أنثى يانعة تتشكل كياسمينة في مزهريات الخلد والبقاء ، لتفوح قصيدة باذخة الحلم، أنيقة الحزن، ناضجة الحب، ملونة الروعة، ناعمة المطر .. أحلام المقالح .. حلم يمتد شعرا من الضفة إلى الضفة .. ومرآة عمياء لا ترى غير الجمال والموسيقى والكلمة الشفافة كزجاجة حب وثلاث نقط لذيذة الحيرة .. بعكس حيرتي الآن وأنا أخوض مغامرة العاشق الشرقي الفقير لمعانقة ملكة جمال أوربا مثلا .. لا أدري ماذا أقول وأنا أقف أمام المولود البكر للرائعة أحلام وقد خرج إلى النور أخيرا .. فكان نورا على نور.. وكانت أحلام كتابا مفتوحا على مدى الإبداع وحلما يمنيا جميلا خرج من الغرفة المغلقة متمردا ليحلق في آفاق الكلمة وفضاء الشعر .. لا علاقة للاسم لكني تذكرت الشاعرة والروائية العربية أحلام مستغانمي وأنا أقوم بمطالعة كتاب الشابة اليمنية أحلام المقالح، وفي الحال قررت أن أكتب شيئا عن أحلامنا ومرآتها العمياء. وأنت تمسك بروحها بين يديك تتأمل نبضها الموسيقي .. تنقل بك أحلام في واحات وارفة الاشتهاء فيها من كلٍ زوجان اثنان على غير اتفاق .. الحلم أولا وقليل من الإحباط .. الحياة والموت .. الحب والحرب .. الحزن والفرح .. الأمل واليأس أيضا .. لكنها كانت حريصة على أن يكون الجمال نكهة كل أشيائها حتى وهي تبكي على أنقاض مدينتها الفاضلة أو عند عتبات غياب حبيب أو حتى في أضغاث أحلامها وهي تبتسم لدم أبيض يتدفق من ذاكرة ربما تكون مشروخة أو مثقوبة وربما مفقودة أيضا.. من أجمل ما يشدك وأنت مع أحلام، كثافة الحلم في ثنايا كتابها وهي بنت الحالمة تعز. ربما لأن الأحلام عامل قوي ومهم لاستمرار الحياة في واقع مملوء بنواقض الأحلام والحياة معا.. وربما لأن أحلام كأنثى مسكونة بحلم أبيض يكاد يكون حقيقة وطنا جديدا لا يحتاج الوصول إليه غير قليل من الإصرار والتشبث بالأمل والصبر حتى يكون. من الإهداء كان الحلم ..وقبل كانت على غلاف البداية أحلام.. “ كان حلما وتعثر في واقع قاحل .. مازال حاضرا ولو كان غائبا.. إلى حلمي البعيد “ هكذا تقول أحلام ... وبمجرد أن تتقدم خطوة إلى الأمام تجد تناقضا جميلا بالقرب من هالات الشمس ولادة حلم “ بدأ ببذور نثرها حبر قلبي على أوراق بيضاء ذات شرود، سقتها تلابيب أفكار، تمخضت لتلد مساحات شاسعة من الذاكرة كانت مهجورة منذ الأزل، الى أن وصلتُ لحلم يشبهني يلهث خلف النور لتراه عين عاشقة للحرف “ وهنا أستطيع إسقاط مشاعر الكاتبة على الواقع ليكون الحلم ثورة .. والعاشقة وطن. وهكذا استمرت أحلام تمارس غواية الحلم حتى النهاية حيث كانت في غلاف الختام “ طيف ذاكرة ..وحلما منسيا على حافة الحياة “ أما مع الحب فسوف تحلق بك معها في أفق من جنون تكاد تكون فيه فراشة بألوان قوس قزح، فكلما أمسكت أنامل روحك بقصيدة حب في مرآتها تحولت روحك إلى مروج ربيعية الألوان والأغنيات .. بينما أحلام تتنفسك حرفاً حرفاً لتدون قصيدة عنوانها اسمك. “ من شرفة النافذة يسمعني أقاصيص سرية نكاد نفهمها معا.. .. يدخلني في دوامة هذيان لا ينتهي .. يضمد جراحي .. يتنفسني وأتنفسه “ هكذا تعشق أحلام .. وهكذا تغني .. إنها قمرٌ لا يشبه القمر! وبالقرب من الحب كانت الحرب للأسف .. الحرب التي تجعل من أحلام غيمة دموع ومدينة نار .. تنام على إيقاع مدفع وتستيقظ “ لتحاكي همومها في دفتر صغير مغلق ... لم يتبق منها غير الخيبة والخسائر .. وأضرحة فارغة .. وجثث أحلام ... “ هكذا صديقتي تنتزع من قلبي الدموع لأكتب بها عنها وأنا أفكر في الهروب إلى غفوة تعصمني من البكاء .. لكن الحرب مستمرة .. “ تحت سقف المدينة عذراء مضرجة بالدم ..وربيع لم ينته بعد.. ثمة ذكريات تعزف على الوجع. وما زالت أحلام تصور مشاهد الألم بدقة عالية.. خلدون مع الصحف والقهوة .. عزيزة وابتسامة خضراء في وجه رصاصة حمقاء .. تفاحة تتمرد على الجاذبية وتركض باتجاه السماء .. ياسمين الأم تموت لتستيقظ الحياة.. القناديل المكسورة التي علمتها الشظايا أن تنام باكرا .. “ ورغم قسوة الحرب إلا أن مدينة “ أحلام “ المدينة الحالمة تبقى عاصمة للعطور .. ربما لأن الحياة ليست بعيدة ... “ رأيتها حيث رأيته، وهذا سر بقائي على قيد الحلم “ “ اسبقني إلى مدن الروح ..لأفتش عنك بأروقتها فأراك .. .. غيمة ممطرة تمطر عليها .. .. أزمنة ملونة وعوارض لؤلؤ ورخام “ إنها حياة جميلة فعلا .. صنعتها “ أحلام “ لنعيش فيها عصافير .. كل شيء مختلف في هذه الحياة .. حتى المطر .. “ مجنون على غير العادة .. يشبه لقاء العشاق في الحكايات “ امممممممم يا للروعة هذه الحياة .. هكذا أقول مندهشا .. أتمتم بأغان سكرى لا أستوعبها وأبتسم أيضا .. لكنها تهمس في قلبي بصمت مرتفع اصطدم “ بوطن تلهث أنفاسه خلف المجهول “ “ يا هذا .. ألا تعلم أن حزني أطول من طرحة أرملة بأيام عزائها “ لا عليك “ الحزن يبعث المطر يا حبيبة .. تلعثمتْ .. هربتْ إلى ذاكرتها المثقوبة .. وأغلقت الباب “ لكني سمعتها تغني .. “ يحدث أن يتنكر الحزن بالأبيض .. وما الحزن إلا الأبيض .. فهو مهد الربيع بدنيا الوجع في ضمادة جرح لأم من ورق! في فستان عروس عقيم .. وفي كفن الصبي الصغير! ولأني نسيت لون قلبي الأبيض معلقا على لوحة أجعلك فيها ملاكا، صرت أستبيح من جدران غرفتي البيضاء رونقا مجنونا يستعمر رأسي .. فأكون حزينة بلون الورد الأبيض ... “ أحاول الآن أن أغادر وارف النشوة أركض مع الساعات والأيام في ذاكرة مثقوبة تنام نهايتها “ أنثى بلون التوت “ واقفة كدمعة في أول السطر .. “ أنثى بشعرها الطويل، وعنقها العاصر، وخصرها الناسف، وشفتيها الورديتين المحشوتين دفئا “ تستوقفك وأنت تمر كوطن لتروي لك فصول مأساتها وهي تلملم ملابسها لتحتفظ بجسدها بعيدا عن الرياح الشريرة التي تتحرش بالطهارة .. أنثى التوت تواجه خشونة الواقع بنعومة أناملها ..تحاول أن تتشبث بالحياة حينا .. لكنها تصطدم بالشر أحيانا أخرى .. تنكسر هذه الأنثى الجميلة .. تتساءل .. “ لماذا تحيطني القلوب الجائعة؟ هل لأني امرأة؟ أم لأني أنثى بلون التوت “ يا إلهي!! إنها لا تختلف عن المرأة في بلادي التي يحكمها مجتمع ذكوري لا يرحم .. كانت صورة بالغة المأساة للأنثى كضحية .. تركتها وهي تقول: “ مازلتُ أتحمل .. وما زالوا لا يشعرون “ والآن .. “ قررت نبذ أحاديث الانكسار .. وبعثرة أوراق الموت لبداية فجر جديد .. سأستقبله بنشوتي .. وأغتسل فيه من هذيان عقارب الوقت الموجعة .. وأرتدي ثوب العيد الممتلئ بألوان قوس قزح “ هكذا تقرر الرائعة أحلام .. أما أنا فقد قررت أن أسكن مرآتها لأتشبع بالجمال والروعة والدهشة والسحر حتى أعود إلى “ بيت الشعر “ قصيدة شاهقة .. وموسيقى بيضاء كصلاة العصافير في باحة البيت الحرام. “ أمنيتي أن أصنع من شوقي قارب صيد يجدف نحو غيابك فيخترق الموج ويغرق بحثا عنك.