لعبت محافظة تعز، جنوب غرب اليمن، دورا محورياً في إنجاح ثورة ال14 من أكتوبر عام 1963 ضد الاستعمار البريطاني لجنوباليمن. وكان لتعز وأبنائها دور كبير في التهيئة لثورة 14 أكتوبر باعتبارها المحافظة التي كانت صلة الوصل بين شمال اليمنوجنوبه. كما أنها كانت البيئة الحاضنة للمناضلين والثوار والسياسيين من أبناء المحافظاتالجنوبية، إلى جانب كونها المكان الذي يتم فيه تدريب طلائع ثورة 14 أكتوبر، فضلا عن أنها كانت منطلقا لتهريب السلاح من شمال اليمن إلى الثوار في جنوب الوطن.
وساهم أبناء محافظة تعز بشكل لافت في القتال بالسلاح وتقديم الدعم المادي من قبل تجار تعز ونخبها لدعم إخوانهم في المحافظاتالجنوبية في ثورة 14 أكتوبر، وتحقيق الانتصار لها وإعلان الاستقلال، ورحيل آخر جندي بريطاني في 30 نوفمبر عام 1967 .
قبل اندلاع ثورة 14 أكتوبر 1963 ضد الاحتلال البريطاني، كانت تعز بمثابة القِبلة للحركة الوطنية اليمنيةالجنوبية، حيث أُسست فيها العديد من الأحزاب والمنظّمات الثورية والجماهيرية التي حشدت لثورة 14 أكتوبر أو شاركت فيها. وبدأت حركة القوميين العرب نشاطها في مدينة تعز عام 1959، وفيها افتتح أول معسكر لتدريب أبطال ثورة 14 أكتوبر مطلع عام 1964، وكان يوجد فيها -قبل ذلك- معسكرات عدة للأحرار، تديرها قيادة الجبهة الوطنية، التي افتتحت فيما بعد مكتبها الرئيسي بمدينة تعز، في 3 يونيو 1964، بحضور الرئيس قحطان الشعبي وسالم ربيع علي وعبود الشرعبي وغيرها من القيادات الأخرى.
ويشير عدد من المؤرخين إلى أن قيادة ثورة 26 سبتمبر في شمال اليمن والقيادة المصرية قد ساعدت على تبني الأحزاب والقوى السياسية والقومية في إيجاد إطار سياسي لها، لتشديد عملية المقاومة ضد الاستعمار البريطاني في الجنوب، واتباع شكل النضال المسلح كشكل رئيسي في عملية المواجهة، خاصة وأن الجماهير اليمنية في كل مناطق الجنوب قد انتقلت بحماس إلى مدينة تعز والعاصمة صنعاء تطالب بحمل السلاح ضد الاستعمار وحماية الثورة السبتمبرية من الأعداء الذين تكالبوا عليها في الشمال ومن الاستعمار وعملائه في الجنوب.
وفي هذا السياق، يقول كتاب ومؤرخون إن الجبهة القومية لتحرير جنوباليمن المحتل عقدت مؤتمرها الأول في تعز بتاريخ 22 يونيو 1965، وأعلنت فيه موقفها الثابت لمواصلة الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني حتى جلائه عن أرض الوطن.
واعتبرت الجبهة نفسها الممثل الوحيد لأبناء الجنوباليمني المحتل. وأقرت في هذا المؤتمر لائحتها الداخلية وميثاقها الوطني.
وفي هذا الصدد أيضا، يقول المناضل على أحمد السلامي في ورقة عمل إن الإعداد لتفجير ثورة 14 أكتوبر انعكس على الاشكال النضالية المتعاقبة للكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني ودور الأحزاب والتنظيمات الوطنية التي بدأت تتأسس منذ عام 1951، وأبرز هذه التنظيمات الجبهة القومية التي اتخذت من مدينة تعز مقرا لها وتلقت المساعدة من مصر من خلال الضباط المصريين، وتلتها تشكيلات قتالية في كل المناطق الجنوبية بقيادات منظمة انطلقت عبر محاور تعز وقعطبة والبيضاء وإب لدعم ثورة 14 أكتوبر الخالدة.
كانت تعز بمثابة القلب النابض لثورة 14 أكتوبر، حيث أسهمت تعز بقوة في دعم هذه الثورة الوليدة والمشاركة فيها، وتناول كتابات عن دور في الانتصار لثورة 14 اكتوبر عن وصول أول شحنة أسلحة نُقلت من تعز إلى الثوار في مديرية ردفان بمحافظة لحججنوباليمن يوم 9 يونيو عام 1964، كما أرسلت شحنة ثانية في نوفمبر من العام نفسه. وتوالى بعد ذلك إرسال شحنات الأسلحة والمقاتلين من تعز إلى عدن حتى رحيل آخر جندي بريطاني من جنوب البلاد.
وكان لاحتضان تعز قيادات الجبهة القومية، وتواجد قيادة القوات المصرية هناك، وبالتعاون مع أبطال ثورة 26 سبتمبر 1962، دور كبير في استمرار إمدادات السلاح إلى أبطال ثورة 14 أكتوبر، وظلت تعز تؤدي دورا محوريا في مساندة الثورة الأكتوبرية، وإمدادها بالمال والسلاح، والمشاركة فيها بقوة. وبرز قادة من تعز كان لهم دور بارز في الدفاع الثورة، وأشهرهم عبود الشرعبي الذي صار اسمه أيقونة للنضال ضد الاستعمار البريطاني لجنوباليمن.