ليست صدفة أن يلتقي رجل علي محسن (صادق سرحان) ورجل القبيلة والإصلاح (حمود المخلافي) في مكان وزمان واحد!! تحويل شوارع وأحياء مدينة تعز إلى ساحة حرب حقيقية وميادين كر وفر ليس بالأمر الهين الذي يمكن توقع حدوثه في حالات عادية بل وفي حالات أكبر من عادية.. وأقل من عدائية مفرطة بجنون. احتاج الأمر إلى تخطيط وتنفيذ عبر مراحل متتالية انتهت إلى تجميع وحشد الآلاف من المسلحين والمقاتلين وعناصر المليشيا الحزبية –والقبلية المصطنعة- وعصابات مستأجرة من كل نوع وشكل والزج بهم إلى قلب المدينة المسالمة تحت شعارات براقة وانتهازية باسم الثورة وحماية الشباب والاعتصامات والساحة, لتكشر في اليوم التالي عن أنيابها وتعلن نفسها "جيشا للمعارضة" كما أسماه حمود المخلافي, في تصريح سابق, وهدفه الأول أصبح هو "إسقاط مدينة تعز ومن ثم المحافظة بكاملها في أيدي المسلحين وقوات المعارضة أو جيش الثورة" بزعمهم!! وخلال الأشهر الماضية تواصلت عملية تهريب وتسريب الأسلحة بمختلف أنواعها إلى داخل مدينة تعز بوتيرة عالية, وكان الجميع بما فيهم السلطات المحلية والأمنية وكذلك الرأي العام منشغلا بمتابعة وملاحقة ضجيج الأحداث المفتعلة وملاحقة الأخبار والإشاعات والمعركة الإعلامية الصاخبة وفي مكان آخر كان برنامج التسليح وضخ المزيد من الأسلحة إلى تعز يسير على قدم وساق. رجال وأدوار ولم يغب عن المشهد رجال اللواء المنشق قائد الفرقة الأولى مدرع علي محسن الأحمر, يتقدمهم قائد الدفاع الجوي بالفرقة الأولى صادق سرحان والذي راح إعلام المعارضة يسلط عليه الضوء باعتباره حامي الثورة والشباب والساحة في تعز على غرار سيده وقائده في صنعاء "حامي ثورة الشباب وشباب الثورة" وإن عاد هؤلاء مؤخرا إلى اتهامه صراحة بإدارة صراعاته ومعاركه الشخصية والمتاجرة بدماء الشباب والإشارة إليه وآخرين بسرقة ثورة الشباب وإجهاض وعد التغيير أو موعد معه كان يلوح في الأفق القريب قبل أن يسد مجرى الأفق عتاة وعتاولة الفساد والاستبداد من حزبيين وقبليين وعسكريين ومسؤولين هاربين من تاريخهم الملطخ إلى الساحات المسروقة. صادق سرحان وحمود المخلافي, الأول عسكري في إمرة علي محسن ولا يشغل رأسه شيء آخر سوى أمور الحرب والقتال وخطط المعارك وتكوين المجموعات القتالية, وهي خبرة الرجل المشهودة والمكتسبة الى جوار قائد حروب صعدة, أما الثاني فهو لا يختلف كثيرا عن صاحبه إن لم يكن أخطر وأسوأ.. وتصعب المفاضلة بين خطر وخطر أو بين سيئ وسيئ يقال له أسوأ. يرتبط المخلافي بحزب الإصلاح ويقود عصابات مسلحة تنشط منذ أمد في حضر تعز وريفها وكان هو الشخص المؤهل والمفضل ليسند إليه القيادي القبلي/الحزبي/الإخواني/المالي/حميد الأحمر مهمة اقتطاع ضاحية مكانية وجغرافية في قلب مدينة تعز, على غرار الحصبة في العاصمة صنعاء واتخاذها معقلا للميليشيا القبلية الوافدة والدخيلة على تعز والانطلاق منها للتوسع وإسقاط الشوارع والأحياء وصولا إلى إسقاط تعز بكاملها, متلاقيا ومتماهيا مع مشروع وأهداف وخطط صادق سرحان. وكان المخلافي واضحا وصريحا من البداية وهو يعلن هدفه وخططه على الملأ ويصرح أكثر من مرة بعدم التراجع حتى إسقاط تعز بل إنه أصدر بيانا شهيرا ومثيرا للجدل في وقت مبكر من اندلاع أعمال العنف هناك أعلن فيه أن "مدينة تعز قد سقطت بالكامل في يد المعارضة المسلحة" كاشفا النقاب, في توقيت جد مبكر, عن حقيقة الغاية والهدف الذي يكمن تحت شعارات وعناوين حماية الساحة والثوار والدفاع عن المعتصمين! هنا والآن.. ليست صدفة ليست صدفة أن يجتمع في هذا الوقت وفي هذه المدينة رجلا علي محسن وحزب الإصلاح وأن يأمر قائد الفرقة رجله قائد الدفاع الجوي بالنزول إلى تعز كما فعل الجناح القبلي في الإصلاح مع حمود المخلافي وتكليفه بالانتقال إلى عاصمة المحافظة تزامنا مع وصول صادق سرحان وتدفق الأسلحة من صنعاء عبر الحديدة وطريق جبل راس شرعب تعز بواسطة سمسار ومهرب أسلحة شهير من وجوه حزب الإصلاح في تلك المناطق الساحلية والجبلية المتجاورة. والتركيز على تعز في هذا الوقت مرده عوامل وأسباب عدة ولاعتبارات كثيرة امتزج فيها السياسي بالمناطقي والجغرافي بالعسكري والثقافي بالقبلي ويكفي أن ملوك وأمراء الحصبة في صنعاء القبليين والإصلاحيين وجدوا منطقة أخرى ومدينة بعيدة تخفف عنهم الضغط الإعلامي والأمني والعسكري والسياسي. وكان واحدا من أهم الأهداف هو هذا, أي أن تعميم حالة الفلتان الأمني واستنساخ ظاهرة الميليشيا القبلية المسلحة التابعة لأولاد الأحمر ومشايخ حاشد في صنعاء وخلق مثلها.. وأين؟ في تعز, المدينة المشهورة بالتمدن والحداثة وريادة الحركة الثقافية والفكرية والوطنية. هذا كله يعطي انطباعا عاما لدى المتلقين والرأي العام في الداخل والخارج بأن العنف والفوضى حالة يمنية عامة ولا تقتصر على شيوخ حاشد وملوك الحصبة. وأهم أو أخطر وأسوأ من هذا هو الانتقام المنظم والمقصود لذاته من الثقافة الرائجة في أوساط السكان والنخب على السواء في المناطق الوسطى من اليمن الطبيعي وذروتها أو مركزها تعز, حيال نبذ المظاهر السلوكية المقترنة بالعنف والسلاح والإقطاعية القبلية المناوئة لسلطة الدولة والقانون والمؤسسات الحكومية. كان ولا يزال الشعور بالإهانة والنقص يلازم رموز الإقطاع القبلي تجاه نقيضهم الأبرز متجسدا في الحالة الثقافية النقية والمدنية الناصعة في تعز خصوصا, وكان ولا يزال استهداف نسف وتقويض هذه الممايزة أو المغايرة التفضيلية وإلغائها برنامجا يشغل رموز الإقطاع القبلي وها هو يقال, على سبيل المثال, إن الميليشيات القبلية والعنف القبلي ومظاهر مناوئة ومعاداة المدنية والدولة ليس قاصرا على شيوخ قبيلة حاشد في أقصى الشمال اليمني وهذه تعز مدينة الثقافة والنور والتعليم أكثر وأخطر بل وأيضا أسوأ من غيرها!! إضافة إلى عوامل وأسباب أخرى لا تجهل, كلها جعلت التركيز على تعز دون غيرها يأخذ هذه الأبعاد الخطيرة والإصرار على تقويض أية تسوية سياسية وتفجير الأوضاع العسكرية والأمنية والفوضى المنظمة يبدأ أو ينتهي في تعز دون غيرها! لكن تعز ليست كغيرها ولا يمكن بحال من الأحوال لمشروع "قبيلة تعز" رغما عن واقعها وروحها وطبيعتها أن يمر أو ينجح هنا, مهما برزت وصنعت من أحوال ومظاهر عنف وصدام وفوضى.. روح تعز تنبذ السلاح كما تنبذ وكلاء الحرب من أمثال صادق سرحان وحمود المخلافي وسواهما. ستظهر الأيام حجم وطبيعة الدور الذي لعبه مشايخ الإصلاح والحصبة وقائد الفرقة الأولى ومراكز القوى المتخلفة جميعها في السلطة أو المعارضة على السواء لإيصال تعز إلى هذه الحالة واستهداف الطبيعة المسالمة والمدنية لإقليم بحاله في اليمن, بشرا وثقافة وموروثا ومكانا وحاضرا أيضا. ولكن قبل ذلك سوف تُفشل تعز مخططات تحويلها إلى بؤرة لتصدير العنف والفوضى وتعميمها على سائر اليمن, ومثلما كانت باستمرار قوة وضمانة لليمن الحديث سوف تفعل مجددا ولن تخون روحها ووظيفتها الحضارية والإنسانية. ** صحيفة "اليمن"