خلال عشرة أعوام، حدثت تحولات جوهرية في الخارطة السياسية اليمنية، فقد ظهرت الحركة الحوثية في صعدة في العام 2004، بقوة، حيث خاضت، حينئذ، أولى الحروب مع الدولة. كانت الجماعة عبارة عن محاربين في أقصى الشمال، تعتري وجوههم قتَرة واضحة وبؤس أيضاً.. شهور معدودة حتى قُتل زعيم الجماعة وبُعثرت الجماعة بين الجبال والكهوف وإلى بعض الدول. ظن الناس بأن الأمر انتهى، كون وصول الجيش إلى أعلى الجبال وسيطرته على كل المواقع هناك هو انتهاء فعلي لهذه الجماعة. وفجأة، حدث ما لم يكن في الحسبان: عادت الجماعة من جديد، وهرولت المدافع والدبابات مجدداً إلى صعدة، وهرولت الأعناق باتجاه القناة الفضائية اليمنية التي غرفت الكذبات العظيمة للشعب دون كلل أو ملل. تساءل الناس وحاولوا فهم كل ذلك، وكيف قامت هذه الجماعة على أقدامها من جديد وحاربت بكل شراسة وقوة؟؟ لم تكن هناك أية إجابة واضحة. تصارعت القوى الكبيرة، وابتلعت القضية، فاحت روائح الفساد، دُمّرت صعدة عن بكرة أبيها، وأضحى أهلها لاجئين محرومين من التعليم والصحة... الخ. جاءت أحداث 2011، تصارع النظام والمعارضة على تسمية تلك الأحداث هل "ثورة، أم أزمة"؟! وقتل الشباب تحت يافطات أحلامهم الكبيرة، دارت الكروش الكبيرة وتنقلت على رقعة اللعبة جيداً، وهكذا اتفقوا على "ألاّ نخسر معاً"، وأسمَوا مطوية "دار الندوة" تلك، أسموها "المبادرة الخليجية". جماعة الحوثي لم تلتفت لذلك، لها أهدافها الخاصة، لم يرَها أقرانهم في الساحات، أو تغاضوا عنها، ثمة إحساس بالنصر كان لدى رفاق الساحات بأن انتصار لجان النظام على المعتصمين من الحوثين هو صورة مصغرة للانتصار الذي سيعقب اتفاق "ألا نخسر معاً" على الأرض!! انقلب السحر على الساحر، تمددت الجماعة، وابتلعت آلاف الكيلومترات لصالحها، غيّرت الجغرافيا، وبذرت بذرتها في مناطق واسعة. يعود المحاربون الحوثيون بأرتال من الدبابات، والبطانيات، وبعض الأشياء التي لا يعرفونها، ولكنها تبدو مهمة وجذابة وهي غنائم أولاً وأخيراً، يبادرون بإخراج الخُمس منها لسيدهم أو زعيمهم بالأحرى! يتسابقون للإدلاء بالتصريحات النارية التي تتطاير معها بقايا القات من أفواههم، لا يهم ذلك، المهم هو أنهم ينتصرون! يتداعى الآخرون في جهاز الدولة يتبادلون التهم، يقترب الخطر منهم، ذات فجر في أغسطس 2014 يهرع الناس إلى القنوات الفضائية، وإلى الشوارع في العاصمة، فقد أصبح الحوثيون في صنعاء، يحاصرونها كحصار الإغريق ل"طروادة"، وحصانهم المشاكل الاقتصادية. هكذا يهرع الرئيس لاجتماعات مكثفة، في أحد الاجتماعات لا يعرف ما الذي يلبسه، تبدو فانيلة بيضاء أو شيئاً كذلك، ربما لم ينم جيداً، فأصوات الحوثيين تقض مضجعه.. حين يذهب إلى مكتبه يبادره مدير مكتبه بالحديث عن هؤلاء الذين يلبسون الثوب لشهرين متتاليين ولديهم القدرة على الاعتصام لسنة كاملة دون أن يشعروا بالملل على الأقل! ويهمس في أذنيه: لا نستطيع أن نمدّ أيدينا إليهم، ليسوا من ذوي الصدور العارية!! وهكذا كانت الحكاية. إذن، هن 10 سنوات تعدّل فيهن الميزان، وعلينا أن ننتظر لنرى أية كفة سترجح خلال الأيام القادمة!