تضاءلت آمال اليمنيين في أن يحقق لقاء جنيف، ما يمكن أن يحققه من نتائج تخفف من أزمتهم وإيقاف القتال الدائر في بلادهم، إثر البداية المتعثرة للمشاورات والتهديدات التي كادت تعصف باللقاء قبل أن يبدأ، رغم أن المطالب الملحة الماثلة أمام اللقاء هي إيقاف القتال وانسحاب القوات المتصارعة من المدن والشروع بالحوار بين القوى السياسية، وهي أمور رهن طرف واحد في الأزمة هو تحالف جماعة الحوثي والرئيس المخلوع علي صالح. كانت إشكاليات التمثيل السياسي وآلية الحوار المفترضة في اللقاء، الحجة التي تمترست خلفها جماعة الحوثي، وكادت تحول دون القبول بالمشاركة، غير أن دبلوماسية المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، أنقذت الموقف حينها، بالرغم من أن الالتباس ظل قائماً حيال هذه الأشكاليات. يمكن القول إن جماعة الحوثي خاضت هذه المعركة بغية ألا يوسم وفدها إلى جنيف بالطرف المتمرد أو المعارض، وبالتالي عدم توصيف الجماعة بالانقلابية والمتمردة، وحتماً لم يكن هدفها عرقلة لقاء جنيف، فسياسياً وإعلامياً الجماعة بحاجة لهذا المنبر. من الصعب التكهن بمآلات الوضع بعد الحوار أو التفاوض في جنيف والبدائل المرجحة إذا فشل، بيد أنه من الواضح أن الأمر لن يبتعد عن التوجهات المعبرة عنها المواقف والتصريحات السابقة للمتحاورين، فالوفد اليمني القادم من الرياض أعلن تمسكه بشرعية الرئاسة والحكومة اليمنية والانخراط في لقاء جنيف بمرجعية قرار مجلس الأمن الدولي 2216 ونتائج مؤتمر الحوار الوطني، بينما كانت جماعة الحوثي، وبالتالي جناح صالح في حزب المؤتمر الشعبي العام، ترى أن الحوار في جنيف هو امتداد لحوار القوى السياسية الذي رعاه المبعوث الأممي السابق جمال بنعمر، والذي انقطع إثر العمليات العسكرية لدول التحالف. وفي الطريق إلى جنيف تميز موقف الحزب الاشتراكي اليمني، الذي أوضح أنه وفد مستقل يجب ألا يحسب على مجموعة المكونات السياسية في صنعاء، وبالتالي ليس محسوباً على حلف الحوثي وصالح، إلا أن مثل هذا الموقف قد لا يكون مؤثراً أو ضاغطاً في توجيه حوار لقاء جنيف، بناء على خلفية المواقف والرؤى السابقة للاشتراكي، التي لا تلتقي وتصطدم مع رؤوس الصراع والقتال في البلاد. وخلال الأيام الماضية تصاعدت المطالب من قبل الأطراف السياسية، لأن يكون لقاء جنيف مفصلياً في الأزمة اليمنية ويحقق انتقالة حقيقية نحو خيار الحل السلمي، بعد أن فشل خيار الحل العسكري في حسم الموقف الملتهب في البلاد. وخلف كل المواقف السياسية للأطراف المرتبطة بالأزمة اليمنية، تختبئ وراء الكواليس مواقف واستعدادات بديلة، إذا ما فشل لقاء جنيف، بالتزامن مع سعي تلك الأطراف، اليمنية والإقليمية والدولية، للاستفادة في الوقت نفسه من اللقاء. وعليه فإن من المرجح أن لدى طرفي الأزمة والقتال ومن يقف خلفهما، إقليمياً ودولياً، الخطة البديلة «B»، وهنا تكمن الخطورة في المشهد اليمني، لأن ذلك سيفضي لتوسيع رقعة القتال وتعميق الأزمة، خاصة أن الطرفين لم يلوّحا باستعدادهما لتبادل التنازلات، وتمترسا خلف مواقفهما المتصادمة. ولأن المشهد السياسي والعسكري في اليمن يبدو ضبابياً، ستظل التحركات العملية على الأرض هي الفاعلة والموجهة للأحداث سياسياً وعسكرياً. فسياسياً، ورغم أن مؤتمر الرياض استكمل دوره في تشكيل جبهة الشرعية، إلا أنه لم يستطع تصعيد هذا الدور، كما كان مؤملًا منه سياسياً وعسكرياً، فيما تمترست جبهة الانقلاب والتمرد خلف مسعاها في السيطرة على الأرض عسكرياً، فضلاً عن مسار سياسي تحدثت عنه شخصيات جنوبية مقربة من جماعة الحوثي يقوم على نتائج لقاءات مسقط، التي ما زالت غامضة، ويصب في فرض واقع سياسي جديد، يتكئ على معالجة ما للقضية الجنوبية، كمخرج اضطراري لتورط جماعة الحوثي في الجنوب. وعليه، لا يبدو لقاء جنيف سوى محطة في مسار البحث عن حل للأزمة اليمنية، وقد يكون بإمكان مخرجاته أن تُسكّن المشهد العام في اليمن وتفرض هدنة إنسانية، يمكن البناء عليها لاحقاً، خاصة إن جبهة الشرعية لم تصل بعد إلى إدارة الأمور على الأرض، ولو في مساحة جغرافية محدودة، بالمقابل تستمر المقاومة في أخذ طابعها الشعبي والقبلي والجهوي، بينما جبهة الانقلاب تسيطر وتقاتل رغم فقدانها للشرعية. انسحبت أنظار المتابعين للشأن اليمني منذ مطلع الأسبوع المنصرم ناحية المعركة السياسية والإعلامية بين طرفي الصراع حول المشاركة في لقاء جنيف، على حساب التطورات الميدانية العسكرية في مناطق المواجهات المسلحة واستمرار الضربات الجوية لدول التحالف على الأهداف العسكرية لقوات صالح وميليشيا الحوثي، بالتزامن مع المواجهات المسلحة على الحدود اليمنية السعودية. ورغم أن الأمر بدا منفصلاً بين الحراك السياسي نحو جنيف والحراك العسكري على الأرض، إلا أن السعي لتحقيق انتصارات عسكرية من قبل الحوثي وصالح، كان هدفاً أساسياً لهما، لتعزيز تلك الانتصارات، إذا ما تحققت، موقفهما على طاولة «المفاوضات»، بينما كانت المقاومة تتصدى لميليشيا وقوات الانقلابيين والمتمردين، وتتبادل معها السيطرة على المواقع في عدد من الجبهات وتسيطر في جبهات أخرى. لكن بالمقابل برز حدثان عسكريان مهمان من شأنهما المساهمة في قلب موازين القوى على الأرض لمصلحة المقاومة الداعمة للشرعية ضد مليشيا الحوثي وقوات الرئيس المخلوع صالح، أولهما تمكن المقاومة انطلاقاً من ريف محافظة تعز، من السيطرة على العديد من المواقع الهامة في مديرية الضباب بعد تحرك لواء عسكري موال للشرعية، زودته قوات التحالف بأسلحة نوعية خلال الأسابيع الماضية، وثانيهما استمرار تصعيد عمليات المقاومة الناشئة في إقليم آزال، الذي يضم صنعاء، بعد أيام من إعلان مقاومة الإقليم استعدادها لمواجهة الميليشيا الحوثية وحلفائها. وكان اللواء العسكري تمكن بعد معارك شرسة، خاضها ضد المتمردين من السيطرة على العديد من المواقع المهمة في مديرية الضباب في الطريق إلى عاصمة المحافظة مدينة تعز، التي تحمل الاسم نفسه، ومن المتوقع من اللواء أن يتمكن من فك الحصار عن المدينة، وفقاً لما خُطط له عسكرياً. وفي سياق المشهد العسكري تظل معركتا مدينتي عدنوتعز، الأهم لطرفي الأزمة والقتال، ومن شأن حسمهما أن يساهم في نقل المشهد العسكري والسياسي إلى منطقة متقدمة، ستحدد المقدمات للمآل الذي ستكون عليه اليمن لاحقاً. إلا أن الثابت، كما أكدت وتؤكد التطورات، إن ليس بمقدور طرف بمفرده أن يحكم البلاد، ما يعني أن شراكة ما يجب ان تتأسس لإدارة هذه البلاد المنفلتة، إذا ما اقتنع سياسيوها بضرورة إيقاف نزيف الدم، والكف عن تدمير مقدراتها ومعالجة قضاياها الرئيسية بواقعية وعقلانية.