أرسل السجين اليمني «أحمد الجلاوي» من وراء جدران سجن جو في البحرين الذي يقضي عقوبة السجن المؤبد عن جريمة قتل اليمني «عدنان» مناشدات عديدة إلى أكثر من جهة يطالب فيها بإصدار عفو، بعد 7 سنوات قضاها في السجن، وبعد أن دفع لأسرة القتيل الدية الشرعية وقدرها 7 ملايين ريال يمني (تعادل حوالي 14 ألف دينار بحريني)، وتم توثيق (تعميد) ذلك في المحكمة الخاصة في مدينة تعز التي ينتمي إليها القتيل. وقدم شقيقه الذي يقيم ويعمل بالبحرين أصل وصورة لوثيقة تقديم الدية الشرعية التي أقرها المحكمون، والتي تضمنت أسماء المستفيدين بها وهم زوجته وأولاده القصر. وقال إننا نناشد للإفراج عن شقيقنا بعفو شهر رمضان المبارك، وخاصة أن الشرع ينهي ما يترتب من أحكام إذا تنازل أولياء الدم. وأضاف: لقد أخطأ أخي ودفع ثمن غلطته مرتين مرة من عمره ومرة أخرى من مال الأسرة التي ضحت بكل شيء من اجل جمع مبلغ الدية، والتي كانت وراء جمعها أمنا المريضة التي تتمنى أن ترى ابنها بأي ثمن وهي على فراش المرض. قصة الجريمة الجريمة وقعت في البحرين في مساء ليلة الجمعة الثاني من فبراير 2007، وبدأت خيوطها تتكشف أمام الشرطة عندما تم العثور على جثة المجني عليه في سيارته، بمواقف السيارات أمام مجمع مدينة عيسى التجاري. وعندما جاءت الشرطة عثرت في السيارة على أوراق مبعثرة على الأرض ومن بينها سند دين باسم شخص يدعى (أ.س). وعلى الفور بدأت المعلومات تتوافر عن القتيل، فهو مقيم عربي في الثلاثينات من عمره، كان يعمل موظفا في إحدى الجهات البحرينية منذ حوالي عشرة أعوام، وخلال هذه السنوات استطاع أن يكون ثروة هائلة جعلته مستثمرا وصاحب فندق في بلده التي كان يزورها من آن لآخر. كان القتيل - كما أفادت المعلومات المتوافرة عنه من الشهود - يقرض الناس بالربا وكان يبدع في أساليبه الربوية، فكان على سبيل المثال إذا أراد شخص أن يقترض منه مبلغ 500 دينار يبيعه بطاقات للهاتف بنفس الرقم ويأخذ عليه إيصال أمانة بقيمتها، وبعد توقيع الإيصال يشتريها منه نقدا ب480 دينارا فقط، على اعتبار أن الفرق هو فائدة الدين، وإذا لم يسدد المبلغ تكون هناك فائدة شهرية، وعندما تم تفتيش بيته وجدت عشرات السندات الخاصة بالمدينين له. كان القتيل أيضا يشتري أدوات كهربائية نقدا ويبيعها للراغبين بالتقسيط مع إضافة الفوائد بطبيعة الحال، وفي بعض الأحيان ولكي يضمن حقه كان يشترط على بعض الراغبين في الاقتراض منه أن يمنحوه بطاقات الصراف الآلي الخاصة بهم والرقم السري، ليقوم في بداية الشهر بسحب رواتبهم فيأخذ منها قسط الدين ويعطيهم الباقي!! ولذلك وجدت في بيته أكثر من 20 بطاقة صراف آلى بأسماء مختلفة تبين لرجال المباحث أنهم جميعا كانوا مدينين له. قصة حب غامضة في رحلة البحث عن الجاني في أي جريمة قتل من الطبيعي أن يتم السعي لمعرفة المستفيد من قتل المجني عليه أو من يملك الدافع لقتله، وفي هذا السياق أشارت جميع أصابع الاتهام إلى شخص من نفس جنسية القتيل، فقد نشأت بين القتيل وبين زوجة هذا الرجل قصة حب، وتطورت القصة إلى حد طلبها الطلاق من زوجها وقد سافرت إلى بلدها حيث تبعها القتيل وتزوجها هناك منذ أشهر، ثم عاد إلى البحرين وبدأ يؤثث لشقة كانت ستصبح شقة الزوجية له، وكان الكل يعرفون بهذه التفاصيل بمن فيهم زوجها السابق، الذي اضطر إلى إرسال أطفاله الى والدته في بلدهم لتربيتهم. ومن سوء حظ هذا الرجل أنه تغيب لفترة في نفس ليلة الجريمة عن نوبة عمله، وفشل في إثبات وجوده في أي مكان آخر في تلك الفترة مما دعم الشكوك فيه ولذلك كان من الطبيعي أن يتم توقيفه وإحالته الى النيابة التي أمرت بحبسه احتياطيا. الرقم المجهول استمر رجال المباحث الجنائية في البحث عن الأرقام المسجلة على هاتف المجني عليه الصادرة منه، وكان من بينها رقم اتصل به قبيل مقتله بحوالي ساعة ونصف وكلما تم الاتصال به من قبل رجال المباحث كانوا يجدونه مغلقا، وزاد من تعقيد الأمر أن الرقم كان غير مسجل في سجلات الشركة باسم أحد، لأنه يعتمد على الكروت المدفوعة مسبقا، ورغم هذا استمرت محاولات الاتصال إلى أن رد الرقم بعد عدة أيام فطلبوا منه أن يحضر إلى إدارة المباحث والأدلة الجنائية فوافق. وفي الموعد المحدد حضر الرجل وبمجرد أن رآه أعضاء فريق البحث الجنائي يدخل عليهم المكتب زادت شكوكهم فيه، لأسباب عديدة أولها الملامح العامة لقوامه، فبمراجعة شريط المراقبة لمركز مدينة عيسى تبين أن السيارة التي كان بها القتيل، كانت قد توقفت في الموقف حوالي الساعة الثامنة وثلاثة دقائق، وكان هناك شخص يقودها، وقد نزل منها هذا الشخص، وقام بفتح الصندوق وأخذ يبحث عن شيئ ما، وبسبب الظلام لم تكن رؤية ملامح وجهه بوضوح ممكنة، لكن ملامح جسده ومشيته الرياضية تشبه هذا الرجل إلى حد كبير، هذا من ناحية، أما ما دعم الشكوك فكان اسم هذا الرجل والذي يبدأ بالحرفين (أ.س) وهو نفس الاسم الذي كان موجودا في سند الدين والذي تم ضبطه على أرضية السيارة بمعرفة رجال الشرطة. بمجرد جلوسه على المقعد بدأت عن كل هذه الحقائق، ولوحظ وجود آثار جرح بين السبابة والإبهام في كلتا يديه، بما يتناسب مع حجم الحبل الذي تم خنق الضحية به، وقد تمت محاولة لإخفاء الجرح في اليدين عن طريق الكي او الحرق بمكواة، وكانت مواجهته بكل تلك الحقائق بمثابة صدمة بالنسبة له، فقد أدرك أنه لا معنى للإنكار، ولذلك سرعان ما انهار وأدلى لرجال المباحث باعترافات كاملة. سيناريو الجريمة اعترف القاتل بالفعل بأنه يعمل سائقا لرجل مهم، وبأنه استدان من القتيل مبلغ خمسمائة دينار وكتب له السند الذي تم العثور عليه في أرضية السيارة، وأنه رد له أجزاء من المبلغ فكان يفاجأ بأن القتيل يعتبرها فوائد الدين وأن المبلغ الأصلي يظل كما هو، ولذلك بدأ يشعر بالضيق خاصة وأنه وضع عنده جواز سفره، بناء على طلبه ليضمن رد المبلغ، وقد تعرض لأزمة عندما أخبره الرجل الذي يعمل لديه بأنه سيسافر إلى السعودية وطلب منه جواز سفره لاستخراج تأشيرة للسفر، وقد بذل جهودا جبارة وساق وساطات عديدة لإقناعه باسترداد جواز السفر لإجراء تلك السفرة، ووافق على منحه الجواز بشرط أن يرد المبلغ إليه بعد أسبوع فوافق رغم علمه بأنه لن يستطيع ان يرد المبلغ. وعندما حان الموعد بدأ القتيل يهدده بأنه سيذهب للرجل المهم الذي يعمل لديه ويطلعه على سند الدين ويطلب منه أن يعطيه المبلغ، وهنا أحس القاتل بالخطر وأن أزمة الدين هذه لابد أن تنتهي بأي وسيلة لأنها قد تؤدى الى حرمانه من العمل لدى كفيله. لذلك اتصل به واتفق معه على أن يلتقي به في المنامة، ويحضر معه سند الدين لأنه سيرد إليه المبلغ كله الليلة، وبالفعل ذهب الرجل إلى الموعد بعد أن وضع في جيبه سكينا، وعقد العزم في نفسه على أنه لا بديل أمامه سوى استرداد السند في هذا اليوم بأي ثمن. التقى الرجل بالمرابي وبمجرد ان جلس في سيارته، دار بينهما حديث لدفع جزء من الدين، لكن المرابي أصر على أن يتم دفع المبلغ كاملا، فأدخل المتهم يده في جيبه وأخرج السكين ووضعه على رقبته، وطالبه بسند الدين بعد أن أخبره بأن حياته كلها في كفة والسند في كفة أخرى، وطلب منه التوجه الى موقف أحد المولات التجارية وهناك واصل تهديده فرفض المرابي الامتثال للتهديد، نظر القاتل بين المقعدين فوجد حبلا فأخذه ولفه حول عنق القتيل، وأكد له إنه إذا لم يناوله السند الآن فسيقتله على الفور لأنه لم يعد لديه بديل عن ذلك، والغريب أن المرابي لم يبد أي مقاومة ربما لضآلة جسده ونحوله، أو لأنه لم يكن يصدق أن الرجل يمكن أن ينفذ تهديده، لذلك استمر على رفضه للتهديد، وهنا أخذ القتل يخنق المرابي بقوة، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، وعندما تأكد من وفاته نزل من السيارة ودفع جثمان المرابي ليجلسه في المقعد المجاور وقام بتشغيل السيارة، وسار بها يبحث عن مكان خال لترك السيارة، وهداه تفكيره إلى أن يأخذ السيارة إلى موقف السيارات المواجه للمركز التجاري لمجمع مدينة عيسى، وهناك أوقف السيارة وأخذ يفتش عن السند الذي كان يبعد عن أصابعه سنتيمترات قليلة لكن التوتر حال بينه وبين أن يراه، ثم نزل من السيارة وفتح الصندوق الخلفي وأخذ يفتش فيه، وعندما يئس من العثور على سند الدين أغلق السيارة وتوجه لركوب تاكسي يبعده عن هذا المكان. موقع بوابة البحرين