع الايام قسوتها على ملامحه وعلى سيارته التايوتا .
(لا أريدها على البحر ولا في الأدوار المرتفعة ) وقد نزلت في غرفة أغلقت نافذتها بالستائر واضأت الانوار وجلست افكر منذ الظهيرة بقدوم الليل، وبالمعركة التي قد أكون أحد ضحاياها .
جاء الليل ولم تأتِ الرصاص فتذكرت حاجاتي لتناول الطعام
هبطت مسرورا بمصعد صغير وصولا الى الموظف الذي مازال محتارا أمام النزيل الذي لا يريد رؤية البحر من النافذة ولا يبحث عن كلمة السر لتصفح الانترنت .
بدأت أضع أساسا منطقيا للسؤال الذي أنزلني من الدور الثالث
إن جاع الواحد اين يذهب ؟
للتو أضفت للموظف استفهاما جديدا
ومع ذلك أجاب
اذهب حيث تريد
الدنيا حياة للصباح
كل المحلات فاتحين .
خرجت من الفندق للمرة الأولى ورغم الظلام سمحت لي عدن برؤية جمالها ورؤية الجروح التي خلفها الحوثيون على المباني وعلى أجساد الأهالي وقلوبهم ..يتبع
من صفحة الكاتب على فيس بوك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.