الأحداث التي شهدتها محافظة الضالع (جنوباليمن)، يومي الجمعة والسبت الماضيين، نتيجة سقوط قذائف دبابة تابعة للواء 33 مدرع، على مخيم عزاء في منطقة "سناح" بالضالع وراح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من أنصار الحراك الجنوبي والمواطنين, وامتدت تداعياتها إلى يومي الأحد والإثنين بنشوب مواجهات واعتداء مسلحين على نقطة أمنية في حبيلين ردفان ومصرع 8 جنود على الأقل وجرح عدد آخر, مجمل الأحداث وتبعاتها التي لم تتوقف حتى الآن ومرشحة للتصاعد كما يتخوف المراقبون. أغرقت أو ورطت الوحدة اليمنية مجدداً وسط غضب محلي بدا أنه يتحالف أكثر مع المطالبين بفك ارتباط جنوباليمن عن شماله واستعادة الدولة الجنوبية التي كانت قائمة قبل وحدة العام 1990م. فيما لجنة التحقيق الرئاسية وصلت الغثنين ايضا بالتزامن مع مواجهات واستهداف مركز عسكري وسقوط قتلى من الجيش وفي صفوف المسلحين الحراكيين, وباشرت اللجنة بلقاء محافظ الضالع ليلحق بها تاليا نائب وزير الداخلية الذي ضمه الرئيس هادي لعضوية اللجنة. تهديدات وحدة اليمن وتأتي أحداث الضالع التي سقط على إثرها نحو 22 قتيلاً وحوالى 33 جريحاً بعد أسبوع واحد من انطلاق الهبة الشعبية الجنوبية يوم 20 ديسمبر 2013م والتي دعا إليها حلف قبائل حضرموت احتجاجاً على مقتل شيخ قبائل الحموم سعد بن حبريش وعدد من مرافقيه برصاص قوات الأمن المتمركزة عند إحدى نقاط التفتيش العسكرية عند مدخل مدينة سيئون مطلع شهر ديسمبر الجاري، حيث سقط منذ انطلاقتها نحو 40 شخصاً بين قتيل وجريح مدنيين وعسكريين في محافظات: (حضرموت – عدن – لحج – شبوة – الضالع)، واستيلاء أبناء القبائل وأنصار الحراك على عدد من المقرات والمراكز الحكومية المدنية والأمنية ونقاط التفتيش العسكرية بعضها بقوة السلاح وأخرى بطريقة سلمية دون اندلاع أي مواجهات أو أعمال عنف بين الطرفين المحتجين وقوات الأمن. وضاعفت الحادثة حجم الأخطار التي تواجه وحدة اليمن ومسيرة إصلاح مسارها والتهديدات التي تُنذر بتشققها وتؤدي إلى انتهائها. ولعل ما يُعزز تلك التهديدات موقف وصمت الحكومة اليمنية إزاء كل تلك الأحداث الواقعة أمامها. معلومات متضاربة.. واكتنف الغموض وتضاربت الأنباء الواردة من مختلف المصادر الأمنية والحراكية والمحلية الجنوبية، بشأن ملابسات وتفاصيل حادثة الضالع، حيث علقت مصادر أمنية في اللواء 33 مدرع على الحادثة بقولها: "إن القذائف سقطت بالخطأ على مخيم العزاء، بعدما حاصرت عناصر وصفتها ب"الخارجة عن النظام والقانون" لمدرعة عسكرية وإطلاقهم النار صوبها، ما دفع إحدى الدبابات المتمركزة عند مبنى محافظة الضالع إلى الرد على محاصرة المدرعة بإطلاق قذائفها وسقوطها عن طريق الخطأ في مخيم العزاء. بينما ذكرت مصادر أمنية في الجيش، أن قيادة الجيش حصلت على معلومات تُفيد بأن الذين تواجدوا بالمئات في مخيم العزاء هم من أنصار الحراك الجنوبي المسلح وكانوا يحملون أسلحتهم ويستعدون لإسقاط محافظة الضالع بأيديهم وتنفيذ خططهم بالانطلاق من مخيم العزاء، وهو ما استدعى التعامل معهم والتصدي لهم بقوة وحزم لإحباط مخططهم وإفشال محاولات إسقاط الضالع، وهو ما تم من خلال استهداف المخيم بالمدفعية ما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا. فيما أرجعت مصادر متطابقة في الحراك الجنوبي ومحلية بمحافظة الضالع، الحادثة إلى سعي قوات الأمن والجيش لتصفية قياداتها وفي مقدمتها نائب رئيس المجلس الأعلى للثورة الجنوبية ورئيس مجلس الثورة السلمية بمحافظة الضالع، شلال علي شائع، مستغلة تواجدها في مخيم العزاء، من خلال تبادل القيادات العسكرية والأمنية الاتصالات في ما بينها والبدء بتنفيذ مخططهم والتخلص من تهديدات الحراك الجنوبي التي شكّلت هاجساً وكابوساً اسمه "فك الارتباط" للحكومة اليمنية وبعض القوى المتنفذة الشمالية خوفاً على مصالحها في أراضي الجنوب. تفريخ رئاسي.. وكعادتها لم تتوانَ مؤسسة الرئاسة بقيادة رئيس الجمهورية، عبدربه منصور هادي، عن تشكيل لجنة رئاسية للتحقيق في حادثة الضالع، في محاولة منها لامتصاص غضب الشارع الضالعي بشكل خاص والجنوبي بشكل عام، حيث أعلن مصدر مسؤول باللجنة الأمنية العليا أنه وتنفيذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية - القائد الأعلى للقوات المسلحة، فقد تم تشكيل لجنة للتحقيق في الحادث الذي وقع، ظهر الجمعة، في محافظة الضالع. وقال المصدر لوكالة الأنباء الرسمية (سبأ): "إن اللجنة برئاسة الوكيل المساعد بوزارة الداخلية لقطاع الأمن والشرطة، اللواء صالح حسين قاسم.. وتضم في عضويتها كلاً من رئيس هيئة التدريب بوزارة الدفاع، اللواء الركن أحمد ناجي مانع، والوكيل المساعد بمحافظة الضالع، أحمد مثنى البلعسي، ونائب مدير دائرة الاستخبارات العسكرية، العميد الركن مهيوب رشاد المصري". وأوضح المصدر أن التوجيهات قضت بأن تباشر اللجنة عملها فوراً للتحقيق في الحادث وملابساته ورفع تقريرها إلى اللجنة الأمنية العليا. تجاهل رسمي! بالمقابل لم تُشر وسائل الإعلام الرسمية في أخبارها إلى الحادثة، التي هزَّت مشاعر اليمنيين نتيجة ما خلفته من قتلى وجرحى وحملته فيديوهات وكاميرات عدد من الإعلاميين والناشطين الجنوبيين التي اُلتقطت من موقع الحادثة من مناظر دموية بشعة، عدا الاكتفاء بخبر تشكيل لجنة التحقيق الرئاسية. تهديد ووعيد.. وبعد مرور ساعات قليلة على زمن وقوع الحادثة وفي أول ردة فعل للحراك الجنوبي في الضالع، توعدت فصائل الحراك الجنوبي من مختلف التيارات، ما أسمتها "حكومة وسلطات وقوات الاحتلال اليمني"، بالرد القاسي بعد اجتماعها والخروج برؤى موحّدة.. موضحة أنها لن تقل عن إخراج المعسكرات وقوات الجيش من الضالع، كما أطلق القيادي الجنوبي البارز شلال شائع، تحذيرات شديدة اللهجة توعد فيها هو الآخر بالرد القاسي على حادثة مخيم عزاء منطقة "سناح"، دون أن يفصح بشكل واضح تفصيل وكيفية الرد، كما عُقد اجتماع آخر في العاصمة صنعاء لأبناء الجنوب والضالع وتحديداً في منزل اللواء جهاد علي أحمد ناصر عنتر، هدفه تدارس الوضع واتخاذ إجراءات من شأنها احتواء الموقف ووضع حد لموجة العنف وتحقيق العدالة بين الجميع. تفاقم الأوضاع وبعد يوم واحد من الحادثة، شهدت محافظة الضالع، السبت، مظاهرات حاشدة للتنديد بحادثة الجمعة الدامية والمطالبة بفك ارتباط جنوباليمن عن شماله، بالتزامن مع وصول تعزيزات عسكرية تابعة للجيش إلى الضالع وسط إطلاق نار كثيف وعشوائي في أنحاء متفرقة في منطقة "سناح"، الأمر الذي أدى إلى سقوط قتيلين وأكثر من5 جرحى بجروح مختلفة تم نقلهم على إثرها إلى المستشفى لتلقي العلاج. وفيما اعتبرته قيادات الحراك بدء الرد القاسي الذي توعدت فيه من وصفته ب"الاحتلال اليمني"، دارت مواجهات مسلحة عنيفة بين مسلحي الحراك الجنوبي وقوات الأمن والجيش بمختلف أنواع الأسلحة في جبهات مختلفة أبرزها أمام مبنى السلطة المحلية (محافظة الضالع)، لم ترد أنباء مؤكدة من مختلف المصادر بشأن سقوط ضحايا على إثرها، كما سيطر أنصار الحراك الجنوبي على مبنى إدارة أمن الضالع سلمياً دون إطلاق رصاصة واحدة. مواقف صارمة.. وعصر السبت احتضن نادي النصر الرياضي الثقافي والاجتماعي في ساحة الشهداء بمدينة الضالع، اجتماعاً ضم عدداً كبيراً من المشائخ والأعيان والشخصيات السياسية والاجتماعية وقوى التحرير والاستقلال ومنظمات المجتمع المدني من محافظة الضالع ومختلف المحافظات الجنوبية، بحضور قيادات جنوبية بارزة يتقدمهم السفير قاسم عسكر جبران والدكتور ناصر الخبخي وشلال علي شائع. ووقف الاجتماع أمام تداعيات وأحداث "سناح" التي ارتكبتها قوات الأمن والجيش، حيث خرج الاجتماع ببيان مهم صادر عن جميع المشاركين فيه، دعوا فيه قائد اللواء 33 مدرع المرابط في محافظة الضالع، العميد عبدالله ضبعان، إلى تسليم القتلة والضباط الذين أصدروا أوامر قصف المخيم وإخراج جميع الوحدات العسكرية والأمنية كاملة من مختلف مناطق ومدن الضالع ودعوة أبناء الضالع والجنوب العاملين بصنعاء إلى تحديد موقفهم من ما جرى ومطالبة الأشقاء الذين يسكنون المناطق والمدن القريبة من الضالع عدم السماح لقوات من أسموها ب"الاحتلال" من اتخاذ واستخدام مناطقهم منطلقاً لهجماتهم على الضالع وطرد تلك القوات العسكرية والأمنية في مدة أقصاها 72 ساعة من إعلان البيان والترحم على الشهداء الذين سقطوا الجمعة والسبت وتكليف مندوب عن كل المكونات الجنوبية التي حضرت الاجتماع للتحضير لاجتماع قادم ومواصلة الهبة الشعبية حتى تحقيق كامل أهدافها المتمثلة بالتحرير والاستقلال، وفقاً للبيان. وعبّرت الكثير من الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية والمدنية والشعبية ومختلف شرائح وفئات المجتمع المحلي اليمني وبعض الجهات الإقليمية والدولية عن بالغ أسفها وإدانتها للحادثة التي راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى بصورة بشعة ووحشية لا تمت للإنسانية بصلة، كون الحادثة استهدفت مخيم عزاء وحولته إلى مخيمات عزاء متعددة. الانتقام بقتل الجنود قُتل 8 جنود و3 مسلحين من أبناء القبائل وأنصار الحراك الجنوبي وأصيب عدد آخرون، الاثنين، إثر اشتباكات مسلحة اندلعت بينهم في موقع عسكري بمنطقة "الحبيلين" بمختلف أنواع الأسلحة، في مديرية ردفان محافظة لحج (جنوباليمن). وأكد مدير مديرية ردفان عباس ثابت، ل"خبر" للأنباء، مقتل 3 مسلحين من المجاميع المسلحة وإصابة 4 آخرين، واندلاع النيران في عربة عسكرية تابعة للجيش، دون أن يذكر أي تفاصيل أخرى عن عدد قتلى وجرحى جنود الجيش. فيما ذكرت وسائل إعلام محلية وخارجية مصرع 8 جنود وإصابة آخرين في المواجهات المسلحة التي دارت بين الجيش والمسلحين، ووصول تعزيزات عسكرية تضم مدرعات ودبابات إلى مدينة ردفان لمواجهة الاختلالات الأمنية والتصدي للهجمات المسلحة. لجنة التحقيق في الضالع ووصلت, الإثنين, إلى الضالع اللجنة الرئاسية المكلفة من رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، للتحقيق في أحداث منطقة "سناح". وفور وصولها التقت اللجنة محافظ الضالع علي قاسم طالب، لتدارس تداعيات الحادثة واحتواء الموقف، من أجل التوصل إلى حل وعدم تفاقم الأوضاع الأمنية واندلاع أحداث عنف على أرض الواقع. كما وجه رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي بضم نائب وزير الداخلية اللواء ناصر لخشع إلى اللجنة, وقال مركز الإعلام الأمني التابع لوزارة الداخلية: إن التوجيهات قضت بأن يتوجه نائب وزير الداخلية الاثنين إلى الضالع لمباشرة عمله في لجنة التحقيق الرئاسية.