يروي القيادي بتنظيم داعش، الجهادي أبو أحمد، كيف دخل معسكر "بوكا" الأمريكي العراقي شاباً صغيراً، حين احتجزه الجنود الأمريكيون، منذ 10 سنوات، قبل أن يصبح قيادياً في التنظيم اليوم. ورغم أنه كان مرعوباً من السجن قبل دخوله، اكتشف أنه أفضل بكثير مما تصوّر، قائلاً: "ما كان ليتسنى لنا (الجهاديون من مختلف الجماعات) جميعاً التجمع على هذا النحو في بغداد أو أي مكان آخر"، لكن هذا السجن وفر لهم فرصة ثمينة، حيث "كان ملجأً آمناً لنا، ولم يبعد سوى بضعة مئات الأمتار عن قيادة تنظيم القاعدة"، بحسب ما صرّح لحيفة "غارديان" البريطانية.
ووافق أبو أحمد أخيراً على الحديث علناً عن علاقته بداعش، بعد أن سقط الشرق الأوسط في الدماء بأيدي رفقائه في الأيدولوجيات ذاتها، وبناءً عليها بدأ يغير رأيه، حيث إن وحشية داعش لا تتوافق مع مبادئه، ويؤمن بأنه بالإمكان تفسير القرآن لا اعتماد نصوصه حرفياً.
ويحكي أبو أحمد كيف التقى لأول مرة بأبو بكر البغدادي، في معسكر بوكا، حيث كان هذا الأخير يميز نفسه عن سواه، بينما وجد فيه السجناء شخصية استرضائية تسعى لحل النزاعات، في بيئة مزعزعة بعيدة عن الطمأنينة واليقين، فتوجهوا إليه لحل الخلافات.
وأضاف أبو أحمد: "كان هذا جزء من تمثيليته، فلقد خالجني شعور مختلف تماماً بخصوص البغدادي، أحسست فيه سودواية وظلاماً لم يظهرهما للعلن، حيث بدا مختلفاً عن الأمراء الآخرين، الذين كان من الأسهل التعامل معهم... كان البغدادي بعيداً عنا جميعاً".
وكان البغدادي احتجز في الفلوجة، في 2004، بعد مضي 4 أشهر على مساعدته جماعة مسلحة تعرف باسم "جيش أهل السنة والجماعة"، ونقل إلى سجن بوكا، ولم يكن أحد يعرف حقيقة البغدادي، سواءً القوات الأمريكية التي احتجزته أو السجناء الذين رافقوه، والذين وصل عددهم إلى 24 ألفاً، مقسمين على 24 معسكراً.
ويشير أحمد إلى أن أزياء المساجين كانت مقسمة إلى ألوان مختلفة، حيث كان الأمر لأولئك الذين قاموا بأعمال سيئة في السجن، بينما الأبيض لقادة السجن، والأخضر لأولئك الذين يقضون مدة طويلة هناك، والأصفر والبرتقالي كانا للمساجين العاديين".
خلال إقامته في سجن بوكا، لم تكن جماعة البغدادي معروفة بشدة، إلا أنه كانت عنده وسيلة لتمييز نفسه عن القادة الباقين داخل السجن، حيث ادعى انتسابه مباشرة للرسول محمد، كما أنه كان حاصلاً على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية.
ويؤكد أبو أحمد أنه "بينما كان البغدادي ذو كاريزما، وبدا أنه شخص مهم، إلا أن الكثيرين في السجن كانوا مهمين أيضاً، ولم أتوقع بصراحة أن يصل هو إلى هذا الحد!".
ويشير إلى أن القائمين على السجن رأوا في البغدادي مصلحاً للخلافات في المعسكر، واعتبروا، بنهاية ديسمبر(كانون الأول) 2004، أنه لا يشكل خطراً وأطلقوا سراحه.
وشدد أبو أحمد على أنه "إذا أراد البغدادي أن يزور أحداً في مخيم آخر كان يمكنه ذلك، وكان محترماً بشدة من قبل جنود الجيش الأمريكي، إلا أنهم لم يعرفوا أنه كان في الواقع يخطط لاستراتيجية جديدة عندها، أسفرت عن تنظيم داعش".
وتابع: "لو لم يكن هناك سجن أمريكي في العراق، ما كان ليكون هناك تنظيم داعش اليوم، بوكا كان مصنعاً بنى أيديولوجيتنا جميعاً".
وأضاف: "كان لدينا(الجهاديين) الكثير من الوقت للتخطيط في السجن، إذ شكل بيئة مناسبة، حيث اتفقنا على الاجتماع بعد خروجنا، وكتبنا أرقام بعضنا البعض على الأستيك في سراويلنا الداخلية! وبحلول 2009، عاد الكثيرون منا للقيام بما كانوا يقومون به قبل السجن، لكن هذه المرة بشكل أفضل".
وبعد إطلاق سراح البغدادي بستة أشهر، وجد أبو أحمد نفسه طليقاً، وانضم للجهاد مجدداً، الذي تحول من محاربة عدو مستعمر(ممثلاً في القوات الأمريكية) إلى حرب شرة ضد العراقيين الشيعة.
ويؤكد تقرير غارديان أن 25 من أهم قادة داعش المديرين للحرب في العراق وسوريا اليوم جاءوا من سجون الولاياتالمتحدة.
ورغم ما كشفه أبو أحمد عن داعش، واعتراضه على وحشية التنظيم وسياساته، إلا أنه نفى نيته مغادرة صفوفه، قائلاً: "أكبر خطأ قمت به هو الانضمام إليهم"، مؤكداً أن التنظيم سيقتل عائلته إذا انشق عن صفوفه.
ويختم أبو أحمد شهادته بالقول: "هناك الكثيرين الذين لا يتفقون مع أيديولوجيات داعش اليوم، كثيرين منهم بدأوا في بوكا، مثلي، لكن الأمر أصبح أكبر منّا بعد ذلك، ولا يمكن إيقافه الآن، فهو خارج سيطرة الجميع، بما في ذلك البغدادي وأي شخص آخر في دائرته".