مازال ذلك الثوبُ الوردي، الذي لايزيد طوله عن الشبرين، مزاراً لي، كُلَّما شعرتُ أن الحياة فيها من الوحوشِ البشريَّة والخيانات والقُسوة ما يجعلني أخافها وأكره المُكوثَ فيها طويلاً.. أتوجَّه إلى مزاري لأستمدَّ منه حُبَّ الحياة والرَّغبة في ممارستها، بكل ما أوتيت من روح، من شغف بوجودي كأنثى تستحق الدِّفء بجدارة. اليوم، تحديداً، وأنا أحجُّ إليه كمزارٍ مُقدَّس تفحَّصته كثيراً، شعرتُ بقلبي يرجفُ كأن تياراً كهربائياً يمرُّ فيه بسرعة وقوة عجيبة، كان شُعوراً غريباً مُحبباً ومُوجعاً، ربما هو الوجع اللذيذ الذي لم أذقه قبلاً، أمَّا فلماذا اليوم تحديداً.. هل لأنّي كان بي من الوجع بسبب ما حمله هذا العام، الذي أقف الآن على تابوته في وداعه الأخير؟ لطالما كان قاسياً هذا العام ولطالما شربَ من الدماءِ والدموع، لطالما احتضنت تفاصيله صرخات الموجوعين والمفجوعين بالخيانات.. بالفقد.. بسرقة أرواح من يحجُّون إليهم كما أحجُّ أنا إلى مزاري المُقدَّس، لطالما حملتْ كثيرٌ من صباحات هذا العام "لياليَ" مُظلمة مُخيفة وباردة، لطالما أشرقتْ شُموسه متناسية أن تحمل روحها.. دفئها.. ضوءها.. ووهجها، هي كانتْ تشرقُ وكفى..؟؟!! لم يكنْ غريباً أني تذكَّرتكَ يا سيدي، في خضمِّ كُلّ هذه الهواجس التي تتالتْ في مُخيلتي كفيلم وثائقي أنتجه مخرجٌ محترف، لأنّي كنتُ أحتمي بوجودكَ.. باسمك.. بصوتك الذي كان يُباغتني وأباغته كسهلٍ مُمتنع، ربَّما كنتَ تعلم.. وربَّما لم تكن تعلم أن الدفء الذي منحتني إياه على غفلة منك، كان بالنسبة لي قصراً لا يدخله إلاّ الأميرات، ولا أميرات هنا يلقنّ بصوتك.. باسمك.. بوجودك.. إلاّ أنا. كنتُ أحسبُ أيامَ هذا العام بوجودك، لذا لم يكْبر كثيراً، مازلت طفلي الذي يُكثرُ الدلالَ وأكثرُ أنا الخوف عليه والبحثَ عنه في زوايا الكلمات والأيام.. مازلتُ أقف بخشوعٍ أمام مزاري الوردي..هو ثوب لطفلة لا يتجاوز عمرها الشهرين، ربما باع المول منه قطعاً كثيرة خلال العامين الماضيين، لكنَّه مازال يحتفظُ بهذه القطعة لطفلتي- لطفلتنا التي أحلم بها. سأتحلل من كل المواجع.. من كُلّ الهواجس.. من كُلّ الدُّموع.. من كُلّ الصور الموجعة، التي كانت في 2013م، وسأتزيَّن بك.. سأتزين كما يليق بك/ بي بعام يحملك بلا مخاوف 2014م، هو عامنا. شكراً أيُّها الثوبُ الورديُّ.. انتظرني يامزاري المُقدَّس الممتلئ بابتسامة الله المقدسة.. * "المنتصف"