الأطفال النازحون من المديريات الحدودية بمحافظة حجة.. وجه آخر لمعاناة إنسانية تتنوع فصولها، فبعد أن إغتالت الحرب المئات منهم، اغتيلت طفولة آلاف آخرين بحرمانهم من حقهم في التعلم والصحة والعيش في بيئة آمنة. ولقد عاشت محافظة حجة (شمال اليمن) أكبر موجة نزوح على مستوى الجمهورية حيث بلغ عدد النازحين فيها نحو نصف مليون نازح من المديريات الحدودية التي تشهد مواجهات مستمرة منذ أكثر من عام ونصف جراء المواجهات على الحدود التي حولت مدنها وقراها إلى أرض محروقة. وتعج مخيمات النازحين بمديرية عبس بأطفال في عمر الزهور فروا من المديريات الحدودية مع أسرهم خوفاً من الموت فوجدوا أنفسهم يواجهون الموت البطيء في مخيمات خالية من الماء والغذاء والدواء الكافي، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في ظل شح المساعدات الإنسانية. في مخيم "المنجورة" الواقع شمال مديرية عبس والذي يبعد جنوباً عن مديرية حرض الحدودية نحو30 كيلومتراً, يقطن أكثر من عشرة آلاف نازح في وضع معيشي وصحي مأساوي، يعانون من نقص حاد في الغذاء والدواء ومياه الشرب النظيفة، في مخيم يفتقر إلى أدنى معايير السلامة ومقومات الحياة. يقول أحد شباب المخيم- رفض الكشف عن إسمه- ل"المشهد اليمني" إن ضعف الخدمات الإيوائية والطبية سببٌ رئيس في تدهور الوضع الصحي للأطفال، مشيراً أنه لا توجد دورات مياه مغلقة وصحية، بل ما يتوفر هو حمامات مكشوفة تساعد على نقل الجراثيم والعدوى وتلويث الهواء. وأكد أنهم في مخيم "المنجورة" والمخيمات الأخرى بمديرية عبس يعانون من وضع صحي متدهور؛ بسبب انتشار الأمراض لدى النازحين، كما أن معظم أطفالهم يعانون أمراضاً معدية وخصوصاً في فصل الشتاء. وتقول النازحة خديجة (42 عاما) التي وجدناها تطبخ وجبة الغداء على الحطب جوار خيمتها :"أطفالي يتضورون جوعاً, ليس لدينا طعام كاف ولا حطب للتدفئة والشتاء بارد جدا ولا يحتمل والخيام التي نقيم فيها سيئة جدا، فهي لا تقينا حر الصيف ولا برد الشتاء، والخدمات الطبية قليلة جدا بل تكاد أن تكون معدومة. "ربنا ينتقم ممن تسبب في إيصالنا الى هذا المكان وحولنا من أعزاء في مدينتنا إلى لاجئين ذليلين ننتظر الفتات لنقتات به"، تردد باستمرار فاطمة والقهر مرتسم على ملامحها وتضيف : "بعد أن اشتد القصف على مدينتنا لم يعد لدينا خيار سوى ترك منزلنا والنجاة بحياتنا. وتضيف بأسى: "أقوم باحتضان أطفالي أحمد ومحمد كل ليلة في محاوله يائسة لتمرير الدفء إلى أجسادهم النحيلة، التي لم يملأها طعام كاف أو لباس واق، فالبرد قد نخر عظامهم وهناك شح كبير في الحطب الذي إرتفعت أسعاره حيث وصل سعر الحزمة الواحدة إلى 200 ريال يمني. أثناء تجولنا في أرجاء المخيم المترامي الأطراف, وجدنا طفلاً لا يتجاوز عمره 5 أعوام وهو يحاول أن يروي عطشه من إحدى الخزانات التي وزعتها إحدى المنظمات في المخيم وكانت توفر فيها المياه الصالحة للشرب إلا أنها قطعته عنهم منذ نحو شهرين لأسباب غير معروفه مافاقم معاناتهم في الحصول على مياه شرب نظيفه وجعل الأطفال يذهبون في رحلة طويلة وشاقة كل صباح للبحث عن الماء. أبو أحمد، أحد النازحين من مدينة حرض الحدودية،وجدناه أمام خيمته وسألناه عن أحواله فقال: كنا ملوكاً في مدينتنا قبل أن تتحول الى منطقة عسكرية فحملنا معنا ماخف حمله على أمل العودة القريبة ومنذ عام ونصف أعيش مع أطفالي الخمسة وأمهم في هذه الخيمة المهترئة التي لاتقيهم حر الصيف ولابرد الشتاء. ويضيف ودمعة قهر تفر من عينيه: "لقد بعت جميع مصوغات زوجتي الذهبية التي كانت تفاخر بها بين النساء، بغرض الحصول على الطعام، فأنا هنا عاطل عن العمل وليس هناك ما يساوي دموع أطفالك حين تراهم جوعى، وأنت غير قادر على جلب الطعام لهم. وينذر الوضع في المخيم، بكارثة بيئية وصحية بسبب انتشار البعوض في المستنقعات القريبة من المخيم، وانتشار أمراض خطيرة كالملاريا والكوليرا وحمى الضنك والبلهارسيا والسعال الديكي مما يهدد حياة آلاف الأطفال، ناهيك عن سوء التغذية بسبب النقص الحاد في الغذاء والدواء. وتعتبر محافظة حجة الثانية على مستوى اليمن من حيث سوء التغذية بحسب التقارير الصحية حيث بلغت حالات سوء التغذية الحاد المرصودة في المحافظة قرابة 100.000 حالة من شريحة الأطفال دون سن الخامسة وتشكل هذه الشريحة ربع سكان المحافظة. ودعت منظمة "سياج" لحماية الطفولة (غير حكومية) إلى تقديم مساعدات طبية لنحو 60 الف أسرة نازحة بمحافظة "حجة" مشيرة إن غالبية سكان المناطق المحاذية للشريط الحدودي الممتد من ميدي إلى الملاحيظ والتي تقدر بأكثر من مائة ألف أسرة على الأقل نزح غالبيتهم منذ بداية المواجهات في حرض وميدي العام 2015 م.
وأشارت إلى أن مخاطر الجوع والإنعدام شبه الكامل للخدمات الصحية والأساسية تزايدات بشكل مخيف الأمر الذي سبب إنتشار مرض الكوليرا والملاريا والجرب موضحة أن الإحصائيات الميدانية تشير إلى أن أكثر من 150000 مائة وخمسون ألف طفل وطفلة بحاجة لأغذية أساسية وتكميلية. ويواجه الأطفال النازحون من المناطق الحدودية مشاكل نفسية لم تنجم فقط عن الظروف الصعبة التي مرّوا بها بعد أن هجرهم الحوثوين من منازلهم مع أسرهم وما شاهدوه من مشاهد مرعبة إنما هي ناجمة أيضاً عن تحمل الكثير منهم مسؤولية إعالة أُسرهم والعمل على توفير لقمة العيش لها، وكذلك بسبب افتقادهم لحظات اللعب التي يحتاج اليها كل طفل بأعمارهم. ووفقاً لأحد العاملين الصحيين في المخيم, فان الكثير من الأطفال يعانون من الهلع والخوف والتبول اللاإرادي وصعوبة التركيز والحركة الزائدة والأرق إضافة إلى فقدان الشهية مشيراً إلى أن سماعهم لأصوات القصف والإشتباكات على الحدود التي لاتبعد عن المخيم سوى 30 كلم أدى إلى آثار مدمرة على صحتهم النفسية. وتبنت منظمة عبس التنموية (غير حكومية) قبل أشهر مشروع المساحات الصديقه للأطفال والذي نفذته بدعم من اليونسيف واستهدف الأطفال النازحين من المناطق الحدودية وقدم دعماً نفسياً لأكثر من 3000 طفل نازح من خلال رسائل تسعى إلى إخراجهم من القلق والضغوط والاضطرابات النفسية بالإضافة إلى التوعية حول حماية الأطفال وقت النزاعات والحروب. ورغم المأساة التي يعيشها الأطفال النازحين من المناطق الحدودية، تجد بعض الأطفال يحلمون أحلاما كبيرة، ومنهم الطفل أسامة، الطالب في الصف الخامس الابتدائي الذي يتمنى أن يعود للدراسة، ويحلم أن يكون مهندساً، مضيفاً ببراءة الأطفال وابتسامه كبيره مرتسمة على وجهه الملائكي: "حتى أبني مدينة سكنية يعيش فيها النازحون بدلاً من الخيم".