عاد ملف الأسرى إلى الواجهة مجددا وبرعاية أممية؛ إلا أن سياسيين يخشون أن ينتهي بتعنت حوثي يضرب بالاتفاقيات عرض الحائط، بتنصله مجددا عن طي ملف معاناة الأسرى التي أدت سنوات الحرب المستعرة في اليمن إلى وقوع الآلاف في دائرة الأسر أو الاحتجاز، بعضهم مدنيون لا ذنب لهم تم اعتقالهم لأسباب سياسية. وفيما يؤكد عسكريون أنه لا يوجد حتى الآن إحصائية رسمية دقيقة بخصوص الأسرى، إلا أن حكومة معين عبدالملك ومليشيا الحوثي الارهابية قدمتا كشوفات بنحو 16 ألف أسير من الطرفين، وذلك في مشاورات السويد نهاية العام 2018، حينما جرى الحديث عن تبادل الكل مقابل الكل. غير أن الصفقة اختزلت في أكتوبر 2020، بوساطة من قبل الأممالمتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر بإطلاق سراح 1056 أسيرا من الجانبين، بينهم 15 سعوديا و4 سودانيين بناء على اتفاق ستوكهولم وسط اتهامات متبادلة بشأن عرقلة التقدم في الملف.
اليوم، يعاود ملف تبادل الأسرى الظهور برعاية أممية، وسط تشكيك مراقبين من دعوى الحوثي إطلاق أسرى من اليمنيين والسعوديين والسودانيين، واصفين دعواه بالمراوغة، وهو أسلوب تتبعه المليشيا لتحقيق مكاسب سياسية على المستوى الدولي. فبعد الهجمات الحوثية واستهداف منشآت الطاقة، خرجت المليشيا بدعوة إطلاق سراح الأسرى لامتصاص الغضب الدولي، وتحسين من صورتها الإرهابية القبيحة على المستوى الخارجي، الذي أصبح مقتنعا بأن الحوثي جماعة إرهابية تهدد السلم الاجتماعي والأمني، وخطر يمتد إلى دول المنطقة.
ويؤكد محللون أن الحوثيين دائما ما يحاولون الظهور بأنهم مع إنهاء ملف الأسرى، متاجرين بهم على المستوى الإنساني لتحسين صورتهم أمام داعميهم في اللوبيات الأوروبية والأمريكية، والتي أصبح موقفها حرجا من الممارسات الإرهابية لتلك المليشيا المصنفة من قبل مجلس الأمن منظمة إرهابية. ويؤكد المتابعون لملف الأسرى أن الحوثيين أول ما يعلنون قبولهم تبادل الأسرى مع الشرعية، يبدؤون بوضع العراقيل أمام الخطوات الإجرائية للتنفيذ، لنقضه في اللحظات الأخيرة، ويتخذون من كشوفات أسراهم ذريعة للعودة إلى نقطة الصفر بتقديم كشوفات تتضمن عددا من قتلاهم، وتطالب الشرعية بإطلاقهم؛ وهو ما يجعل ملف الأسرى أكثر تعقيدا.
ويقول المتابعون لملف الأسرى إن من بين العوائق التي أدت إلى عرقلة حل هذا الملف بشكل كامل، هو تسليم هذا الطرف أو ذاك كشوفات لأسماء أسرى يقول الطرف الآخر بأنها غير موجودة لديه. وسبق أن اتهمت الحكومة جماعة الحوثي بأنها قدمت كشوفات وهمية لأسرى غير موجودين في الواقع؛ ما أدى إلى عرقلة التقدم في حل الملف الإنساني الشائك.
ويرى محللون أن اتباع المليشيا تلك الإستراتيجية في ملف الأسرى وتقديم أسماء موتى، يأتي لكونها تخفي عن أسرهم مصرعهم في جبهات القتال على يد القوات الحكومية؛ وهو ما يصعّب من عملية تبادل الأسرى في سياق الكل مقابل الكل، مشيرين إلى أنه في حال تم تبادل أسرى بين الشرعية والحوثي سيكون تبادلا جزئيا، كالتبادل السابق والذي قدم فيه الحوثي كشوفات بأسماء سلالية ولكبار المقاتلين وبادلهم بأسرى من الشرعية أغلبهم مدنيون اختطفوا من منازلهم أو من النقاط العسكرية، حيث يفضل الحوثي تبادل أسرى باتفاقيات أحادية عبر وسطاء محللين لإطلاق أسرى سلاليين مقابل أسرى أغلبهم من حزب الإصلاح في تعز ومأرب وشبوة، ولذا عادة ما تتم عمليات تبادل الأسرى بناءً على وساطة محلية خالصة، بعيدا عن جهود الأممالمتحدة أو اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وسبق أن أبرمت صفقات تبادل أسرى متعددة بين القوات الحكومية وجماعة الحوثي في عدة جبهات خلال السنوات الماضية، الكثير منها شمل عددًا يسيرًا من المحتجزين. هذه المرة، أعلنت المليشيا أن من ضمن الأسرى ناصر هادي، شقيق عبد ربه، ومحمود الصبيحي وزير الدفاع السابق؛ إلا أنه حتى اللحظة لم يتم الكشف عن ثمن الصفقة التي سوف يجنيها الحوثي من إطلاق قادة كبار إذا ما صدق.
وبحسب مراقبين، يعد ملف الأسرى واحدا من أهم الملفات التي تفاوض عليها طرفا النزاع اليمني في محطات من المشاورات التي رعتها الأممالمتحدة على مدى نحو ست سنوات. ومن بين هذه المشاورات، مفاوضات الكويت عام 2016، ومفاوضات السويد عام 2018، إضافة إلى عدة جولات انعقدت خلال السنوات الماضية في العاصمة الأردنية عمان برعاية من الأممالمتحدة. وها هو ملف الأسرى يعود اليوم ليظهر من جديد على السطح؛ فهل أن العملية ستتم بكل يسر وسهولة، أم أن العراقيل نفسها سوف تخيم على المفاوضات، ليكون مصيرها في آخر المطاف الفشل تحت ذرائع واهية يلجأ إليها الحوثيون مثلما في كل مفاوضات إنهاء ملف الأسرى، رغم اتفاق الجميع على أنه ملف إنساني يجب النأي به عن الصراعات السياسة قبل العسكرية؟!