في تاريخ الأمم وحياة الشعوب رجال مخلصون حملوا راية الثورة والتحرر والنضال والكبرياء أمام المحتلين والمستبدين ، وصفحات التاريخ تمتلئ بهؤلاء الأبطال الشعبيين الذين تشتاق إليهم الشعوب عبر العصور ليغيروا مصائرهم ومنهم بطلنا علي ناصر القردعي الذي غير وجه اليمن . رفع راية النضال واختصر المسافة ومن رأس الكهنوت يحي حميد الدين انطلق وسلم الراية من بعده للثلايا ، الذي بدوره سلمها للعلفي واللقية والهندوانة ، الذين بدورهم سلموها لعلي عبد المغني ورفاقه ، فهؤلاء الثوار كتبوا اسماءهم بحروف من نور في تاريخ نضال الشعب اليمني ، وتبقى ذكراهم عبر التاريخ كرموز للثورة اليمنية . بعد أن رأى القردعي ظلم الإمامة الكهنوتية ، حدد العلاج مباشرة ولم يتردد وأدرك أن خلاص اليمن واليمنيين يبدأ من رأس الإمام وليس من مكان آخر ، فصوب بندقيته إلى تلك الرأس المتعفنة ، فالقردعي لم يكن مجرد ثائر فحسب ، بل كان مخلصا غير وجه تاريخ اليمن . كان القردعي يعلم أن الحرية هي الشيء الوحيد الذي يستحق التضحية بالحياة من أجله ، فقرر أن يمنح شعبه الحرية وأن يشد أنظار العالم إلى بلاده اليمن بعد أن كانت غير موجودة على خريطة العالم . إن المسار الذي مرت به الثورة اليمنية يعلمنا نحن أيضا بأنها كانت عملية حية من الصعود والهبوط والجوالات المتلاحقة من الصراع ، ويعلمنا أيضا بأن الثوار الأبطال يمكن أن يتكرروا ، فقد كانوا بشرا مثلنا من لحم ودم ، لكنهم كانوا يدركون أن التاريخ يتغير مهما بلغت قساوة الهزيمة أو طالت مرارة سنوات التراجع ، وأن الإعداد للمستقبل ضرورة لا تتقدم عليها أي ضرورة أخرى . نحن بحاجة إلى إحياء تاريخ الثورة وتاريخ القردعي كمؤسس لثورة مثلت رحلة بحث اليمنيين عن الحرية ، فقد تعرض هذا التاريخ إلى التبديد وإلى الطمس من قبل الإماميين الذين أرادوا طمس الوهج الثوري ، فنحن بحاجة إلى استعادة تاريخ هؤلاء الأبطال ، لكي نحافظ على سيرة السلالات الثورية ، كي تقتدي بها الأجيال الجديدة . لا غرابة أن يخط القردعي برصاصته حرية اليمنيين على رأس الإمام يحي ، فهو امتداد لمجتمع آمن بالشورى وأعطى السلطة لعامة الشعب منذ أكثر من 3000 عام ، وأعطى الأرض لمن زرعها والحرفة لمن احترفها ولم يكن للسماء وصاية على الأرض ، فتاريخ اليمن سلسلة متواصلة الحلقات ، لم تنقطع إلا مع دخول الهادي إلى صعدة الذي أرسى دعائم حكم العائلة عن سواها ومنحها سلطة إلهية مطلقة تتوارث الحكم فيما بينها دون غيرها من اليمنيين . إنهم اليوم يراهنون على تعبنا وأعداد شهدائنا ، لكنهم لا يدركون أن مدرسة القردعي وتلامذتها الثلايا واللقية والعلفي وعلي عبد المغني ، أجيال وراء أجيال ستستمر ولن تنهزم ولن تنكسر ، لأن من تخرج من مدرسة علي ناصر القردعي وعاشقا للحرية لن تنكسر له راية .