لا يزال يطالب الدكتور ياسين سعيد نعمان, بنقل السلطة, حتى بعد اكتمال مدة عامين على توقيع اتفاق التسوية السياسية الذي تم بموجبه نقل السلطة عبر محطتين حددتهما المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة, عقب تفويض الرئيس نائبه بصلاحياته وسلطاته: تشكيل حكومة الوفاق برئاسة اللقاء المشترك الذي ينخرط فيه الاشتراكي اليمني, ثم انتخابات رئاسية مبكرة في 21 فبراير2012م. حجة ياسين, هي نفسها أحجية المشترك وعودته من وقت لآخر إلى التشرط الغرائبي والتطلب العابث: "استكمال نقل السلطة". كتاب ومراقبون وناشطون اثارتهم الازدواجية التي يتعامل بها حكام "الدولة المدنية الحديثة" في يمن ما بعد التغيير, فأثاروا أسئلة كثيرة حول أحجية المطالبة بنقل أو استكمال نقل السلطة: كيف تطالب السلطة بنقل السلطة؟ وكيف يكون نقل السلطة لمن هم في السلطة؟ ومن ينقلها منهم إليهم؟ ليسأل الصحفي والكاتب أحمد الحسني, في صفحته بالفيسبوك: "ممن؟؟؟!!!". لكن جميع هؤلاء وغيرهم, لن يحصلوا على إجابة من أحد. لا من الدكتور ياسين ولا من المشترك, بمعنى آخر لن يجيبهم أحد في السلطة حول معنى نقل السلطة للسلطة؟؟ أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني, صعد مؤخرا من نبرته وحدته الخطابية التي كانت أيام كان يمثل ركنا في المعارضة. لكنه وهو اليوم جزء مشارك وفاعل في السلطة والحكومة وفي منظومة الحكم والتقاسم, يستعيد لغة وربما لغو المعارضين الذين كانوا ولم يعودوا كما كانوا. في حوار أخير لعكاظ السعودية, أعاد ياسين المطالب نفسها. يلخص الصحفي والكاتب, نبيل حيدر, في حسابه على شبكة التواصل, الأحجية كما يلي: "أحاول فهم الدكتور ياسين سعيد نعمان في كلامه لصحيفة عكاظ و لم أجد سعةً . قال الدكتور أن صالح لا يزال يحكم البلد و دليله أن معه 50% من الحكومة . ! طيب 1.. 50% الثانية ليست مع صالح و مع ذلك فهو لا يزال يحكم البلاد ؟!! . طيب 2 .. الدكتور يصور للناس أن الحكومة وحدها هي الآمر الناهي و كأن الرئيس هادي رئيس في ظل نظام برلماني .! هذا إذا كانت الحكومة تفعل شيئاً ذا قيمة غير تعيين المحسوبين على المشترك و ضمنه حزب الدكتور و ممارسة الإقصاء بالمزاج و العشوائية و تصفية الحسابات السياسية و الشخصية . طيب3 .. رئيس وزراء الحكومة لا ينتمي إلى صالح و حزبه و لا يأتمر بأمره فكيف صالح يحكم البلاد ؟!! . طيب 4 .. قلك عنسبر و هذا الدكتور الأمل الوحيد جالس يلاعبنا ضرب الحدوي ..اين سار يدوي .. عند البدوي .!!". سباق رفاق.. هادي وياسين يتباري أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني, في مواقف ومواضع وفي مواضيع كثيرة, والرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي, بالنظر إلى طبيعة العلاقة الممتدة بين الرجلين والخلفيات (التأريخية, نوعا ما) التي يجيء منها الاثنان, باعتبارهما رفيقين قديمين في تجربة سياسية وحزبية اقترنت بممارسة السلطة, تعود إلى عهد حكم الحزب الواحد, الاشتراكي اليمني, للشطر الجنوبي من الوطن, قبل أن يفترق الرجلان والفريقان يوم 13 / 1 / 86م. وكما لاحظ مراقبون غير مرة, فإن مواقف ياسين تكاد تكون إما صدى لمواقف هادي أو رد فعل على ضوءها وليس بالضرورة مخالف لها بل إنه ربما يذهب أبعد وأصخب منها. بما يفهم منه, إما رغبة في شغل مكان مساو في الواجهة. فلا تخلو لهادي. أو اندفاعة لابعد من ذلك بتسيد الواجهة من وقت لآخر عبر رفع السقف وتبني دوري الحاكم والمعارض معا, وخصوصا إذا تعلق الأمر بالقضية الجنوبية بشكل من الأشكال. ينطلق ياسين من خلفية مناددة لهادي, إن لم يكن الأمر أكثر من هذا. حيث يلفت ناشطون منخرطون في الحراك الجنوبي وعلى جانب من الخبرة والدراية بالاثنين, هادي ونعمان, إلى أن ياسين سعيد نعمان, عندما عرض عليه منصب رئيس الوزراء ليشكل حكومة الوفاق الوطني بعد التوقيع على المبادرة الخليجية, ورفض المنصب, كما كشف نعمان مؤخرا للجريدة السعودية. فإن جزء كبير من أسباب الرفض, هو صعوبة تقبل أن يكون الرجل الثاني في السلطة دون أو أدنى من الرئيس هادي, الذي اصبح بالتفويض يومها وسيصبح بالانتخابات التوافقية المبكرة هو الرئيس والرجل الأول. طبقا لهذه المقاربة التحليلية, فإ، ياسين يستبطن قناعة ذاتية راسخة تضعة في موقع الأسبقية التراتبية, مردها الخلفية العائدة إلى تجربة مبكرة للرجلين في هيكلية الحزب الاشتراكي التراتبية القيادية قبل يناير 86م. كان يومها ياسين في الصفوف الأولى لقيادة الحزب إلى جوار قادة اللجنة المركزية والأمانة العامة, في وقت كان هادي يأتي ضمن مستوى الصف الرابع للقيادة. واليوم هادي في الصف الأول وفي سلطة ورئاسة ليمن أكبر وأوسع من يمن الشطر الجنوبي الذي كان يحكمه الحزب. الأول.. قبل الأول! من هذه الزاوية, يعتبر ياسين نفسه أولى وأسبق إلى تمثيل وتزعم القضية والمحافظات الجنوبية والتحدث باسمها أو نيابة عنها. وهو في هذا يرى أنه الأنسب والأحق من هادي في هذا الخصوص. لهذا يعلو ويرتفع صوت ياسين كلما واتت مناسبة وثار نقاش. أو كلما تحدث علنا الرئيس هادي. حديث ياسين عن استكمال نقل السلطة وعن رئاسة المؤتمر الشعبي العام وإعطاءه لنفسه حق تحديد من يرأس المؤتمر ومن يمنع عنها, هو في جانب كبير منه موازاة لأحاديث هادي وتقليب لأفكاره وتبن لها أحيانا, ليبدو أن ياسين صاحب أسبقية إلى تمهيد وتسوية الملاعب أمام هادي والتمكين له باعتباره صار من مسئولية ياسين وليس العكس! بمعنى آخر, فإن نعمان يتوخى مرتبة الأول... الذي يأتي قبل الأول! مؤخرا قال نعمان: "الفترة الانتقالية انجازات وليست زمنا, و ما لم تتحقق الانجازات فالفترة الانتقالية مستمرة". بمعنى أن الآلية التنفيذية المزمنة لم تعد شرطا أو مرجعية وتصدى ياسين لتسويق وتبرير التمديد وتسويغه أيضا أمام هادي الذي ربما يرى غير هذا الرأي, إلا أن قادة المشترك ومنهم ياسين يحتاجون إلى التمديد أكثر من هادي. فهم على كل حال لديهم موقف سلبي من الانتخابات وخوض امتحان الشعبية والثقة الجماهيرية. ومن ناحية أخرى يعرفون أنهم لن يحققوا مكاسب افضل مما لديهم وتحت أيديهم الآن, فيما لو ذهبوا إلى انتخابات كما تفرض المبادرة وآليتها. لهذا هم معنيون بإيصال الأمور إلى التمديد كخيار وحيد وخلال ذلك يجملون الفكرة لهادي وكأنهم يسعون لأجله وليس لأجل أنفسهم. فهادي بالنسبة إليهم وفي وضع انتقالي ممدد واستثنائي ورقة رابحة ينجزون به وعبره مكاسب وأرباح خاصة وحزبية ولو على حساب رصيد وسمعة الرئيس نفسه. كوكتيل... في واحد بحسب قيادي جنوبي, فإن ياسين سعيد نعمان خاض مراحل متعاقبة ومتقلبة وكان دائما يتكيف معها ويظهر قدرة على التأقلم والاندماج مع مختلف الظروف والمتناقضات الحادة من مرحلة لمرحلة ومن بيئة لأخرى. شايع علي ناصر محمد ايام رئاسته وقيادته للدولة وللحزب في تموضع مواجه لعلي الآخر في الحزب (علي سالم البيض). وعندما رجحت كفة البيض وأمسك بالحزب وبالسلطة انتقل إلى التموضع في جبهة ومعسكر علي سالم وصار واحدا من مقدمي الاستشارات والرؤى في الإدارة والسياسة والاقتصاد. بالانتقال إلى دولة الوحدة اصبح أول رئيس لبرلمان الجمهورية اليمنية الوليدة ومن وجوه ورموز الوحدة اليمنية. وبعده بثلاثة أعوام وجد نفسه في صف البيض مرة أخرى, العازم على نقض عرى الوحدة وإعلان الانفصال. القدرة على التكيف والتأقلم مع المراحل المتناقضة والمتضادة, هي ما يعنيه أحدهم عندما استشهد بالمثل اليمني "فديت من يدي فوقها", في سياق تلخيصه لسيرة وشخصية الدكتور ياسين سعيد نعمان. ويلخص المعنى أيضا بقوله: "شمالي شمالي.. جنوبي جنوبي.. شمالي جنوبي... جنوبي شمالي, ما فيش مشكلة. كوكتيل في شخص واحد"! كل شيء.. في وقت واحد وفي المحصلة, فإن تفعيل وتبني الدكتور ياسين لحالة الخصومة المستعرة والمستمرة باتجاه الرئيس السابق ومداومته على تبرير فشل حكم وحكومة وسلطة ما بعد التسوية والتغيير بالإحالة على اتهامات متكررة ومستهلكة ضد صالح شخصيا, ومقدرة ياسين على تطويع حزبه ومسلماته لمصلحة تحالفه مع الإخوان (حزب الإصلاح) رغما عن كل الصدمات والخيبات والتجارب القاسية والمريرة التي يمنى بها مرة بعد مرة, وفي نفس الوقت الذي يتصدى للعب دور الممثل الرسمي الحصري المتحدث باسم المحافظات الجنوبية والقضية الجنوبية , يقترب من مكونات في الحراك ويبتعد عن أخرى حد المقاطعة والمواجهة المكتومة وأحيانا العلنية, وتبنيه خيار الإقليمين, ورفضه للأقاليم الاتحادية, وانتقاده المستمر للقوى التقليدية, في نفس الوقت والتوقيت الذي يكون فيه مدافعا جدا عن تحالفه معها والتمترس إلى جوارها, وخلفها ربما, في نادي السلطة والحكم والتكتل الحزبي السياسي.. كل هذه المعطيات وغيرها ومن شاكلتها, تعطي نتيجة قلقة ومحصلة ضبابية تماما, وفوضوية في أحيان كثيرة, لا تساعد على بناء فكرة موضوعية متماسكة حول الحزب الاشتراكي المندرج ضمنيا تحت مظلة ياسين سعيد نعمان الذي بات هناك من يطرح, من أوساط الإشتراكيين والحراكيين الذين لديهم مآخذ كثيرة على الاشتراكي اليمني, بأنه –نعمان- صار كما لو أنه أكبر من الحزب أو أن الحزب تراجع مفسحا الواجهة لياسين, بشخصه أولا.... وكأمين عام في المرتبة الثانية! سؤال "الأبوية"؟ وأخيرا, يجب نقل وجهة النظر الأخرى التي تتعرض للتهميش والإقصاء عن أن تأخذ حيزها وحقها من الحوار والتداول العلني الجاد: متى يحين الوقت لتشهد الحياة والممارسة الحزبية اليمنية انتقالة حيوية من زمن وسجن الكهولة إلى زمن آخر بالتمكين لأجيال متراصة , الثاني والثالث والشباب, لتأخذ دورها ومكانها بدلا عن الآباء المعمرين. استجابة ورضوخا لشروط ومنطق السننية والتغيير الحتمي والإيجابي. وبالتالي, متى تغادر الممارسة والكيانات والحياة السياسية برمتها عباءة الأبوية المساوية للديكتاتورية المسكوت عنها؟؟!!