ذهب من كل شيء أحسنه في هذا الزمان. القيم مزيفة، والمواقف باهتة، والسلع مغشوشة، حتى أن العقوبات الدولية، والتي من المفترض أن تردع الأنظمة المارقة وتنتصر للمسحوقين، فقدت هيبتها وتحولت إلى مادة للتندر، وكأننا أمام بروفات "الكاميرا الخفية"، أو أي برنامج كوميدي سيتم عرضه في شهر رمضان المقبل. خلال أيام قليلة، أتحفنا المجتمع الدولي بسلسلة عقوبات مضحكة ضد مشعلي الحروب، من جماعة الحوثيين في اليمن إلى النظام الروسي. بخصوص الحرب اليمنية التي اقتربت من دخول عامها الثامن، تم اعتماد قرار غريب تحت البند السابع، وصف جماعة الحوثيين في إحدى فقراته فقط ب"جماعة إرهابية". لم يحمل القرار الدولي 2624 ضد الحوثيين أي تحول استراتيجي. أجمعت الدول الخمس الكبرى فقط على وصف الهجمات الحوثية على الإمارات والسعودية بأنها إرهابية. لم يتشكل أي إجماع داعم للسلام بوقف الحرب، ولم يتم تصنيف الحوثيين في قائمة الكيانات الإرهابية بجوار "القاعدة" و"داعش"، بما يدعم الخيار العسكري مثلاً. اقرأ أيضاً * الأخطاء التي سهلت للحوثيين التوغل جنوبمأرب * الحكومة الشرعية تطالب المجتمع الدولي بتحديد موقف واضح وتعلن عن تطور خطير في اليمن * بيان حوثي جديد بشأن جبهة "حرض" بعد الإعلان عن سقوط منطقة استراتيجية بعملية نفذتها قوات سعودية خاصة * مليشيا الحوثي تكشف عن خيارها الوحيد لإنهاء أزمة الوقود.. وتدعو للنفير العام * الجيش يعلن مصرع أحد القيادات البارزة في مليشيا الحوثي (الاسم + الصورة) * نرويجي الجنسية.. اعتقال إرهابي عالمي في صنعاء بعد عشر سنوات من انضمامه لتنظيم القاعدة باليمن (صورة) * قوات سعودية خاصة تنفذ عملية خاطفة وتحرر منطقة استراتيجية في اليمن * "بن عزيز" يتفاعل مع مفاجأة تطالب برحيل الحوثيين * شاهد.. فضيحة مدوية لمليشيا الحوثي من أمام شركة النفط بصنعاء * عاجل.. مليشيا الحوثي تستهدف منشأة صافر بصاروخ باليستي وهذا ما حدث (صورة) * بعد ساعات من التهديد والوعيد.. مليشيا الحوثي تشن هجوما واسعا على السعودية.. والتحالف يرد * التحالف يعلن انطلاق عملية عسكرية جديدة ضد الحوثيين ومع ذلك، كانت الحكومة اليمنية "الشرعية"، ترحب بالإجماع الدولي حول الملف اليمني، على الرغم من أنه بموجب هذا القرار، تصبح هجمات الحوثيين على مدينتي مأرب وتعز مباحة ومستوفية لمعايير القانون الدولي الإنساني كافة، وليست مجرّمة مثل تلك التي تضرب العمق السعودي والإماراتي. بالنسبة للمجتمع الدولي، اليمن أرض خصبة لحصد مكاسب سياسية ومالية. حتى الأممالمتحدة التي شعرت بورطة التمويل هذا العام جراء الأزمة الأوكرانية، أشهرت ورقتها الرابحة لإعادة الحصّالة الذهبية لها إلى واجهة العالم، من خلال إرسال النجمة أنجلينا جولي إلى عدنوصنعاء. وفي الغزو الروسي لأوكرانيا، كل ما يجري من تضامن لا يتعدى اختراع عقوبات مثيرة للسخرية والشفقة في آن واحد. بعد إغلاق متاجر "شانيل" و"زارا" و"بوما" في موسكو، ومنع مشاركة القطط الروسية في مسابقات دولية، وحرمان الجمهور الروسي من متابعة الدوري الفرنسي وخدمات شركة الترفيه "نتفليكس"، فإن الحزمة الثانية من العقوبات التي ينتظرها الشعب الروسي ستشمل بالتأكيد انضمام شركات "بيبسي" و"كوكاكولا" و"ماكدونالدز". عقوبات آخر زمن الهزلية، والمواقف الكلامية لا تنزع فتيل الحروب، وبيع الوهم للشعوب، عملة مضروبة لا تكبح جحافل الدبابات والحشود العمياء التي تعتقد أن لديها أوامر من السماء لتنفيذ أهدافها مهما كلف الأمر. منذ متى كانت الأوصاف ترعب الطغاة وتستوجب قراراً تحت البند السابع، وهل يظن الاتحاد الفرنسي لكرة القدم أن حرمان الجمهور الروسي من مشاهدة أهداف كيليان مبابي، سيجعله يقود ثورة شعبية ويقلب الطاولة على بوتين من الداخل؟ وبما أن منطق القوة ينصر من يفرض كلمته أخيراً، سواء كان على هيئة أنظمة طامحة بإعادة مجد إمبراطوريات زائلة، أو مليشيات تحاول إحياء الحكم الإمامي، كما هو حال الحوثيين، ينبغي على المجتمع الدولي أن يضع مقاربات جديدة لإنهاء الأزمات والحروب التي تصيب تداعياتها الكرة الأرضية بشكل كامل، حتى لو كان مسرحها جزيرة صغيرة في عرض البحر. وبعيداً عن غطرسة الغزو واجتياح البلدان أو حتى المدن داخل إطار البلد الواحد، الانحناء للعاصفة ليس منكراً، بل حكمة قد يتم التوصل إليها بعد فوات الأوان. إذا كانت شبه جزيرة القرم والتخلي عن فكرة الانضمام لحلف شمال الأطلسي ستضمن سلامة وسيادة باقي الأراضي الأوكرانية، وتجعل الغازي يعود أدراجه، فهذه شروط في متناول اليد بالتأكيد، ويفترض حسمها سريعاً قبل أن يرتفع سقفها. ثم من يدري ماذا يحمل الزمن في جعبته من سيناريوهات مستقبلية؟ قد تدور الدوائر بالنسبة للشعب الأوكراني ويستعيد كامل أراضيه، كما حصل مع تجربة انهيار الاتحاد السوفييتي.