ثبت أن موقع 'فيس بوك' يعد من مسببات الاكتئاب مع أن المرء لا يحتاج إلى سبب إلكتروني لحلول الاكتئاب ضيفاً على حياته النفسية. أخيراً، وجد المنتحبون والمتعبون والمثقلون بالهموم والباحثون عن المتاعب والمطبلون للاختلافات والمتفلسفون وأصحاب الحكمة والحنكة والنكتة وثقيلو الظل والمتأبطون شراً، متسعاً من حرية للتعبير عن مكنوناتهم بطرق "فيسبوكية"، سهلة ممتنعة وغير مكلفة. حتى أصبح الدخول إلى الصفحات الشخصية لموقع "الفيس بوك" أشبه بالقفز العشوائي في حقل مزروع بالألغام، فالداخل فيه مفقود في متاهات الرأي والخارج منه ملغوم بأسلحة الرأي الآخر. وذهب أصحاب النوايا الحسنة ضحايا لسوء فهم الآخر وصارت لعلامتي الاستفهام والتعجب ألف معنى ومعنى، ثم أمست الأخطاء المطبعية والحروف التي تسقط سهواً من أصابع (الكيبورد) والهفوات غير المقصودة والحركات والسكنات الإليكترونية، أسلحة دمار معنوي شاملة، تحمل في جعبتها من العتاد ما يكفي لإشعال فتيل معارك كلامية لا راد لها ولا ملامح لمنتصر فيها، فالجميع أصبحوا خاسرين في المعارك الافتراضية وكل الآنية نضحت بما فيها من أحقاد وخراب وانتهى الأمر. هذا النوع من التواصل الاجتماعي – بحسب علماء الاجتماع – يقع ضمن دائرة النتائج الكارثية للتطور التقني، حيث تلعب فيه الأزرار الصغيرة والشاشات الذكية أدواراً لا حصر لها فترفع من قدر هذا وتحط من قيمة ذاك وتؤجج الخلافات والنزاعات وتثير الأحقاد، كما تحرّض على القتل "بنوعيه المادي والمعنوي". وهي ترّوج لعوالم بعيدة عن الواقع، لا يرى فيها المتلقي تعبيرات وجه وجسد الآخر أو ردود أفعاله بالشكل الذي يمكنه من تقييمه بما يعادل وسيلة تواصل حقيقة. وثبت مؤخراً أن موقع "فيس بوك" يعد من أهم مسببات الإصابة بمرض الاكتئاب، مع أن المرء – برأي المعارضين- لا يحتاج إلى سبب إلكتروني لحلول الاكتئاب ضيفاً ثقيل الظل على حياته النفسية، فيكفيه الاطلاع على أي شريط أخبار يمر سهواً من خلال شاشة التلفزيون في قناة فضائية صديقة ليصاب باكتئاب مزمن لا شفاء منه. لكن الاكتئاب الإلكتروني قد يحمل مذاق وملمس سلك الكهرباء العاري، حين يعاني البعض من تجاهل الآخرين لمنشوراتهم وأخبارهم، كما تأكل البعض الآخر نيران الغيرة والحسد من مشاهد وآيات السعادة الظاهرة في منشورات بعض أصدقائهم الخبيثة، والتي تعمل على تعميق الشعور لديهم بأن الآخرين أكثر سعادةً منهم. هذا، لأن مصطلح "سعادة" وما يرادفه من تعبيرات انفعالية كالابتسامة أو النظرة المتعالية وربما المشاهد الخلفية الخلابة لمنزل فاخر، يقع ضمن قائمة الأسلحة المدمرة التي تستخدم بنجاح في مثل هذه المواقع الاجتماعية لتعزيز الشعور بالوحدة والتعاسة والدونية عند البعض. "كن في حياة الآخرين كحبات السكر حتى وإن اختفيت تركت طعماً جميلاً"، استدعى هذا المنشور الذي يبدو بريئاً سخرية البعض الذين رفضوا أن يكونوا قطعة سكر ويصمتوا، وترك بعضهم علامات تعجب وكلمات عتب على صفحة الناشر تذكره بضرورة احترام ذكرى قتلى الحروب وإعلان الحداد على السكر وكل ما يمت للحلاوة بصلة، أما الغالبية غير الصامتة والمصابة بداء السكري فقد لعنت السكر ومكتشفه والفيس بوك معاً. أحد الفلاسفة الإلكترونيين، فسر ردود الأفعال هذه على أنها "إرهاصات" المرحلة ولم يوضح أية مرحلة يقصد، الزمنية أم السياسية أم الفيسبوكية. أما عن "إرهاصات" فما زال بعض الأصدقاء "متطوعين" يبحثون في بطون "غوغل" عن معنى مبسط لها لا يثير قلق المثقفين ويحفظ للمتفرجين ماء وجههم. * العرب اللندنية