وقفت حائرةً تفكر و تتطلّع لتلبية الدعوة التي وصلتها للتو ، عبست بوجهها و هي تحدق في كرت الدعوة ، وضعت يدها على فمها و سرحت ، سيطر عليها التوتر كأي إمرأة ريفية تتلقى دعوة لحضور فرح في المدينة ، لم يكن موضوع الحضور من عدمه مطروح للتفكير لأنها ستحضر حتماً ، بل قلق الظهور و الاحتكاك بأنثى المدينة.. بدأت خيزران تفكر في شكل حضورها يوم الفرح ، تخطط في كيفية الحصول على الفستان و الذهب اللذان لا تملكهما ، فخيزران إمرأة ثلاثينية مهووسة بمظهرها و جمال جسدها ، معالم انوثتها بارزة ، مشدودة الخصر ، لا يعرف جسدها الترهل برغم امومتها ، حظها رماها إلى أحضان رجل فقير يلهبه جمالها لاهداءها الكثير من الليالي الساخنة ، وهي راضية صابرة و تقابله بالمزيد من الحب.. طرأ على بالها اسم صديقتها القديمة صفاء ، لبست و خرجت مباشرة ، وصلت إليها فرحبت بها صفاء ، ادخلتها المجلس الذي سلب عقل خيزران لروعته و فخامته ، قدمت القهوة و بدء حديث الذكريات و أيام الشقاوة ، بعدها و بدون مقدمات طلبت منها أجمل فساتينها و ذهبها ، لم تتردد صفاء بل أحضرت لها على الفور فستاناً زهري اللون ، و أحضرت لها الكثير من الذهب ، مما جعل خيزران تقف عاجزة عن الكلام فأحتضنتها و جعلت تقبلها ، و عند الخروج طلبت صفاء من السائق إيصال خيزران إلى قريتها.. في يوم الفرح ، جلست خيزران أمام المرآة و ابنتها تصفف شعرها و تضع المكياج على وجهها ، فابنتها صاحبة الاثني عشر سنة أصبحت خبيرة في فن الكوافير ، فهي تزين أمها بشكل شبه يومي ، شَرَه خيزران جعل ابنتها تكسب سمعة طيبة في القرية مما أكسب الأسرة بعض المال الذي يعينها على الحياة ، لكنها كانت تخبئ أجمل تسريحات الشعر و آخر تقليعات الموضة لأجل أمها.. اجتمعت مع نساء القرية للسفر إلى المدينة ، و عند الوصول إلى الصالة دخلت غرفة الاستراحة لوضع اللمسات الاخيرة على ملامح أنوثتها ، لبست الفستان ، أخرجت الذهب و ارتدته قطعة قطعة، ثم أخرجت مثبت الشعر و جعلت ترشه على شعرها ، تأخرت - عن قصد - حتى تحضر جميع النساء.. خرجت خيزران عندما أدركت امتلاء الصالة ، و قبل أن تأتي العروس ، تعمدت ان تصعد على ممر العروسة لتخترق كل الصالة ، و بمجرد صعودها على الممر اتجهت أنظار كل النساء إليها حتى نساء قريتها ، فالفستان الزهري عاري الكتفين و تسريحة الكعكة اظهر رقبتها المزينة بالعقود و أبرز صدرها المرصع بالذهب ، يديها العاريتين تزينت بالكثير من الأساور و كف الذهب يزين كفها اليسرى، بينما تزينت يدها اليمنى بثلاثة من الخواتم المرصعة، و على رأسها وضعت تاجاً من الذهب جعلها تبدو كالملكة ، خصرها تزين بحزام من ذهب يلف خصرها المقوس ، مشت ترفل بغنج على الممر على أنغام موسيقى الفرح ، اردافها الممتلئة المتمايلة تثير صخباً في أذهان من حولها ، ومازالت العيون تلاحقها حتى جلست ، و كل نساء المدينة تتساءل.. - زوجة من هي هذه.. ؟ أخذت خيزران بعض الأضواء عن العروسة خاصة عندما رقصت ، و عند انتهاء الحفل ، ذهبت إلى الاستراحة للتجهز للخروج ، و قبل أن تخلع الفستان ابعدت الذهب و وضعته على حقيبتها و دخلت الحمام ، خرجت من الحمام لتصيح صيحة جلبت حارسات الصالة.. - ايش في ، ايش في ، من صاح؟ - سرقوا ذهبي.. ذهبت إحدى الحارسات بسرعة لاغلاق الباب للتفتيش ، لكن الوقت قد تأخر لأن الزحام على البوابة شديد ، و معظم الحاضرات خرجن ، رجعت إلى خيزران... - ما بنقدرش نعمل شي لش ، روحي بلغي الأمن و أهل العرس يجيبوا لش قائمة المدعوين.. خيزران و هي تلطم وجهها : مش هن ذهبي ، مش هن ذهبي ، و أيش باقول لصفاء ، و أيش باقول لزوجي.. اخفت خيزران أمر سرقة الذهب عن نساء قريتها ، و رجعت البيت و هي تفكر كيف ستتصرف؟! ، مر اليوم الأول و الثاني وهي لا تأكل و لا تنام ، و ترفض الكلام ، ذهب زوجها لإحضار أبيها ليرى حالها ، عندما رأها أبوها ارتعب من تغير شكلها ، و الهالات السوداء التي تحيط بعيونها المحمرة ، كأنها تقدمت في العمر عشرين سنة في يومين.. - يابنتي مالش ، ايش جرا لش.. - يا ابه مصيبة وحلت على راسي ، وتلطم وجهها و تتقفز ، مصيبة ، كارثة.. - ايش من كارثة.. ؟ ، كل مشكلة و لها حل.. تحكي لهم القصة بعد الضغط عليها ، يسود الصمت المكان.. - لا تهمي يابنتي نجيب لصديقتش بصيرة البيت.. - ما تكفي يا ابه.. - نزيد نجيب لها بصيرة بيتنا ، ما احناش أغلى من أبوش ، ولا تعملي في نفسش هكذا.. نظرت إليهم خيزران بحب ، أرادت أن تقبلهم لكنها استحت من أبيها ، ثم أخذت مستندات البيتين و ذهبت بها إلى صفاء.. قصت خيزران لصفاء القصة بكل حزن ، وعندما اكملتها كانت صفاء تمسك على بطنها و تتلوى من الضحك وسط دهشة خيزران ، غضبت خيزران و نهضت و هي تعطيها مستندات البيتين.. - الآن لا عاد تزيديش بها و تضحكي علينا ، هذه بصاير بيتنا وبيت أبي قيمة الذهب وإذا عاد باقي شي إحنا نكتب لش ورقة.. - أصلاً أنا مش زاعلة على الذهب.. - ليش؟! - لأنهن مش ذهب.. - كيف؟!! - أيوه ، هن مش ذهب هن فالصو ، ذهب مزيف.. ارتمت خيزران على الكنب وكأنها مرشح رئاسي فائز بعد انتهاء عملية الفرز لصالحه ، خرجت من صدرها تنهيدة و اختلطت مشاعرها فلم تدري هل تفرح ام تحزن ، تضحك ام تبكي..؟ ، لكنها حدقت في صفاء طويلاً ثم ضربتها بيدها.. - بعدين ، حيرتيني ، ليش مثلش يلبس ذهب مزيف.. - ليش و هل أنا فقيرة حتى أتزين بكل هذه الفلوس..؟!