وزير العدل وحقوق الانسان يوجه بإحالة عدد من الأمناء الشرعيين والموظفين للتحقيق    الخيال المستبد: صناعة الطغيان بسطوة الخيال المسموم    "البكري" يستقبل السفيرة البريطانية "شريف" ويبحثان سبل التعاون ودعم الشباب    إنتخاب اللاعب طه المحاقري رئيساً للجنة الرياضيين باللجنة الأولمبية اليمنية    مناقشة أوجه التعاون بين وزارة النفط والمركز الوطني للوثائق    وزير النقل يعلن جهوزية مطار صنعاء لاستقبال الرحلات    مصر تستعيد 25 قطعة أثرية من واشنطن    برعاية وزير الأوقاف.. وكالات الحج والعمرة تقيم اللقاء السنوي مع الحجاج في العاصمة عدن    حكيمي رابع مغربي يتوج بجائزة أفضل لاعب أفريقي بالدوري الفرنسي    تراجع العقود الآجلة الأميركية مع ترقب المستثمرين لبيانات التضخم    البغدادي يكشف عن اخفاء قسري لمحامي في صنعاء ويطالب بالاسراع في كشف مصيره    الداخلية المصرية توجه ببحث شكاوي اليمنيين والافراج عن الموقوفين وبكري يطالب بمساواتهم والسفارة تبدو ملكية اكثر من الملك    مليشيا الحوثي تختطف عمال محلات تجارية ك"رهائن" لإجبار أصحابها على دفع جبايات    في أول زيارة خارجية له.. ترامب يصل الرياض في مستهل جولة تشمل الإمارات وقطر    مركز نهم الجمركي يحبط محاولة تهريب كمية من الزبيب الخارجي    مقتل 3 نساء في رأس الخيمة    هيئة البث الإسرائيلية: الأسير عيدان ألكسندر يرفض مقابلة نتنياهو    وزير داخلية مصر يصدر أمرا ببحث شكاوى اليمنيين والافراج عن المحتجزين    المكسيك.. مقتل شخص وإصابة اثنين في حادث سقوط منطاد    اليابان.. تأجيل إطلاق وحدة الهبوط القمرية    البعثات الطبية الصينية في وادي حضرموت    كفى عبثًا!!    علماء يحققون اكتشافا مذهلا عن الأصول الحقيقية لليابانيين    ألونسو يطلب صفقات لترميم دفاع الريال    نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين تتضامن مع الصحفي عدنان الأعجم    تدشين دليل الخدمات المرورية في مركز الإصدار الآلي الموحد    عودة الهدوء إلى طرابلس بعد اشتباكات أودت بحياة عسكريين منهم ضابط كبير    الحكومة اليمنية تحظر المظاهرات دون ترخيص مسبق    بقايا وطن..    نعم للمسيرات السلمية المنضبطة.. لا للفوضى    الترب: بحكمة أبناء اليمن سنتجاوز تدخلات دول العدوان    "اليونيسيف" تطلق مبادرة للحد من نقص التغذية في اليمن    المناخ الثوري..    وصول أول دفعة من ستارلينك إلى عدن تمهيداً لتوفير الإنترنت الفضائي بالمناطق المحررة    اللواء ناصر رقيب يشيد بإنجازات القوات الخاصة في مأرب    فتاوى ببلاش في زمن القحط!    تأملات في التأمل    الاعلام الاخضر يحذر: "شجرة الغريب" التاريخية في تعز على شفير الانهيار "تقرير علمي يكشف الاسباب والعوامل ويضع المعالجات"    اللجنة الأولمبية اليمنية تجري انتخابات الطيف الواحد للجنة الرياضيين        وزير الشباب يتفقد الدورات الصيفية بمديرية الحيمة الخارجية في محافظة صنعاء    وزيرا الخارجية والنقل وأمين رئاسة الجمهورية يطلعون على أعمال الترميم بمطار صنعاء    النفط يرتفع بعد محادثات تجارية بين الولايات المتحدة والصين    قراءة نقدية في كتاب موت الطفل في الشعر العربي المعاصر .. الخطاب والشعرية للدكتور منير فوزي    الكشف عن شعار كأس العالم للناشئين 2025    هندي يهاجم وزير المالية بصنعاء ويطالبه التعامل بمساواة    بن بريك لن يستطيع تنفيذ وعوده التي تحدث عنها لصحيفة عكاظ السعودية    اكتشاف رسائل سرية مخفية على مسلة مصرية في باريس    وداعاً...كابتن عبدالله مكيش وداعاً...ايها الحصان الجامح    نساء عدن: صرخة وطن وسط صمت دولي مطبق.!    صبحكم الله بالخير وقبح الله حكومة (أملصوص)    حقيقة استحواذ "العليمي" على قطاع وادي جنة5 النفطي شبوة    أمريكا.. وَهْمٌ يَتَلَاشَى    مرض الفشل الكلوي (4)    البرنامج الوطني لمكافحة التدخين يدشن حملة توعوية في عدن تحت شعار "فضح زيف المغريات"    شركات أمنية رافقت نساء المنظمات والشرعية يوم أمس    تسجيل 17,823 إصابة بالملاريا والأمراض الفيروسية في الحديدة منذ بداية 2025    - كيف ينظر وزير الشباب والرياضة في صنعاء لمن يعامل الاخرين بسمعه اهله الغير سوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية سعودية لبناء قطب إقليمي
نشر في المشهد اليمني يوم 23 - 04 - 2022

تناولت في مقال الأسبوع الماضي، النقاشات الجارية حول تشكل نظام عالمي جديد يقوم على أقطاب عدة، ذات أبعاد إقليمية، وتتشاطر قواسم الجغرافيا والإرث الثقافي والحضاري المشترك. وتناولتُ توفر عناصر بروز قطب دولي على مستوى منطقتنا، بجغرافيا متشابكة تنتشر ما بين شرق المتوسط ومنطقة الجزيرة العربية ودول الضفة الأفريقية المقابلة للبحر الأحمر، وخلصتُ إلى ربط الفكرة برؤية السعودية 2030.
وفي الواقع إن مثل هذه الدراسات الاستشرافية يتم تناولها في دوريات البحث العلمي في الغرب، ونفتقد نحن في منطقتنا لمثل هذا الثراء البحثي الذي يلتقط الأفكار ويعمل على تحويلها إلى مشاريع وبرامج تنفيذية، على الرغم من أن العقد الأخير شهد منتديات ومؤتمرات استراتيجية، تتم عادةً بشراكة مع بيوتات البحث العلمي والخبرة في الغرب.
ومن خلال تتبع ما يُنشر عن الرؤية السعودية، وحوارات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، صاحب الرؤية، والقوة المحركة التي تقف خلف الإنجازات التي تحققت في السعودية خلال السنوات القليلة الماضية، الذي تجشم عناء إزاحة ركام هائل من التحديات، يلاحَظ أن الرؤية ليست محض سعودية، بل إنها رؤية لمنطقة جغرافية أوسع، وبُنيت على أساس رؤى أخرى قدمتها دول المنطقة، وأخذت بجوانب الإيجاب فيها، كما أنها رؤية تتطور باطراد، إذ أعلن ولي العهد السعودي عن التوجه لإعلان الرؤية التكميلية 2040.
وفي مجلس التعاون الخليجي تنتشر رؤى استراتيجية عدة، فلدى البحرين وقطر، رؤية وطنية 2030، ولدى الكويت رؤية 2035، وعمان رؤية 2040، وتجمع الرؤية السعودية حسب تقدير فريدريك شنايدر، كبير الباحثين في جامعة كامبريدج البريطانية، سمات كافة الرؤى الأخرى، مستوعبةً لتحدياتها، وتركز على التخطيط الاقتصادي، والسياسة الصناعية، وسياسة العمل، والإصلاح المؤسسي.
وتتمثل أهداف الرؤية السعودية بتنويع الاقتصاد مع التركيز على التجارة، وتوفير الرعاية الصحية بمعايير دولية رفيعة، وضمان بنية مؤاتية لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، والتنوع من خلال تطوير السياحة وقطاع الترفيه، وتطوير الطاقة الخضراء والحفاظ على الاستدامة البيئية، وتطوير الصناعات عالية التقنية، مثل استخدامات الذكاء الاصطناعي.
ويرى عديد من الباحثين أن الرؤية السعودية تتشارك مع بقية الرؤى في الأهداف الطموحة، وتواجه أيضاً ذات المشكلات نظراً لتشابه ظروف الدول والمجتمعات المستهدَفة، لكن التحديات أمام الرؤية السعودية أكبر وأشمل نظراً لحجم الاقتصاد السعودي ومكانته الإقليمية والعالمية.
رؤية سعودية إقليمية... لماذا؟
عندما يتحدث الأمير محمد بن سلمان حول مرتكزات الرؤية السعودية المتمثلة بالعمق العربي والإسلامي، والموقع الاستراتيجي كحاكم ربط بين ثلاث قارات، وأكثر الممرات المائية حيويةً بالنسبة إلى التجارة الدولية، إضافة إلى توفر القدرات الاستثمارية، فإنه حتماً لا يتحدث عن السعودية فحسب، بل إن حواراته خلال السنوات الخمس الماضية وتعاطيه بشغف مع التطورات الجارية في الإمارات والكويت والبحرين وعمان وقطر ومصر والأردن تؤكد وجود منظور إقليمي في رؤيته.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، يمثل مشروع "نيوم" العملاق بين السعودية والأردن ومصر، ربطاً يتجاوز السياحة، على الرغم من أهميتها الاستراتيجية، ويختصر فكرة تلاقي القارات. ومن هنا فإن فكرة سعي الشرق الأوسط ليكون "أوروبا الجديدة"، التي طرحها ولي العهد السعودي، مبنية على البعد الإقليمي لتشكل قطب في النظام العالمي الجديد.
ولا تختلف هذه الرؤية، مع النقاشات الجارية في الغرب وفي أميركا نفسها التي تدعو إلى ترك الولايات المتحدة للعب دورها القديم كشرطي للعالم، وتطوير آليات أنجع لحماية مصالحها العالمية عبر الشراكات الإقليمية المتعددة وضمن التكتلات الإقليمية. ومن هنا يكثر الحديث في أوروبا عن الحاجة إلى إنشاء منظومة أمنية تحمي المصالح الاستراتيجية الحيوية للاتحاد الأوروبي، بما لا يتناقض مع العلاقات التقليدية مع أميركا، وهذا يدفع باتجاه إفساح المجال واسعاً لشراكات أمنية متعددة في منطقتنا باتجاه تشكل القطب الإقليمي المقبل.
الرؤية... كائن حي
إن المتتبع للأفكار التي يطلقها الأمير محمد بن سلمان، يتحقق من ديناميكيتها وقدرتها على تفريخ كم هائل من الأفكار والرؤى التكميلية، ما يؤكد حيوية رؤية السعودية 2030، الأمر الذي يستدعي من المراكز البحثية في منطقتنا القيام بدراسات استشرافية للرؤية في أبعادها الداخلية والإقليمية، والبحث في مكامن القوة والضعف لفكرة القطبية الإقليمية المقبلة.
وهناك حاجة للتشبيك بين الرؤى الحالية لمختلف الدول، وعدم النظر إليها كجزر مشتتة، ربما من خلال عقد سلسلة مؤتمرات إقليمية لبحث القواسم المشتركة بين الرؤى في دول مجلس التعاون، والرؤى في دول المنطقة المستهدَفة مثل مصر والأردن وجيبوتي، وهي دول تشهد استقراراً نسبياً ولديها رؤاها الاستراتيجية، إضافة إلى تقييم وضع الدول الأخرى في المنطقة، بما في ذلك اليمن الذي يمر اليوم بوضع عصيب، ولكنه سرعان ما سيخرج منه بعد انضمامه إلى قطار السلام وإلى الركب الإقليمي ويشكل رافداً بشرياً وعمقاً استراتيجياً له.
ويتوجب على مراكز البحث العلمي إجراء دراسات معمقة للرؤية السعودية والأفكار التي أطلقها ولي العهد، في ما يتصل بانتقال المنطقة من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة، ما سيتطلب من دول المنطقة أن تقف في وجه المنافسة العالمية، واستخدام عناصر قوتها البشرية والبيئية والجغرافية.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، يُفترض بدول المنطقة وهي تتجه لتشكل القوة الإقليمية الصاعدة، أن تمحص مشاريع القوى الأخرى، وتضعها في ميزان مصالحها الاستراتيجية الحيوية، واستفادة دول المنطقة التكاملية منها، مثل مبادرة "الطريق والحزام" التي تطرحها الصين، وغيرها من الأفكار التي قد تأتي من الشرق أو من الغرب، فلطالما عُرفت منطقتنا ببراعتها في التجارة التي حملت قيمنا إلى العالمية.
ومثلما كانت بغداد والقاهرة ودمشق حواضر للنشاط التجاري خلال القرون الوسطى، يتم فيها تبادل أشكال التجارة والمنافع مع الشرق والغرب، يمكننا إعادة إنتاج تلك الشخصية التي سحرت العالم. ويمكننا اليوم تحقيق ذلك من خلال التركيز على مكامن قوتنا، مثل تطوير السياحة الطبيعية والثقافية والبيئية في عمان والسعودية واليمن، أو تطوير المنتجات المالية المتخصصة على غرار الصيرفة الإسلامية والتكافل في البحرين، أو تطوير أرقى الجامعات العالمية في السعودية على غرار جامعة الملك عبد العزيز في جدة، وجامعة الملك فهد في الظهران، وتطوير الاقتصاد المعرفي والبحث العلمي، وتعميق الحرية الأكاديمية.
استنهاض مكامن القوة
في أبريل (نيسان) 2019 كنت ضيفاً على المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية الكويتية، حيث كان لي شرف الحديث مع مدير المعهد، وهو شخصية دبلوماسية وأكاديمية عاصرت جزءاً مهماً من تاريخ الكويت الحديث. وخلال حديثنا قدم لي شرحاً عن رؤية آل الصباح للكويت، وهي رؤية تقوم على أساس التجارة والانفتاح على الآخر لتسهيل تلك التجارة والاستفادة المتبادلة من منافعها وأرباحها، ووجدتُ أنها هي ذاتها الرؤية اليمانية الحضرمية للتجارة التي انتشرت عميقاً في شرق آسيا وأفريقيا، وهي ذات الرؤية التي حافظت على الكويت على الرغم من صنوف الدهر.
ومن أجل استنهاض مكامن القوة في رؤية السعودية 2030 وأبعادها الإقليمية، ينبغي الإمساك بمقومات الازدهار، وهي تتركز في تقوية الأسس القانونية والتشريعية للحكم الرشيد، وهذه زاوية أخرى من الأفكار التي أطلقها ولي العهد السعودي لمكافحة الفساد، وزيادة الشفافية، والمساءلة، والإصلاح المؤسسي، وهي ثوابت مهمة في الرؤية السعودية ينبغي تعميقها على مستوى دول الإقليم مجتمعةً.
ومع تنفيذ الإصلاحات سيتدفق الاستثمار الخارجي المباشر ليرفد القدرة الاستثمارية الكامنة في المنطقة، وسيتسابق الجميع للاستثمار في منطقة واعدة، تتوفر على كل مكامن القوة والنجاح للتحول إلى أوروبا الجديدة. إن رؤية السعودية 2030 اليوم هي رؤية سعودية، ولكنها تنظر إلى أفق أوسع تقود من خلالها المملكة مجمل دول الإقليم نحو قطبية جديدة في نظام عالمي يتشكل الآن. فلنسع جاهدين وراء حلم يستنهض طاقاتنا وينطلق بنا إلى فضاءات من الابداع والازدهار وتحقيق الأمن والاستقرار لشعوبنا، ويحول طاقاتنا المهدورة اليوم إلى قوة دافعة للإسهام في رخاء البشرية.
نقلًا عن "إندبند نت"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.