وتتخذون من الجبال بيوتاً فارهين. كان هذا الحديث عن قوم عاد، كما جاء في القرآن الكريم. ولا يأتي وصف نحت الجبال، واستفهامهم عن وجود قوة في هذا الكوكب غيرنا، لهو دليل على وجود حضارة مكتملة الاركان. كانت هذه الحضارة في اليمن.. يقول الشماحي، في اليمن: الارض والانسان: لقد كانت اليمن الطبيعية تمتد من جدة إلى مكة والمدينة والبحرين وقطر والامارات وعمان حتى عدن. هذه المنطقة كانت أول حياة للانسان بعد الطوفان:" وأقام بها أتباع سام ابن نوح ومنه جاءت تسمية الساميين العرب. كان التبابعة والحميريين هم الدالة لأمن الجزيرة العربية، إذ كانت الدولة اليمنية قائمة على الانفتاح الفكري، حتى صارت مأوى لليهود من اضطهاد النصارى الرومان.. تحولت أرض اليمن إلى أكبر ترانزيت عالمي، بين الشرق والغرب، جعل النصارى الرومان في حنق وضغينه فشنوا ست محاولات لاحتلال اليمن فهزموا في الربع الخالي. وفي القرن الرابع ميلادية، غزوا اليمن عبر نشر المسيحية فكانت أحد الأسباب في انهيار الحضارة اليمنية في القرن 6 م بعد أن شقت الافكار النصرانية صدور اليمنيين. ولم يأتي القرن السادس إلا وقد صاروا منقسمين فدخل الاحباش بدعم من الرومان إلى اليمن.. جاء الفرس، وجلبوا مع الزرادشتيه، فزادت من انقسام اليمنيين. تفتت الحضارة اليمنية وذابت فكرة الدولة القومية في صدور اليمنيين حتى صارت أعناقهم مرهونه بيد الغزاة، فشعروا بقسوة الهزيمة وفراغ نفسي قاتل، بعد أن كانوا دولة ضاربة جذورها في التاريخ.. لقد وصفها الشماحي، ب"حالة القلق والفراغ النفسي اليمني" بعد هذا الانهيار، يحن لتاريخه ودولته وعزته وسيادته على الجزيرة العربية. وما أقسى أن يذل إنسان بعد عزة وكرامة. كانت قريش لحظة الدولة اليمنية الفارهة، تعيش في صحاري الجزيرة، وفي تناحر، حتى كان الفرس يقولون عنهم وفقا لبعض المدونات التاريخية ب"كلاب الصحراء". ولما جاء الاسلام، سارع اليمنيون في دخول الاسلام لكونهم يحنون للوحدة العربية الاسلامية من أجل طرد باذان والمجوس الايرانيين من اليمن، لكن حين أسلم باذان وهي تبدو حيلة سياسية لبقائه في السطلة، تركت شيئا في نفوس اليمنيين وجعلهم يشعرون بالغبن ببقاء الفرس. لقد كانت حركات الاحتجاج اليمنية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والاضطرابات في عهد أبو بكر رضي الله عنه، لها سياقاتها التاريخية والسياسية لحظتها في اليمن. كل المدونات التاريخية، كانت تهاجم مواقف بعض المحتجين اليمنيين الراغبين في السلطة من منظور عقدي دون دراسة سياقاتها السياسية والاجتماعية ما يجعل المشهد غير مكتمل وتاريخ منقوص. من نقطة: رغبة اليمنيين في السلطة وطرد باذان واعادة الدولة القومية اليمنية، من الواضح أنها مربط الفرس في دراسة الصراع اليمني التاريخي لما بعد النبوة والصراع بين اليمنيين ومركزية الخلافة لا سيما من عهد علي ومعاوية والامويين والعباسيين حتى يحيى الرسي ثم إلى يومنا هذا. يحتاج التاريخ اليمني لإعادة صياغة منذ احتلال الاحباش والفرس لليمن وحتى مجيء النبوة والصراعات التي جرت بعدها.. لأن فهم سياق الصراعات السياسية والغبن اليمني من الاحتلال وانهيار حضارته وما تركته من فراغ نفسي وقلق هوياتي، هو أحد أسباب الاضطرابات اليمنية حتى اللحظة. لقد كانت الثورات والاحتجاجات اليمنية تبحث عن دولة وسلطة، والحنين إلى ( من أشد منا قوة). ................. أمجد خشافة