كانت أمي دائما تعايرني: "شفت ابن فلان الفلاني محلاه مؤدب وو"، وكنت بنفسي أرى هذا الفلان خلف الكواليس مجرد رخيص تافه بلا تربية ولا أخلاق، كانت أمي ترى من الجنة وبقلب الأنبياء، وكنت أرى الرجل الذي تطلب مني أكون مثله داخل النار. نحن ندفع ثمن التربية بالتقليد، بمعنى أننا محملين طوال حياتنا بأعباء غيرنا، فالأم كانت، حين تعاقبك على خطأ ارتكبته، تعاقبك مرة لانك لست مثلا فلان، وأخرى على الذنب المرتكب، والأب يطلب منك أن لا ترافق غير فلان من الناس، ويريد منك أن تفعل ما يفعله، وهكذا يصنعون منك طوال الوقت نسخة مكررة من غيرك، ويصبح أقصى أمانيك أن تصبح مثل سعد، وتلبس مثل حمود، وتفكر مثل حمادة. حتى في المدرسة، يريد منك أن تكون مثل زيد، وفي المسجد تجلس جنب نادر وتصلي مثله، وبعد فترة من الحصار الذاتي، لا أنت الذي قلدت غيرك ونجحت، ولا أنت الذي كنت أنت وعملت الذي تريد، زيادة على هذا تصبح فردا مشوها من الدخل، منكسر حول نفسك ومنعزل وانطوائي، لأنه لا شيء مقنع في أن تصبح مثل شخص غيرك، لأنه يصادر فيك أهم شيء بداخلك، الذي هو قلبك وجوهرك الروحي، وحقك في أن تكون ما تريد وتتمنى. ثم إن هذا يورث بداخل الفرد حدة في الطباع، وروح الإنتقامية، فيصبح الشخص الذي طوال الوقت يطلب منك أن تصبح مثله، محل كراهية وبغض، وتتمنى لو أنه مات أو بيدك مصادرة حياته، وتمر بك الأيام والسنين وأنت محاط بكتلة من الأسماء والشخوص، وتتذكر أنك تربيت لفترة من الزمن محاولا أن تكون مثلهم، ويظل هذا الصوت الداخلي موجودا بطلب منك التقليد حتى لو أنت قد تجاوزته بكثير، فتتوقف عندهم محبطا يائسا. تربينا في مجتمعات فضيلة، كانت الأنفس سوية، والقلوب نظيفة، صحيح كانت الوسائل تقليدية مجحفة ندفع ثمنها لليوم، لكن لا لوم ولا محاسبة، هو فقط لعدم تكرار مثل هذه الأخطاء في الجيل القادم، في أطفالنا وذوينا، ذلك إن أفضل نهج قويم تربي عليه النشء هو بأن لا يكونوا نسخا من غيرهم، فقط يكونوا هم وما يريدون، ذلك أقوم قيلا، وأفضل حالًا ومقالا.