في كل ساعة تمر من ساعات الهدنة التي تجري منذ منتصف ليلة الأمس الثلاثاء تزداد – وبشكل مضطرد – نسبة انهيارها، على وقع المستجدات على الساحة اليمنية والحدود السعودية. وبمجرد أن حلت اللحظات الأولى للهدنة حتى توالت قذائف مدفعية الانقلابيين وصواريخهم باتجاه عدد من مناطق التماس مع قوات الشرعية، أو قوات التحالف العربي، منها ما جاء على لسان الناطق باسم مقاومة صنعاء الشيخ عبدالله الشندقي خلال منشور قال فيه ان مليشيات الحوثي قصفت مواقع الجمايم وجبل المناره وجبل عيده وجبل المنصاع وجبل سحر ومواقع ملح في مديرية نهم، خلال الساعة الأولى لسريان للهدنة، ومؤكداً على التزام القوات الشرعية بوقف إطلاق النار، تنفيذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، وهو ما أكّده هادي خلال لقائه بالمبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ.
الحوثيون من جانبهم لم يبدوا أي التزام جدي بالهدنة، بل إنهم وبحسب تقرير للجان المراقبة التابعة لقوات التحالف قاموا بأكثر من 43 محاولة اعتداء تركزت على الشريط الحدودي، وتحديداً في منطقتي نجران وجازان، وهو ما أكده الناطق باسم قوات التحالف اللواء أحمد عسري، والذي أضاف بدوره أن إحدى المحاولات تسببت في مقتل مواطن سعودي وابنته، ومحذراً في ذات السياق من مغبة تمادي الحوثيين في اعتداءاتهم.
ويبدو أن الانقلابيين اطمأنوا الى حرص قوات التحالف وقوات الجيش الوطني على الالتزام بالهدنة المعلنة والتجاهل التام لقذائف ونيران المليشيا، ما دفعهم الى إطلاق صاروخ "باليستي" مساء اليوم الأربعاء باتجاه محافظة مأرب، قبل أن تنجح منظومة الباتريوت في صده.
ورفع عدد من المهتمين بالشأن اليمني صفارات الإنذار بإمكانية قيام التحالف العربي بإعلان انهيار الهدنة وإعادة العمليات العسكرية الى حيز التفعيل، خصوصاً بعد تحذير اللواء عسيري بأن صبر التحالف والشرعية قد بدأ بالنفاد، وبأن الهدنة قد تنهار في أي لحظة اذا استمرت الخروقات.
أما الحوثيون فيبدو أنهم أوفياء لطبائعهم وما عرف عنهم من التنصّل من أي التزامات أو اتفاقات مع كل الأطراف التي أبرمت معاهدات معها، لم يكن أولها خرق بنود الاتفاق الذي أبرموه صباح أحد الأيام مع اللواء حميد القشيبي بعمران قبل أن يفاجئوا حراسات المعسكر بعملية اجتياح كبير مع ساعات المساء، وليس مروراً باتفاق السلم والشراكة الموقع في صنعاء عقب الانقلاب، قبل أن يقوموا بشن حرب شعواء واجتياح واسع للمدن اليمنية حتى وصلوا برشاشاتهم أقصى جنوب الجزيرة في مدينة عدن، رافق ذلك إقصاء وتهجير عدد كبير من النخب السياسية والناشطين الحقوقيين والمدنيين ممن يرفع صوته ضد هذا التوسع المسلح، وليس انتهاءاً بالصاروخ الذي أسقطه الباتريوت المأربي قبل ساعتين أو تزيد قليلاً.
كل تلك الخروقات، وكل ذلك التحلل من المعاهدات والاتفاقات يوضّح مدى التحلل الأخلاقي للمليشيا، وكيف أنها لا ترتدع من أي معيار إنساني أو عرف مجتمعي، أو التزام ديني تجاه أي طرف كان، يدفعها في ذلك "الشبق" الطاغي للسلطة وللثروة وللعبيد.