كتداعيات إضافية لانقلاب الحوثيين وتعثر مساعي التوصل لتسوية سياسية تنهي حالة المراوحة القائمة في الأزمة اليمنية، تعثرت مساعي الكثير من اليمنيين المشتغلين بمهن غير نمطية في الاحتفاظ بمصادر دخل آمنة من جراء تقليص الكثير من الشركات والمؤسسات الخاصة لنفقاتها التشغيلية وتسريحها للعديد من موظفيها، لمجابهة حالة طارئة من الركود فرضها التصعيد المطرد للأوضاع السياسية والأمنية في البلاد. وتسبب إغلاق معظم السفارات والممثليات الدبلوماسية العربية والأجنبية مقراتها في العاصمة صنعاء والانتقال بشكل مؤقت إلى عدن في فرض تداعيات ذات طابع مزدوج، تجاوزت تبعاتها المؤثرة مجرد تضييق الخناق وفرض عزلة سياسية على جماعة الحوثي الانقلابية إلى تقويض هامش الاستقرار المعيشي النسبي للعديد من اليمنيين المشتغلين في مهن ذات طابع لوجستي وخدمي، ترتبط بشكل عضوي بانسيابية انشطة البعثات الدبلوماسية العاملة في البلاد. تداعيات مزدوجة وعبّر سعيد عبدالقادر المقطري وهو موظف في منتصف الثلاثينات من العمر، ويعمل في مكتب تجاري متخصص في إنجاز المعاملات المتعلقة برحلات الحج والعمرة عن حالة من السخط المشوب بالقلق يتشاطرها معه العديد من زملائه الذين يعملون في مكاتب مماثلة وفقدوا وظائفهم من جراء اغلاق السفارة السعودية بصنعاء أبوابها وانتقالها إلى عدن، وما ترتب عن ذلك من تداعيات تمثلت في تقليص هذه المكاتب الخدمية لأعداد موظفيها كجزء من تدابير اضطرارية تستهدف الحد من النفقات. واعتبر المقطري أن معاناته وزملاءه الذين فقدوا وظائفهم ومصادر دخلهم الآمنة تمثل جزءاً قاتماً من تداعيات إنسانية فرضها بشكل قسري حالة الضعف والخور الذي تعانيه الدولة والتي افضت بالضرورة إلى انهيار مؤسساتها وحفز جماعة مسلحة على بسط سيطرتها بقوة السلاح على العاصمة ومعظم المحافظات الشمالية والإضرار بالكثير من المصالح العامة والخاصة. في غمرة إحساس قاتم مفعم بالظلم والقهر والانكسار النفسي تتساوى كافة أطراف الأزمة السياسية العاصفة والقائمة في البلاد في نظر الكثير من المتضررين البسطاء في تحمل مسؤولية التداعيات النفسية والإنسانية والمعيشية التي ترتبت عن الانهيار المروع لمؤسسات الدولة، وهو ما عبر عنه الكثير من اليمنيين الذين حولتهم هذه التداعيات من موظفين وعاملين في مؤسسات خاصة تقدم امتيازات مالية نوعية إلى عاطلين عن العمل ومجرد أرقام إضافية في سجل البطالة المتنامي في اليمن. وحمّل حسين عبدالتواب الردمي وهو شاب يبلغ من العمر 30 عاماً، وكان يعمل "معقباً إدارياً"، يضطلع بمهام إنجاز المعاملات المالية والإدارية الخاصة بإحدى الشركات النفطية الأجنبية قبيل أن يتم الاستغناء عن خدماته وتسريحه من العمل من جراء إغلاق الشركة لمقرها في اليمن، بسبب تصاعد الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد، حمّل زعيم جماعة الحوثي والرئيس هادي والرئيس السابق صالح والحكومة المستقيلة وقيادات الأحزاب الرئيسية مسؤولية الأضرار النفسية والمعيشية التي تعرض لها، عقب فقده لوظيفته معتبراً أن كافة هذه الأطراف أسهمت في تأزيم الأوضاع في البلاد وخلق المزيد من التعقيدات في حياة المواطنين البسطاء نتيجة الصراع على السلطة . تراجع رمزية الدولة على هامش الأزمة السياسية المتصاعدة في البلاد كنتاج لانقلاب الحوثيين وانهيار مؤسسات الدولة، يصطف الكثير من اليمنيين كضحايا جدد لتداعيات حالة مزمنة من عدم الاستقرار السياسي أفرزت في نهاية المطاف خريطة من الفوضى والانقسام والتراجع المروع لرمزية الدولة ودورها المفترض في حماية مصالح رعاياها. وأكد رئيس مركز بحوث التنمية الاقتصادية والاجتماعية مرزوق عبد الودود محسن أن تصاعد تداعيات الأزمة السياسية الطارئة وغير المسبوقة في البلاد تسبب في المزيد من التفاقم لحدة المشكلة الانسانية والاقتصادية في اليمن، مشيراً إلى أن الانخفاض الكبير في حركة النشاط الاقتصادي من جراء توقف الكثير من المشروعات الاستثمارية وهروب عدد من الشركات والمؤسسات الأجنبية ورؤوس الأموال المحلية إلى خارج اليمن، واضطرار العديد من الشركات والمؤسسات التجارية الخاصة إلى تعليق أنشطتها أو تقليصها إلى الحد الأدنى، تسبب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية في البلاد نتيجة تسريح الكثير من الموظفين والعاملين المحليين للحد من النفقات والذين كانوا يتمتعون بأوضاع معيشية مستقرة .